- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
ثروات الخليج ووجع الأُمّة
في الوقت الذي تنعم فيه دول الخليج بثرواتٍ هائلة من النفط والغاز، تتقلّب شعوب واسعة من الأُمّة الإسلامية على جراح الجوع والحروب والحرمان!
مشهدان متناقضان يتجاوران في عالمٍ واحد: ثروةٌ فائضة هنا، وفاقةٌ قاتلة هناك؛ شعوبٌ امتلأت بطونها حتى التخمة، وشعوبٌ تبحث في القمامة عن كِسرةِ خبز!
الفجوة بين الطرفين لم تصنعها الجغرافيا، بل صنعها القرار السياسي، والتبعية للغرب، وأولويات من يمسكون بزمام الأمور.
ومن المؤلم أن ترى أُمّة واحدة تتّسع فيها الهوّة بين حكّامٍ مترَفين وشعوبٍ مسحوقة، فيما تُهدر مليارات في صفقات لا تعود على المسلمين بشيء، بينما ملايين المسلمين يكابدون في اليمن وسوريا وغزة وأفريقيا الوسطى وآسيا حياةً لا تليق بالبشر!
وهنا يبرز السؤال الملحّ: كيف تُدار هذه الثروة؟ ولصالح مَن تُوجَّه؟ ولماذا غابت عن واجبها تجاه الأُمّة ومشروعها الجامع لوحدتها وعقيدتها؟
الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن الثروة في دول الخليج صارت بيد أنظمة ترتبط مصالحها بالغرب، حتى بدا وكأنّ الحكّام وكلاء يحفظون مصالح غيرهم أكثر مما يحفظون مصالح شعوبهم.
إن التبعية السياسية التي تربط الأنظمة الخليجية بالغرب جعلت القرار الاقتصادي جزءاً من قرار خارجي لا ينبع من حاجة الأُمّة ولا يعكس تطلعاتها، حتى تحوّلت الثروات، التي كان يمكن أن تبني مصانع، وتُحيي الزراعة، وتدعم نهضة الأُمّة من جديد، إلى أدوات توازنٍ واسترضاءٍ في لعبة دولية لا يملك المسلمون فيها إلا دور المتلقي.
والمشكلة أن هذه الثروات تُدار بعقلية "الملك الخاص"، لا بعقلية "الرِّكاز" الذي هو لجميع المسلمين، فتتصرّف بها طغمةٌ مجرمة تبعثرها بين ملذاتها، وبين منحٍ تُقدَّم لدول الغرب عدوة الإسلام والمسلمين، لتتحول إلى عتادٍ وطائرات تُقصف بها مدننا ويُقتل بها الأبرياء!
لقد آن للأُمّة أن تستعيد وعيها، وأن تدرك أن ثرواتها ليست ملكًا لحاكمٍ عابر، ولا لطغمةٍ من السُّرّاق تعيش في أبراجها العاجية بعيدًا عن معاناة المسلمين.
إن النفط والغاز والذهب وسائر الخيرات ليست صكوكاً تُمنح للغرب، ولا أرصدة تُهدر في قصور الحكّام وصفقاتهم؛ بل هي حقٌّ للأُمّة كلّها، وأمانةٌ حمّلها الله للشعوب قبل الحكّام. ولذلك، فإنّ واجب الشعوب - حين تعي قوتها وتكسر حاجز الخوف وتطالب بعدالة توزيع الثروة - أن تُرْجِف يد الطغاة، ويعود المال المسلوب إلى أصحابه. ولتعلم الأُمّة كلها أن النهضة لا تأتي بهبات الخارج ولا بوعود الغرب، بل حين تقول الشعوب كلمتها وتنتزع حقّها. فليقُم كلُّ مسلمٍ بدوره؛ فالأُمّة التي تترك مالها بيد الطغاة تفقد مستقبلها، والأُمّة التي تستعيد ثرواتها تستعيد عزّها ومكانتها بين الأُمم. وذلك لا يكون إلا بعودة دولة الإسلام؛ دولة المسلمين. فاعملوا جاهدين على إقامتها من أجل عزّتكم وكرامتكم في الدنيا والآخرة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مؤنس حميد – ولاية العراق



