الأحد، 22 شوال 1446هـ| 2025/04/20م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لا أيها المفتي: بل الخلافة هي نظام الحكم في الإسلام الذي فرضه الله على الأمة

 

سقط القناع عن أولئك المشايخ الذين باعوا بآخرتهم دنيا غيرهم، وحاولوا إرضاء أعداء الأمة الذين لا يمكن أن يرضوا عنهم، قال تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾، وأغضبوا رب العالمين الذي خلقهم، وأنعم عليهم بنعمة الإسلام وحمّلهم أمانة عظيمة، أن يقولوا كلمة الحق ولا يخافوا في الله لومة لائم. وجعلهم ورثة الأنبياء، إلا أنهم أبوْا أن ينالوا هذه المكانة العظيمة التي أرادها الله لهم فكانوا كأحبار بني إسرائيل... انكشف القناع عن أولئك المشايخ - علماء السلاطين - الذين انحازوا لحكام يحكمون بغير ما أنزل الله، ضد أمتهم التي ثارت عليهم لخلعهم، بل أجازوا لهم قتل أبناء الأمة بدم بارد بعد أن زعموا أنهم ولاة أمر شرعيون، واتهموا أبناء الأمة الثائرين بأنهم خوارج يجب قتلهم دون أن يرف لهم جفن!

 

فقد خرج مفتي مصر الدكتور نظير عياد خلال حلقة برنامج "حديث المفتي"، المذاع على قناة الناس، يوم الثلاثاء 25 آذار/مارس، فادعى "أن النبي محمداً ﷺ لم يحدد نظام حكم معيناً بعد وفاته، وإنما ترك الأمر لاجتهاد الأمة وفقاً للمصلحة، وهو ما ظهر جلياً في اختلاف طرق اختيار الخلفاء الراشدين، ما يدل على أن شكل الحكم ليس ثابتاً، بل يتغير بما يحقق صالح الأمة".

 

وادعى "غياب النصوص القطعية بوجوب شكل محدد للحكم في القرآن والسنة وأن الإسلام لم يفرض نموذجاً سياسياً جامداً، بل وضع قيماً أساسية مثل العدل، وأداء الأمانات، وتحقيق مصالح الناس".

 

فهل يا ترى يكفي المفتي ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن طريق نافع قال: قال لي ابن عمر سمعت رسول الله ﷺ يقول: «مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»؟ أو ما قاله ﷺ: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ»؟ أو ما رواه مسلم عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي ﷺ قال: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ»، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ»؟ أو ما رواه ابن عباس عن رسول الله ﷺ قال: «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئاً فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْراً فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»؟

 

وإن لم يكفه كل ذلك فليعتبر بسلفه الشيخ علي عبد الرازق الذي أخرجه الأزهر من زمرة العلماء لأنه جدف كما يجدف هو في أمر عظيم كأمر الخلافة يتوقف عليه إقامة الدين وتنفيذ أحكام الشرع في جميع شؤون الحياة الدنيا والأخرى، ولا يتصور أن المفتي لا يعرف القاعدة الأصولية الشهيرة: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب). لقد قامت هيئة كبار العلماء في الأزهر بمحاكمة علي عبد الرازق وأخرجته من زمرة العلماء وفصلته من العمل كقاضٍ شرعي، وقد وجهت ست تهم، تتهم فيها كتاب "الإسلام وأصول الحكم"، وكاتبه بالضلال، حيث قالت إن الكتاب تسبب في:

 

1- جعل الدين لا يمنع من أن جهاد النبي كان في سبيل الملك لا في سبيل الدين ولا لإبلاغ الدعوة للعالمين.

2- اعتبار نظام الحكم في عهد النبي موضع غموضٍ أو إبهام أو اضطراب أو نقص وموجباً للحيرة.

3- اعتبار أن مهمة النبي ﷺ كانت بلاغاً للشريعة مجردة عن الحكم والتنفيذ.

4- إنكار إجماع الصحابة على وجوب نصب الإمام وأنه لا بد للأمة ممن يقوم بأمورها في الدين والدنيا.

5- إنكار أن القضاء وظيفة شرعية.

6- اعتبار حكومة أبي بكر والخلفاء الراشدين من بعده حكومةً لا دينية.

 

فهل خرج ما قاله الدكتور نظير عياد عما وقع فيه الشيخ عبد الرازق؟! ولو كان الأزهر اليوم كما كان بالأمس لما كان منه ومن أمثاله ما كان، ولما قال ما قال، ولخافوا الله واتقوه حق تقاته ولما اتهموا دينه بأنه أهمل أمرا عظيما كأمر الحكم، فتركه ولم يبينه للأمة، وكأنه أمر هامشي لا يتوقف عليه وجود الإسلام في الحياة!

 

مكابر من يدعي أن رسول الله ﷺ ما بعث إلا ليبين لنا علاقة الإنسان بربه فقط وما يشمل ذلك من عقائد وعبادات، فضلا عن دعوته للأخلاق الحميدة ومكارمها، وأنه ﷺ لم يكن أيضا حاكما وراعيا لشؤون أمته، بل كان رسول الله ﷺ أعظم سياسيٍّ عرفته البشرية، فقد أقام دولة، وليست أي دولة، بل كانت دولة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، دولة لها دستورها من كتاب الله سبحانه وسنة رسوله ﷺ، دولة لها كيانها السياسي الممثل في رأس الدولة وحاكمها ﷺ، الذي كان يولي الولاة والعمال، ويقلد القضاة الذين يفصلون الخصومات بين الناس، ويقود الجيوش لحمل رسالة الإسلام، ويعين قواداً للفرق والسرايا، وينيب عنه من يتولى أمر الناس إذا خرج في غزوة من الغزوات، ويوزع الأموال بين الناس بالحق كي لا يكون المال دولة بين الأغنياء، ويرسل الكتب إلى الملوك والأمراء ويتلقى الكتب منهم. فإذا لم تكن تلك الأعمال من أعمال الدول فماذا تكون أيها العلمانيون؟!

 

والخلفاء الراشدون المهديون لم يؤسسوا دولة من بعده ﷺ كما يريد الجاهلون أن يدلسوا على الناس، ولا اخترعوا شيئا من عند أنفسهم، بل استلموا دولة متينة الأركان مكتملة البنيان أسسها رسولهم الكريم ﷺ، وتركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، كل ما في الأمر أن الدولة التي استلموها كانت دولة النبوة، أما دولتهم فقد سماها نبيهم بالخلافة، كانت في عصرها الأول راشدة على منهاج النبوة، وتحولت بعد ذلك إلى ملك عضوض، وليس هذا لعيب في نظامها ولكنها طبائع البشر فهي ليست دولة إلهية ولا دولة ملائكية، بل دولة بشرية يحكمها بشر وتحكم بشراً غير معصومين من الزلل والخطأ، وإمكانية إصلاح الخلل الذي يطرأ على الدولة موجود في أجهزة الدولة وطرق المحاسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي الرجال الذين تخرجوا من مدرسة القرآن، وفي الأحزاب السياسية التي تقوم على مبدأ الإسلام، وعودة الرشد إلى نظام الحكم أمر ميسور إن صلحت النفوس وقويت العزائم، فضلا عن بشارة النبي ﷺ بعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

فكيف يمكن أن تكون "الدولة الوطنية الحديثة امتداداً شرعياً لنظم الحكم الإسلامي، ما دامت تحقق مقاصد الشريعة وتحفظ الحقوق والحريات"، كما يدعي مفتي مصر؟ كيف يمكن لدولة وصفها رسول الله ﷺ بالملك الجبري أن تكون امتدادا شرعيا للحكم الإسلامي؟ وأي مقاصد وأي حقوق وأي خير يمكن أن يأتي من تلك الأنظمة الوضعية؟

 

إن نظام الخلافة حكم شرعي فرضه الله على الأمة عاشت في ظله قروناً وقروناً، وما عرفت غيره، وظلت دولة الخلافة هي الدولة الأولى في العالم وزهرة الدنيا لقرون وقرون، فلما تكالبت عليها دول الكفر وهدمتها، ابتليت الأمة بأنظمة ما أنزل الله بها من سلطان، أنظمة وضعية نجسة، حكامها حكام سوء، عملاء للغرب والشرق، لم ترَ الأمة في ظلها يوم فرح واحداً، ولا يوم نصر حقيقي، وما هي إلا هزائم تتلوها هزائم. في ظل تلك الأنظمة الوضعية ضاعت هيبة الأمة ونهبت ثرواتها وانتهكت أعراضها وأصبح المسلمون كالأيتام على مأدبة اللئام، لا راعيَ ولا حاميَ لها، وقد رأينا بأم العين كيف تواطأت مع إخوان القردة والخنازير على قتل وتشريد وتهجير أبناء الأمة في فلسطين، ولم تحرك ساكنا وهي ترى أعراض وحرمات المسلمين تنتهك، فهل لو كانت دولة الخلافة قائمة اليوم كان يمكن ليهود أن يتجرؤوا على أهلنا في غزة؟! فكيف يمكن أن تستقيم المقارنة بين الطهر والنجاسة، ما لكم كيف تحكمون؟!

 

مما لا شك فيه أن من مصلحة الحكام الحاليين الزعم الخاطئ بأن الخلافة ليست مقاما دينيا ونيابة عن صاحب الشريعة محمد ﷺ، والذين يتخذون من الدين ومن بعض علمائه المضلين دروعا تحمي عروشهم وكراسيهم المعوجة، وترهب كل مسلم تقي نقي يعمل لإعادة الحكم بما أنزل الله بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فتصفه بأبشع الأوصاف؛ فتارة هو من الخوارج وتارة هو من دعاة الفتنة والبلبلة، وتارة أخرى هو إرهابي يستحق القتل دون محاكمة. ولكن كل تلك الدعاوى المضادة والمضللة لن تثني هؤلاء الرجال الذين نذروا أنفسهم لدعوة الحق عن المضي قدما والمسارعة لنوال رضوان الله حتى يمن الله عليهم وعلى أمتهم بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.

 

أما عن الحجة المكررة المملولة بعدم وجود طريقة ثابتة منصوص عليها في اختيار الخليفة، فما هي إلا محاولة فاشلة لصرف الأمة عن توجهها نحو الإسلام والتمكين لشرعه بإقامة الخلافة على منهاج النبوة، فطريقة اختيار الخليفة معلومة غير مجهولة، وهي البيعة لمن نال الأكثرية من المرشحين لمنصب الخلافة، فهل يجهل هؤلاء وأمثالهم كيف تم اختيار أبي بكر رضي الله عنه في السقيفة؟ ألم يكن مرشحا ضمن أربعة مرشحين هم سعد بن عبادة وأبو عبيدة وعمر رضي الله عنهم أجمعين، وبعد أن استقر الأمر لأبي بكر تمت بيعته بيعة الطاعة في اليوم التالي في مسجد النبي ﷺ، فإن أشكل عليهم فهم ما حدث في السقيفة، فلا يشكل عليهم كيف اختير عثمان رضي الله عنه من ضمن ستة مرشحين، فقد ظل عبد الرحمن بن عوف لليلتين متصلتين يستطلع رأي أهل المدينة رجالا ونساءً حتى تأرجحت الكفتين بين علي وعثمان لتتم البيعة في المسجد لعثمان على الكتاب والسنة وعلى ما اتفق عليه الشيخان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وعن صحابة رسول الله أجمعين.

 

إن الخلافة فرض ولن يصدنا عنها من يدعي أنه مفكر إسلامي ولا علماء السلاطين، وإن الخلافة التي نريد خلافة راشدة على منهاج النبوة وليست ملكا عاضا ولا مسخا مشوها كخلافة تنظيم الدولة، فالخلافة الراشدة هي وحدها التي ستنقذ الأمة من مستنقع الفقر والعوز والفوضى والأزمات المتلاحقة التي وقعت فيها، وهي مشروع الأمة العظيم الذي ستلتف حوله بكل تأكيد، لأنه يشكل حضارتها وتاريخها الذي يتجاهله هؤلاء، فضلا عن أنه حكم شرعي واجب الاتباع وبذل الغالي والنفيس في سبيل تحقيقه.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

حامد عبد العزيز

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع