السبت، 17 جمادى الأولى 1447هـ| 2025/11/08م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

من هدهد ونملة

إلى أمة مغيّبة غير مسؤولة!

 

 

في عالم تسوده الفتن، وتغيب فيه الحقائق، وتُسكت فيه الأصوات الصادقة، يأتي القرآن الكريم ليوقظ فينا الوعي، ويرسم لنا طريق الفهم والعمل.

 

قصة الهدهد والنملة ليست حكاية للأطفال، بل هي درسٌ عميق في المسؤولية والوعي والغيرة على الدين في القيادة والتحذير والموقف، ففي قصص القرآن عبرٌ عظيمة، لا تُسرد للتسلية، بل لبناء الوعي وتحريك العقول والقلوب. وقد قصّ الله علينا قصتي هدهد ونملة سليمان ليُعلّمنا معنى تحمّل المسؤولية والاستشعار بالخطر قبل وقوعه، والوقوف مع الحق، ولو كان صاحبُه طيراً أو حشرة! فكيف بالبشر؟ وكيف بالمؤمنين؟ وكيف بحملة الدعوة؟

 

فالهدهد والنملة نموذج القيادة والمسؤولية:

 

الهدهد حين تفقده سليمان عليه السلام، قال: ﴿لأعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾، ومع ذلك، جاء الهدهد بخبر عظيم ومن مصدر قوة ﴿إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ﴾.

 

- الهدهد لم يكن عابراً، بل كان مبادراً عارفاً غيوراً على التوحيد يتكلم بمنطق، ويدرك عِظَم ما رأى، ويُبلغ القائد بما يراه منكراً، حرصاً على دين الله. فإذا كان طائرٌ صغير كالهدهد استشعر خطر عبادة غير الله، وحشرة ضعيفة كالنملة شعرت بالخطر القادم فبادرت، فأين ملايين المسلمين؟ أين القادة والعلماء والدعاة؟ أين الأمة من واقعها المظلم؟ ومما يفعله الغرب وأذنابه؟

 

فالهدهد وعي سياسي واستشعار لخطر العقيدة، الهدهد لم يكن طائراً عادياً. تفقده نبي الله سليمان، لم يكن عبثاً، بل هو مسؤول عن موقع، مراقبٌ لأحوال الأمم. وحين رأى ما يهدد التوحيد، لم يسكت، لم يقل وما شأني؟ لم ينتظر إذناً، بل قالها بعقل وفهم ووضوح: ﴿إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ﴾. الهدهد لم يصف الوضع السياسي فقط، بل كشف انحرافاً عقدياً خطيراً، فأرسل رسالة إلى القائد ليُقيم الحُجّة، ويُبلغ الأمانة، ولم يقبل السكوت، بل قدّم أدق تقرير سياسي عقائدي رأته البشرية من طائر!

 

- وكذا النملة، استشعرت الخطر: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾، فهي تحذّر رعيتها، وتقوم بواجبها، وتحذر من الخطر القادم، لا تنتظر وقوع المصيبة، بل تبادر بالنصح والتنبيه! إحساس أمني وحماية للرعية. النملة، هذه الحشرة الصغيرة، لم تُلقِ باللوم على غيرها، بل شعرت بالخطر قبل وقوعه ونبّهت أمتها وخاطبت الجميع وأخذت قراراً وقائياً يحميها ويحمي جماعتها. هكذا تكون القيادة، وهكذا يكون الإحساس بالمسؤولية.

 

فالواقع اليوم غفلة تقابلها مؤامرات، ففي حين يخطط الغرب الكافر لتقسيم الأمة أكثر، ونهب ثرواتها أكثر، وتثبيت كيان يهود في قلب الأرض المباركة، وفي حين تعمل أنظمة الخيانة على التطبيع، وتسليم السلاح، وقمع المقاومة، ومحاربة المشروع الإسلامي الحقيقي، نجد في المقابل:

 

- شعوباً مهمومة بلقمة العيش، مغيبة عن دورها.

 

- علماء سكتوا عن الحق، أو صاروا أداة لتبرير الباطل.

 

- إعلاماً يروّج للدجل والتطبيع والانحلال.

 

فأين الهدهد الذي يُحذّر من الكفر؟ وأين النملة التي تنذر الرعية من السحق والضياع؟

 

نعم فحين تكون الطيور والحشرات بهذه الدرجة من الوعي والبصيرة والمسؤولية نقولها صراحة أين المسلمون اليوم؟ أين من استرعاهم الله أمر الأمة؟ أين العلماء؟ أين قادة الجماعات؟ أين عامة الناس الذين يرون المنكرات تُشرعن، والمقدسات تُباع، والأمة تُستعبد، ولا ينطقون؟! أين الإحساس بخطر ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ﴾؟ أين من يقول: وجدت أمة الإسلام تسجد للديمقراطية بدل الإسلام، وتعبد الطاغوت بدل أن تحتكم للقرآن؟

 

إن بلاد المسلمين ممزقة، تديرها أنظمة موالية للغرب، والثروات منهوبة، والسياسات مفروضة، والتعليم والإعلام ملوّثان بفكر الكافر المستعمر، ويُراد للأمة أن تفقد هويتها وتنسى عقيدتها نهائيا، وتستبدل بالشريعة الدساتير الوضعية فوق ما هو حاصل، ومع هذا فالصمت هو الغالب! لا هدهد يُبلّغ، ولا نملة تُحذّر! إلا الرائد الذي لا يكذب أهله؛ هو العامل الوحيد في الأمة صابرا ومحتسبا الأجر من الله.

 

نعم إن أخطر ما أصيبت به الأمة هو غياب الوعي السياسي على أساس الإسلام وهو ما عمل عليه حزب التحرير منذ أكثر من 70 سنة، ويدعو إليه ليل نهار.

 

فالحل ليس بالبكاء على الواقع، ولا بردود الأفعال المؤقتة، بل هو مشروع نهضة حقيقي. لذا يجب على الأمة أن تستعيد مسؤوليتها وتتحول من حالة الغياب إلى الفاعلية، ومن التبعية إلى القيادة، ولن يكون ذلك إلا عبر:

 

1- بناء العقلية الإسلامية الواعية التي تدرك الواقع وتعرف طريقة تغييره، بالعودة إلى الإسلام كاملاً لا مُجزّأً ولا مؤمماً حسب مصالح الأنظمة.

2- حمل الدعوة لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي تطبق الإسلام في الداخل، وتحمله للخارج بالدعوة والجهاد.

3- كشف الأنظمة العميلة ومشاريع الغرب الكافر، وإسقاطها فكرياً وسياسياً ومحاسبة الحكام وخلعهم.

4- بناء رأي عام واعٍ على أساس الإسلام

 

وفي الأخير أقول: لقد قام الهدهد والنملة بدورهما كاملاً، وكان في قصتهما آية، فهل يعقل أن يكونا أحرص على التوحيد وعلى الرعية من بشرٍ خُلقوا لحمل أمانة عظيمة؟!

 

فالأمة اليوم لا تحتاج فقط إلى من "يرى"، بل إلى من يعمل ويتحرك ويُبلغ ويُحذّر ويقود، فاليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل، وإن الله سائلنا عما استرعانا، فلتكن خاتمتنا، كما أرادها الله سبحانه. ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد المحمود العامري – ولاية اليمن

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع