الإثنين، 07 ذو القعدة 1446هـ| 2025/05/05م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

بعد مرور أكثر من عامين ما هي مآلات الصراع في السودان؟

 

في إطار تدشينه لمبادرة "دعم أسر الشهداء والنازحين واللاجئين والمتضررين من الحرب"، صرّح الفريق أول عبد الفتاح البرهان بأن "الأمور تسير كما خُطط لها وسيتم تحرير كل شبر من أرض الوطن"، مؤكداً ثقته في النصر وأن الشعب "لن يسمع قريباً بمسيّرات تقصف مرافق الخدمات المدنية". وأضاف أن الجيش انتقل من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، ولن يهدأ له بال حتى يقتلع ما سماها المليشيا ومن دعمها وساندها. في المقابل، قال الباشا طبيق، مستشار قائد قوات الدعم السريع، إن استهداف قاعدة وادي سيدنا وتدمير عدد من الطائرات الحربية والمسيّرات ومخازن الأسلحة "هو بمثابة رسالة مفادها أن الحرب دخلت مرحلة جديدة الآن"، مشدداً على أن الأيام المقبلة ستشهد "ضربات موجعة لمواقع استراتيجية لما سماها مليشيات البرهان والكتائب الإرهابية"، مؤكداً أن بورتسودان ستكون الهدف المقبل. (الجزيرة 2025/4/26).

 

تأتي هذه التصريحات في ظل تسارع كبير للأحداث وتصعيد واسع في العمليات السياسية والعسكرية في البلاد. فمنذ أن أطلقت أمريكا حرب السودان، وذلك بتوجيه رجالها في العسكر لإشعال الحرب يوم 15 نيسان/أبريل 2023، كان الهدف هو إقصاء عملاء بريطانيا وأوروبا من المشهد السوداني، وإفشال الاتفاق الإطاري الذي دنا موعد التوقيع عليه، بالإضافة إلى إعادة صياغة الواقع السياسي في البلاد، وإيجاد الشرعية لعملائها بعد انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021.

 

وبعد مرور عامين على بدء الحرب، يبدو أن واشنطن قد استطاعت تدريجياً تحقيق جزء كبير من أهدافها. فقد نجح عملاؤها، عبر تحركات سياسية، من تفكيك التحالفات الموالية لبريطانيا وأوروبا، وأقصوا هذه القوى عن المشهد، بل وجرّموا العديد من رموزها بتهم دعم قوات الدعم السريع، ما أفقدهم الزخم الشعبي والقدرة على التأثير. كما تمكنت أمريكا من القضاء على الاتفاق الإطاري الذي كان يشكل تهديداً لنفوذها في حال تم تطبيقه، بل أصبح حتى من وقعوا عليه لا يجرؤون على الحديث عنه. هذا الأمر مهد الطريق للبرهان ليعزز حكمه عبر سلسلة من الإجراءات التي أعلنها في شباط/فبراير 2025، شملت عزمه تشكيل حكومة جديدة، وإصدار نسخة معدلة من الوثيقة الدستورية، ما كرّس بشكل رسمي قبضة الجيش وأرسى نفوذ أمريكا للفترة القادمة.

 

وفي مقابل إجراءات البرهان هذه، اتخذ حميدتي خطوات مماثلة، مهدت لتقسيم البلاد فعلياً، عبر توقيع ميثاق مع قوى سياسية ومدنية وحركات مسلحة، وإعلانه عن تشكيل حكومة موازية. ففي ظل هذه التطورات، يطرح السؤال التالي نفسه وبقوة، إلى أين تتجه الأمور؟

 

وللإجابة عن هذا السؤال، يمكن وضع ثلاثة سيناريوهات محتملة.

 

 السيناريو الأول: هو الحسم العسكري الكامل لصالح طرف على حساب الآخر، وهو احتمال يبدو مستبعداً في ظل ارتباط كل من البرهان وحميدتي بأمريكا. فهي لن تسمح بحسم عسكري كامل يفضي إلى القضاء على أحد عملائها. فعلى الرغم من التصعيد العسكري الواسع والتحشيد المتبادل من الطرفين، واحتدام المعارك في مناطق حيوية، فإن ما يجري على الأرض لا يعبر عن نية جدية للإفناء، بل هو بالأحرى إعادة تموضع وترسيم غير معلن لحدود السيطرة والنفوذ. وإذا استمرت الأوضاع على هذا النحو من التصعيد، فإن ذلك قد يجعل أمريكا تعجل باتخاذ قرار وقف الحرب وفرض التفاوض على الطرفين.

 

أما السيناريو الثاني: فهو العودة إلى طاولة المفاوضات عبر منبر جدة والتوصل إلى هدنة بين الطرفين تفضي إلى تسوية سياسية. وهذا النمط ليس غريباً على سياسة أمريكا في السودان، فقد تجسد سابقاً في اتفاق السلام بين حكومة البشير والحركة الشعبية بقيادة قرنق. وعلى الرغم من المواقف المتشددة ورفض الطرفين الاعتراف بالآخر، فإن تصريحات العملاء تفقد وزنها إذا قرر السيد وقف الحرب! وفي حال حدوث ذلك، سيتراجعون عن مواقفهم، خاصة مع تصاعد الضغوط الدولية لدعوة وقف الحرب بسبب تفاقم الأوضاع الإنسانية، خاصة في دارفور. فلذلك يبدو هذا السيناريو الأكثر ترجيحاً والأقرب للواقع.

 

ورغم التحديات التي تكتنف هذا السيناريو، متمثلة في الرفض الشعبي المتوقع لأي تسوية مع حميدتي، فإن اشتداد المعارك وتمدد نفوذ قوات الدعم السريع إلى مناطق بعيدة عبر طائراتها المسيرة يثير قلق السكان، ما قد يهيئ الظروف ويطوع الرأي العام الشعبي للتسوية. وإذا تمكنت واشنطن من تجاوز هذه العقبة ووجدت صيغة قابلة للتسويق داخلياً، فإنها ستدفع بسيناريو التفاوض هذا للأمام، مع الاحتفاظ بالسيناريو الثالث جاهزاً للتفعيل.

 

أما السيناريو الثالث، فهو سيناريو الانفصال: الذي يُعتبر الأكثر خطورة وصعوبة. حيث تشير التحركات إلى أن واشنطن لا تسعى لهذا الأمر حاليا، وإنما تهيئ الظروف له مستقبلا في حال اقتضت مصالحها ذلك. فهي تعد العدة للانفصال باعتباره خطة استراتيجية دائمية يجب أن تكون قابلة للتنفيذ في حال تعثر مشروع التسوية أو أحست بتهديد نفوذها في البلاد، ولذلك تعمل على تعزيز مواقع قوات الدعم السريع وترسيخ حضورها كسلطة أمر واقع في مناطق دارفور.

 

وعلى الرغم من أن الترتيبات لهذا السيناريو قد تم تحضيرها بشكل كبير، حيث تم تشكيل حكومة موازية على الجانب السياسي، وتسيطر قوات الدعم السريع على كامل إقليم دارفور (عدا الفاشر) وأجزاء من أقاليم كردفان الثلاثة على الصعيد العسكري، فإن هذا السيناريو لا يزال يبدو مستبعداً حالياً، لأن الجانب الاجتماعي في دارفور يحتاج إلى عمل كثيف، وليس مهيأ بعد لهذا السيناريو، بالإضافة إلى وجود رأي عام دولي ومحلي يرفضه حاليا.

 

للأسف، هذه هي الاحتمالات المطروحة حاليا، ويبدو أن انشغال أمريكا بقضايا أكثر أهمية جعلها غير متعجلة في حسم الأوضاع في السودان، حيث إنها تراقب المشهد من بعيد، واضعة الحبل على الغارب، مطلقة يد عملائها المحليين لتحقيق بعض المصالح. فالمدقق في الواقع يدرك أن عملاءها يؤدون أدواراً تكاملية تخدم أهدافها بطرق مختلفة: فبينما يسعى البرهان لترسيخ سلطته داخلياً عبر حشد السند الشعبي وتفكيك النفوذ الأوروبي بإجراءات قانونية، ويعمل خارجياً على كسب الشرعية الدولية، يعكف حميدتي، في المقابل، على استكمال القضاء على نفوذ بريطانيا في دارفور، خصوصاً في الفاشر، التي يسعى جاهداً للسيطرة عليها دون أن ينجح رغم محاولاته الكثيرة، كما يعمل على إعادة تشكيل نفسه كمعارضة مسلحة قادرة على احتواء ما تبقى من نفوذ أوروبي في حركات الكفاح المسلح في دارفور.

 

وبذلك تستفرد الولايات المتحدة بالمشهد السوداني عبر رجالها من كلا الجانبين: حكومة يقودها الجيش بقيادة البرهان، ومعارضة تقودها قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، مع بقاء خيار الانفصال مطروحاً بقوة في حال فشلت المفاوضات أو تغيرت التوازنات. وفي ظل هذه المعادلة، سيبقى السودان ساحة للصراع الدولي ما لم يدرك أهله حقيقة هذا المخطط ويعملوا على تغييره. فلا سبيل للخلاص إلا بالعمل لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، لتحاسب المجرمين، وتقتص منهم، وتقطع يد أمريكا والغرب العابثة في بلادنا. وعسى أن يكون ذلك قريباً.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أحمد رشاد- ولاية السودان

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع