- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حلّ لقضيّة السّودان إلّا الحكم بالإسلام
شهد السّودان منذ (استقلاله) في الأوّل من كانون الثاني/يناير 1956 سلسلة من الانقلابات العسكريّة كانت أوّلها المحاولة الفاشلة التي قادها إسماعيل كبيدة الذي حاول الإطاحة بأوّل حكومة وطنيّة ترأسها إسماعيل الأزهريّ ثمّ تلاها أوّل انقلاب ناجح قاده الفريق إبراهيم عبود في تشرين الثاني/نوفمبر 1958 ضدّ حكومة الأزهريّ المنتخبة.
وفي أيار/مايو عام 1969 وقع الانقلاب الأكثر شهرة في تاريخ السّودان بقيادة العميد جعفر النّميري ومجموعة من الضّباط الشّيوعيّين والقوميّين، واستمرّ حكمه لمدّة 16 عاما. وقد تعرّض لعدّة محاولات انقلابيّة جرت أولاها في عام 1971، ونجح النّميري في عام 1975 في القضاء على محاولة انقلاب ضدّه كان مصير الانقلابيّين فيها الإعدام. وتواصلت محاولات الانقلاب على جعفر النّميري، حيث جرت في تموز/يوليو عام 1976 محاولة انقلاب عنيفة ودارت معارك في شوارع العاصمة الخرطوم، بين قوّات الحكومة والانقلابيّين، انتهت بفشل المحاولة وإعدام قائدها. ولكن بعد كلّ هذه التّحدّيات وفي نيسان/أبريل من عام 1985 لم يصمد حكم النّميري أمام انتفاضة شعبيّة، حيث أزيح عن الحكم وتولّى المشير عبد الرحمن سوار الذّهب - وكان حينها وزيرا للدّفاع - رئاسة مجلس عسكريّ انتقاليّ وكان الوحيد في تاريخ البلاد والمنطقة الذي وفى بوعده وسلّم السّلطة بعد عام إلى حكومة منتخبة برئاسة الصّادق المهدي. ولكنّها - هي الأخرى - في عام 1989 تعرّضت لانقلاب عسكريّ قاده عمر البشير وتولّى منصب رئيس مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطنيّ، كما تقلّد منصب رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهوريّة السّودانيّة معاً.
سلسلة من الانقلابات عاشها أهل السّودان جعلتهم يذوقون ويلات الحروب وعدم الاستقرار. واستمرّت هذه الأوضاع في عهد عمر البشير الذي حكم السّودان بقبضة حديديّة لمدّة ثلاثين عاما أذاق النّاس خلالها مرارة الظّلم والاستبداد، علاوة على إدخاله البلاد في أزمة اقتصادية حادّة. وفي عام 1999 أمر بحلّ المجلس الوطنيّ (البرلمان) وأعلن حالة الطّوارئ في البلاد إثر صراع على السّلطة بينه وبين رئيس البرلمان حسن التّرابي. وتواصلت حركات التّمرّد على البشير وحكومته فكان الرّدّ عليها بالقمع والاضطهاد؛ ففي 2004 مثلا تحرّكت قوّات الجيش إلى دارفور في غرب السّودان للقضاء على حركة التّمرّد التي اتّهمت السّلطة المركزيّة في الخرطوم بتهميش الإقليم، ونزح مئات الآلاف من سكّان دارفور إلى دولة تشاد المجاورة: أوضاع سياسيّة متدهورة وصفها وزير الخارجيّة الأمريكيّة آنذاك كولين باول بأنّها "إبادة جماعيّة".
قامت الحكومة في سنة 2005 بتوقيع اتّفاق سلام مع متمرّدي الجنوب ولكنّه انتُهِك وارتُكِبت خلاله جرائمُ حرب وتمّ إصدار دستور جديد يعطي قدرا كبيرا من الحكم الذّاتي للجنوب وإثر ذلك استقلّ الجنوب فعلا في 2011 بعد استفتاء شعبيّ.
وبعد انفصال الجنوب فقدت الحكومة النفط الذي كانت تنتجه من حقوله واستأثر الجنوب بثلاثة أرباع النّاتج الكلّي فكان أن تعرّض السّودان إلى عجز عن سدّ حاجاته من الوقود وفقد بذلك مصدرا أساسيّا للنّقد الأجنبيّ. وقد أكّدت معظم الإحصاءات الاقتصادية أنَّ 90% من السّودانيين يعيشون تحت خطّ الفقر وأنَّ نسبة البطالة تفوق الـ60%، وقد بلغ التضخّم في شهر حزيران/يونيو 2012 حوالي 37% مع ارتفاع حاد في جميع أسعار السّلع والخدمات يقابله تدهور كبير في دخل الأفراد، وفي المقابل تدّعي الحكومة أنّها ستبدأ في تطبيق الشّريعة الإسلاميّة "الحدود" بدرجة أشدّ صرامة بعد انفصال جنوب السّودان. حيث أكد النّائب الأوّل للرّئيس في خطابه خلال دورة الانعقاد الرّابعة لمُجمَّع الفقه الإسلاميّ أنَّ عمر البشير يحرص على أن يمضي المُجمَّع في طريق النّهج العلميّ وتحرّي الموضوعيَّة و"ترتيب الأولويّات واستخلاص الأحكام الشّرعيّة دون محاباة". فعن أيّ أولويّات يتحدّث؟ فالحكومة التي تسارع في تطبيق الحدود على النّاس الذين لم توفّر لهم أبسط مرافق العيش وجعلتهم يعيشون الفقر والحاجة لا تجد حرجا في إباحة تعاملها بالقروض الرّبويّة (نظراً لعدم كفاية موارد الدّولة الماليّة واحتياجها للتّمويل الخارجيّ)، كما تزعم.
هذا وقد انتهجت الحكومة سياسة ماليّة فاشلة فحجبت السّيولة عن النّاس وعجزت عن توفير دقيق الخبز لهم وهو ما تسبّب في عجز أهل السّودان عن الحصول على الحاجات الأساسيّة وتوفير أبسط مرافق الحياة... إضافة إلى الوضع الصّحّيّ الذي يعدّ مأساويّا؛ ففي إحدى الإحصائيّات التي نشرها موقع "السّودان الآن" سنة 2018 يعاني واحد من كلّ 20 طفلاً في السّودان من سوء التّغذية، وتنتشر الأمراض مثل الملاريا والبلهارسيا التي وصلت إلى مليوني حالة!
يرفعون شعار تطبيق الشّريعة وينتقون من أحكامها بعد قولبتها ما يخدم مصالحهم ومصالح الغرب ويرمون بالأحكام الأخرى أرضاً؛ فلا حكم بالإسلام في سياسة أمور البلاد ولا سيادة، فهم أتباع للغرب الكافر إذ يركنون إليه ويقترضون منه الأموال ويفتون في ذلك ويحلّلونه، ويسمحون له بالتّدخّل في شؤون بلادهم وتقرير مصير شعوبهم... ولا رعاية للنّاس ولا كفالة فأهل السّودان يتضوّرون جوعا ويعيشون في فقر مدقع... فأيّ شريعة هذه التي يطبّقونها؟ إنّ الإسلام كلّ لا يتجزّأ بأحكامه وحدوده يطبّق بوصفه نظاما للحياة ارتضاه الله لعباده ولا يحقّ لعبد أن ينتقي منه بعضه ويترك الآخر. فمن اختار تطبيق الشّريعة عليه أن يقوم على كلّ أحكامها لا ينقص منها شيئا.
ومن ثمّ كان لرفع الدّعم عن الخبز والوقود وارتفاع أسعار الموادّ الأساسيّة وندرة الكثير من السّلع واستمرار السّياسات الماليّة المملاة من صندوق النّقد الدّوليّ وغيرها، وتدهور الوضع الصّحيّ الأثر البليغ في شعور كلّ أهل السّودان بعدم الرّضا عن هذه المعيشة، وانتشرت في البلاد حالة من الاستياء الذي تصاعد وتفاقم يوما بعد يوم، وقد تجلّى بوضوح فساد نظام عمر البشير وتورّطه في التّلاعب بأموال الدّولة، فقد كشف تقرير أصدرته منظّمة النّزاهة الماليّة الدّوليّة، أنّ هذا النّظام قد أخفى حوالي 31 مليار دولار من الصّادرات السّودانيّة، في الفترة ما بين عامي 2012 و2018. وقد أعلنت الحكومة أنّ صادرات البلاد بلغت 65 مليار دولار خلال الفترة المذكورة في حين قدّرت 70 دولة من الشّركاء التّجاريّين للسّودان وارداتها بنحو 96 مليار دولار فكانت الاحتجاجات والتّظاهرات واندلعت نيران الثّورة ضدّ هذه الحكومة في كلّ مدن السّودان وتمّ إسقاطها سنة 2019 بعد أن أعلنت وزارة الدّفاع أنّ البشير قد تنحّى عن منصبه وأنّ الجيش سوف يدير شؤون البلاد.
ورغم الإطاحة بحكم البشير فإنّ معاناة أهل السّودان ما زالت متواصلة في ظلّ صراعات تقوم عليها الدّول الغربيّة وتشرف عليها منظّماتها، ولن تتوقّف هذه المعاناة ولن يكون لها حدّ إلّا إذا طبّقت أحكام الشّريعة كلّها وحكم البلاد من لا يخاف في الله لومة لائم ولا يركن لعدوّ بل يجعل رفع راية الإسلام غايته والقيام على تنفيذ أحكامه هدفه.
#أزمة_السودان #SudanCrisis
كتبته لإذاعة المكتب الإعلاميّ المركزيّ لحزب التّحرير
زينة الصّامت