- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا تحظر أمريكا جماعة الإخوان المسلمين الآن؟
وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا، الثلاثاء الماضي، يوجه وزيري الخارجية والخزانة بتقديم تقرير حول ما إذا كان سيتم تصنيف أي من فروع جماعة الإخوان المسلمين كتلك الموجودة في لبنان ومصر والأردن، منظمات إرهابية أجنبية. وكان الاتهام الذي رفعته إدارة ترامب لفروع الإخوان المذكورة هو دعم أو تشجيع شن هجمات عنيفة على كيان يهود وشركاء أمريكا، أو تقديم الدعم المادي لحركة حماس.
وينص الأمر على أن يتخذ الوزيران الإجراءات اللازمة خلال 45 يوما من تقديم التقرير، إذا تقرر المضي في تصنيف تلك الفروع "منظمات إرهابية أجنبية"، و"إرهابيين عالميين مصنفين بشكل خاص".
وقد أشار القرار إلى ما حدث عقب هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث شارك الجناح العسكري لفرع جماعة الإخوان في لبنان، إلى جانب حماس وحزب إيران اللبناني في مهاجمة مواقع في كيان يهود. أما الفرع الأردني فاتهمه ترامب بأنه يقدم دعما ماديا للجناح العسكري لحركة حماس، التي تصنفها أمريكا وألمانيا والاتحاد الأوروبي ودول أخرى كمنظمة إرهابية.
ويذكر أن حاكم ولاية تكساس جريج أبوت (وهو جمهوري أيضا) قد فرض الأسبوع الماضي التصنيف ذاته على جماعة الإخوان المسلمين على مستوى الولاية.
وقبل أشهر من هذا القرار، أعلن الأردن في نيسان/أبريل 2025، حظر كل نشاطات جماعة الإخوان المسلمين في المملكة وإغلاق مقارها ومصادرة ممتلكاتها، متهما الجماعة باقتناء سلاح ومحاولة تصنيع متفجرات وصواريخ والتخطيط لزعزعة أمن الدولة. مع العلم أن السعودية ومصر والإمارات ودولا أخرى تصنف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية وتلاحق أفرادها منذ زمن.
لا يمثل الأمر التنفيذي الذي اتخذه ترامب لبدء إجراءات تصنيف بعض فروع جماعة الإخوان المسلمين كـ"منظمات إرهابية أجنبية" قراراً شاملاً أو نهائياً لاعتبارات سياسية، فالقرار لا يشمل التنظيم الدولي، أو الجماعة الأم، أو معظم فروعها المنتشرة في عشرات الدول، كما لا يتضمن العقوبات المتعلقة بالشبكات المالية والإعلامية والدعوية التابعة للجماعة، وهذا يعني أن القرار يستهدف جزءاً من البنية الإخوانية، وليس هيكلها العالمي المتكامل. ولكن هذا الأمر يعكس تحولاً نوعياً واستراتيجياً في التعامل مع الحركات الإسلامية والإسلام السياسي بشكل عام.
فقد تعاملت أمريكا ولعقود مضت مع الجماعات الإسلامية في مختلف مناطق العالم بدعمها أو فتح الطرق لها لخدمة سياساتها حيث رأت فيها أدوات استراتيجية فاعلة لمواجهة النفوذ السوفيتي آنذاك، أو مواكبة رياح التغيير التي كانت تدفع لتغيير وجوه وأنظمة مُستهلكة.
فمن الثورة الإيرانية إلى الصراع الأمريكي السوفييتي في أفغانستان كانت تتداخل المصالح الأمريكية مع القوى الإسلامية، فدعم أمريكا للمجاهدين الأفغان لم يكن لبناء منظومة مبادئ أو تشكيل قوى سياسية صديقة بل كانت تبحث عن قوة قادرة على مقاومة الجيش الأحمر؛ حيث لعبت أمريكا دوراً محورياً في دعم الإسلاميين، وقامت برعاية وتجنيد وتدريب المقاتلين العرب في معسكرات بيشاور، وقدمت الأسلحة والمساعدات المالية والعسكرية للمتطوعين العرب والأجانب، كما استضافت الجامعات الأمريكية عدة محاضرين إسلاميين مثل عبد الله عزام للترويج لفكرة الجهاد وجمع الدعم الفكري والسياسي للمقاتلين.
كما فتحت الأبواب على مصاريعها أمام الجماعات الإسلامية في الدول العربية لإرسال الشباب تحت شعار الجهاد ضد الغزو الشيوعي السوفيتي ولم يكن الدعم مجرد سلاح أو تدريب بل كان يتضمن تمويلاً واسعاً وتسهيلات لوجستية وتنسيقاً مفتوحاً مع السعودية ودول خليجية أخرى تولت كلفة التجنيد وقدمت الرواتب وتذاكر السفر وغيرها للمتطوعين. وفي تلك المعسكرات وُلدت النواة الصلبة للجماعات الجهادية العابرة للحدود وخرجت من أفغانستان عشرات القيادات التي توزعت لاحقاً في كل ساحات الصراع الإقليمية والدولية، وهو ما جعل الإسلام السياسي مقبولا أمريكيا ومدعوما منها أحيانا لتحقيق مصالح مرحلية.
إلا أن هذا الطريق لم يكن مأمون العواقب فقد تحولت بعض هذه الجماعات لاحقاً إلى خصوم استراتيجيين لأمريكا بعد أن تعمقت جذورها في البلاد الإسلامية وأصبحت قادرة على التأثير السياسي والاجتماعي بشكل مباشر. وقد حاولت أمريكا احتواء بعضها ولكن العلاقات وصلت إلى طريق مسدود في كثير من الأحيان فانقلبت هي على بعض الجماعات وانقلبت عليها جماعات أخرى، حتى وقع بينهم ما صنع الحداد برز بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر فأعلنت أمريكا الحرب على ما يسمى "الإرهاب" وقامت بغزو العراق وأفغانستان، وأبقت الباب مفتوحا لعلاقاتها مع بعض الجماعات التي خدمت مصالحها في العراق والشام، وحاولت ضبط لعبة الموازنات بين حليفها الأوحد في الشرق الأوسط (أو الفتى المدلل) كيان يهود وبين بعض الجماعات الأخرى في الشام ولبنان وفلسطين ولم تثمر هذه العلاقات عن شيء، حتى جاءت عملية طوفان الأقصى فكانت الضربة القاصمة للعبة الموازنات، فانكشف سحرها وخابت آمالها، بعدما ظهر وجهها الحقيقي بدعم ربيبتها كيان يهود في حرب وحشية أبادت البشر ودمرت الحجر والشجر، فانقلب الرأي العام العالمي ضدها وضد حليفها "المدلل" بل انقلبت صورة الضحية "المزعومة" إلى صورة الجلاد المجرم حتى داخل الشارع الأمريكي نفسه، وانتفضت شعوب البلاد الإسلامية ضدها، وتعاطفا وتأييدا للمقاومة في غزة على رأسها حماس المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، بل زاد الحنق والغضب على عملاء أمريكا وأعوانها من حكام المنطقة الذين راحوا ينصرون الجلاد ويتآمرون على الضحية، فشعر أولئك بالخطر على عروشهم واهتزاز كراسيهم فتغيرت المعادلات واختلّت التوازنات ما دفع الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الإسلام السياسي وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين. بل إن الإعلان الأمريكي - حسب مراقبين - جاء عقب زيارة ولي عهد السعودية إلى البيت الأبيض مؤخرا، وبضغط من حلفاء آخرين كمصر والأردن فقد أصبحوا يرون خطر طوفان الغضب على عروشهم فهرعوا إلى أمريكا يستجدونها الغوث والعون.
وقد عبر توماس باراك، مبعوث الرئيس الأمريكي إلى المنطقة عن هذا الشرخ وانفراط حبل الموازنات الذي طالما لعبت به أمريكا بقوله "إن أهل هذه المنطقة لا يعرفون معنى خضوع"، في إشارة إلى أن القوة والعنف هي المستقبل المرتقب للتعامل مع أهل المنطقة.
إن هذا الموقف الأمريكي تجاه الإسلام السياسي لا يقتصر على جماعة الإخوان فقط بل يشمل تقييما شاملا للتيارات الإسلامية السياسية في البلاد الإسلامية ولكن بخطوات محسوبة مدروسة ما يفسر أن القرار لم يشمل الجماعة الأم ولا التنظيم الدولي عموما بل جاء ضمن رؤية تهدف إلى وضع خطة طريق جديدة للتعامل مع تحديات الإسلام السياسي.
لم تكن هذه الخطوة الأمريكية غير متوقعة، بل هي توكيد على نظرة الغرب وعلى رأسه أمريكا في التعامل مع الأمة الإسلامية، فالعداء مع الإسلام هو عداء مبدئي لا تغيره البراغماتية الغربية في التعامل مع خصومها، بل يكشف أن أمريكا وعملاءها لن تغفل لهم عين حتى يقضوا على الإسلام. والمسلمون في المقابل لا تلين لهم قناة ولا ينحني لهم رأس إلا لله، وهم فوق ذلك حملة رسالة ربانية خالدة طاهرة نقية، وقد وعدهم الله بالنصر والتمكين إن هم ثبتوا لعدوهم ولم يستكينوا أو يعطوا الدنية في دينهم، فأي الفريقين أحق بالنصر والتمكين؟ قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ﴾.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
خالد علي



