مؤتمر الحوار الوطني وحق الكوتا للنساء والتمثيل السياسي للمرأة
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
يتم في هذه الأيام إظهار ما نتج عن تجمع عدة فئات من أهل اليمن والتمثيل السياسي لهم فيما يسمى بالحوار الوطني وما يظهره هذا المؤتمر من اتفاق على يمن مدني ديمقراطي موحد.
وكما أنه يظهر الاهتمام بالنساء والتمثيل السياسي لهن في هذه الدولة وما يحصل الآن في هذا التمثيل النسوي من تضارب بين مؤيد وبين معارض لتمثيل المرأة في حق الكوتا بـ30%.
بداية فما هو حق الكوتا؟ ولماذا كل هذه الضجة الإعلامية لحق الكوتا؟ ولماذا هذا التضارب في اعتبار الكوتا بضاعة غربية من بعض النسوة اللواتي يمثلن الأحزاب الإسلامية، وتأييدها من أخريات معللات ذلك بأن كل ما يحيط بنا هو تمثيل غربي للمنطوق السياسي الشامل المطبق على البلاد.
إن حق الكوتا النسائية ويقصد بها نظام الكوتا "هو نظام يقوم بتخصيص عدد من الدوائر الانتخابية للنساء، ومنع الرجال من الترشح فيها، وجعلهم ناخبين لا مرشحين لضمان فوز النساء في الانتخابات، ولتوليتهن على الرجال في مختلف البلدان وعلى مستوى الأقاليم والمحافظات. ويقصد بها أيضا تخصيص عدد محدد من المقاعد في الهيئات التشريعية للنساء. وعرفت كذلك بأنها تخصيص مقاعد للمرأة في المجالس النيابية والبلدية وتطبيق هذا النظام يتطلب إلزام الأحزاب السياسية بتخصيص مقاعد لوجود النساء في مستوياتها التنظيمية كافة. فهناك عدد محدد من المقاعد في مجلس النواب يتم شغلها من قبل النساء، بحيث لا يجوز أن يقل عدد هذه المقاعد عن النسبة المقررة قانوناً، أي هناك حصة نسائية محددة لا بد من شغلها من قبل النساء، ومفهوم الكوتا ليس عربي الأصل فلم نعثر له على معنى في معاجم اللغة العربية، ولكن بالرجوع إلى مصطلح الحصة وجدناها تعني: النصيب وهذا المصطلح تراه مرادفاً لمفهوم الكوتا فمعناهما واحد.
ومفهوم الكوتا في اللغة الإنجليزية quota تعني نصيب أو حصة نسبية، كذلك الحال في اللغة الفرنسية فهي مصطلح يعني نصيب أو حصة نسبية، قسمة، مقدار.
ويرجع الأصل التاريخي لنظام الكوتا إلى مصطلح الإجراء الإيجابي Affirmative action حيث أطلق لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية على سياسة تعويض الجماعات المحرومة إما من قبل السلطات الحكومية أو من قبل أصحاب العمل في القطاع الخاص، وقد كان في الأصل ناجماً عن حركة الحقوق المدنية ويتصل بالأقلية السوداء وقد أطلقه لأول مرة الرئيس (كيندي في عام 1961) وتابعه جونسون في برنامجه الذي كان يمثل جزءاً من الحرب على الفقر في بداية عام 1965، فتم تطبيق نظام حصص نسبية (كوتا) يلزم الجهات بتخصيص نسبة معينة من الطلاب المقبولين فيها الذين ينتمون إلى أقليات إثنية، فطالبت به جماعات أخرى مثل الحركة النسائية، كما انتشر في بلدان أخرى كانت تشعر فيها الأقليات بأنها محرومة من الحقوق.
والجدير ذكره أنه في الوقت الحالي يتم مناقشة هل هذه الحصة في التمثيل النيابي والتشريعي بـ30% التي قد خصصها مؤتمر الحوار الوطني بهذه النسبة، كافية لإبراز الدور النسوي من قبل ممثلات النساء في الأحزاب السياسية كحزب الإصلاح والمؤتمر والأمة الحوثي والاشتراكي الجنوبي.
لقد قام الإعلام المحلي بنشر عدة آراء للمتحدثات باسم هذه الأحزاب:
فقد ذكرت يمن برس خبرا بعنوان: أسماء الزنداني تتحدى المتحاورات بإعطاء النساء حقوقهن عبر الحوار وترفض الكوتا.
وذكر نفس المصدر: (وكان المؤتمر قد ناقش اليوم حقوق المرأة وواجباتها السياسية حيث أعلنت الشيخة زوزو القيسي عن رفض شيخات جامعة الإيمان للكوتا وتخصيصها بـ30% للنساء مشيرة إلى أن هذا المفهوم هو مفهوم غربي سيخلق ضررا كبيرا على الرجال في اليمن وسيزيد من بطالة الرجال وقد يعطي الأحقية في شغل الوظائف والمناصب لنساء لا يستحققنها وفق الأهلية والمعايير وإنما فقط لشغل المكان بامرأة.
وعزت رفضهن للكوتا السياسية والوظيفية لما فيها من اختلاط للنساء بالرجال والذي اعتبرته من المحرمات.
واستغربت الشيخة زوزو من المنادين بالديمقراطية والحرية كيف يؤيدون مثل هذا القرار الجائر الذي يتنافى مع مبدأ الحرية والديمقراطية المزعومة التي ينادون بها على حد قولهم، مؤكدة أن ولاية المرأة مرفوضة تماما بإجماع العلماء، ومن ينادين اليوم بمساواة المرأة بالرجل في شتى الميادين إنما هن يدعين لتقليد الغرب الكافر الذي لا يريد الخير للأمة الإسلامية.
فيما تحدت الشيخة أسماء الزنداني النساء المشاركات في مؤتمر الحوار الوطني أن يأتين بحقوق المرأة اليمنية من خلال الحوار قائلة "لن تستطعن أن تأتين لنا في الحوار الوطني بحقوقنا والغرب لن يعطينا حقوقنا، عزتنا بقداسة شريعتنا فلماذا تنفرن منها"
وأضافت "نريد الكوتا وفق الشريعة الإسلامية 100% بمعزل تام عن الرجال ويمنع فيها الاختلاط في كل شيء" مشيرة إلى أنها اضطرت لإغلاق مدرسة فتحتها للأطفال لأنها لم تستطع إدارتها في معزل عن الرجال.
وعرض الإعلام أيضا بعض التصريحات لبقية النسوة والأحزاب السياسية:
فقد وصفت الدكتورة انطلاق المتوكل عضو مؤتمر الحوار مناداة البعض بإرجاع مشاركة المرأة السياسية إلى الشريعة بالمماحكات السياسية التي لا تريد للمرأة أن تحصل على حقوقها، وتريد أن تضفي على مخرجات الحوار الخاصة بالنساء صبغة أنها مخالفة للشريعة، مشيرة إلى أن كفة الميزان اليوم في هذه الأمة مختلة وقالت "نريد الدخول في صناعة القرار لأننا محتاجون إليها فقضايا النساء لم تمسها الحكومة وكانت الحكومة عاجزة عنها".
وأضافت الدكتورة المتوكل "تموت نساء كثيرات ولا يجدن مركزا صحيا في القرية واجبي كمسلمة أن أدافع عن الأمة، وخرجنا لأن وطننا بحاجة إلينا وأتمنى أن تدافعن عن 30% فهي ضرورية لنا جميعا اليوم"
وقالت: "إن كنتن عاجزات عن إدارة أي من مفاصل الدولة فهناك أخريات قادرات فلا تمنعنهن من ذلك ولا تقارننا بالغرب فنحن من سيعلمهن كيف تكون التجربة اليمنية" مؤكدة أن النساء في اليمن سيصلن إلى توافق في قراراتنا وآرائنا، وكل قضايا النساء الذي خرج بها الحوار كلها نابعة من الدين الإسلامي.
وقالت أيضا "نرفض الكوتا الغربية ولكن نتكلم عن آليات وضعها الله تعالى في قرآنه وخصص لها عددا من السور وفي أهم خطاب سياسي للرسول قال استوصوا بالنساء خيرا لأنه يعرف أن هذه الأمة في داخلها ممارسات جاهلية ونحن اليوم في أعزها ولا يطبق الشرع بشكله الصحيح"
ثم اختتمت حديثها بقولها "نحن لا نؤمن بآراء جميع الفقهاء فهناك عالم السياسة وعالم الحزب وعالم الأمة. ونحن نريد من عالماتنا أن يكن عالمات أمة لا عالمات حزب أو سلطة وهذه الأمة ما زال الله يعاقبها بظلمها للنساء"، مؤكدة أن المرأة المتربية على دينها لو وضعت في أحلك الظروف فلن تترك دينها وستمشي في الطريق المستقيم ولو لم يكن ذلك داخليا لو حبسوها في بروج مشيدة لعادت وعملت ما تريد، وإن الساسة يخدعوننا بكلام تحريم الولاية ولكن ليتركوا باب المنافسة مفتوحا للنساء ويدعونا نتنافس لا أن يغلقوه باسم الدين.
فيما اختلفت الناشطة الحقوقية فريدة اليريمي نائبة رئيس منظمة بناء للحقوق والحريات معهن في كثير من النقاشات وعزت ذلك إلى عدم وجود أدلة ثابتة لما ذهبن إليه في التحليل والتحريم رغم الاتفاق في بعض الأمور.
وقالت: "نتفق تماما في أن ديننا الإسلامي هو المرجعية الأولى وهو معطي المرأة حقوقها كاملة شاملة ولكنه لم يعد يُعرف كما ينبغي أن يُعرف، ومشكلتنا في فهم ديننا فعلينا أن نعود لنقرأه قراءة مختلفة لفهمه صح حتى نعطي ما أعطانا الله ونترك ما نهانا عنه".
واستغربت ممن يدعين لتحريم الاختلاط والخلط بين الاختلاط والخلوة مضيفة "الاختلاط جائز في أمور الدنيا والعمل والمحرم هو الخلوة ولو كان الاختلاط محرما كما يدعون لحرمه الله في الحج وجعله أياما لحج الرجال وأياما لحج النساء"
في خضم هذه التصريحات التي اختلفت بين مؤيد ومعارض لهذا الحق في الدستور الوضعي الحالي المطبق في اليمن الذي يرسخ الديمقراطية والحريات وحق التشريع، أقول:
وقبل أن ندخل في تفصيل تصريحات الأخوات يجب أن ننبه إلى أنه لا بد أن ننظر في حكم الانتخابات أصلاً في الدول العلمانية والمنظومات الحالية؛ التي هي وليدة الديمقراطية التي تجعل التشريع للمخلوق دون الخالق، وسوف يتم التركيز على ما نحن بصدده وهي قضية المرأة، وما يطرح فيها؛ فسنحصر الكلام على هذا النظام الذي بدأ تطبيقه في بعض البلدان العربية، لأن الانتخابات ضررها عظيم، وهذه القضية ضررها أعظم، وهي حق الكوتا النسوي ونسبته والتمثيل التشريعي للمرأة في المجالس التشريعية لتعطي للمرأة حقوقها وتحفظ كرامتها...
إنّ ما ذكرته الأخوات في جامعة الإيمان من تصريحات تثلج الصدر وتسعى إلى ترسيخ الفكر الإسلامي، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو أين دولة الإسلام لكي يتم تطبيق النظام الاجتماعي الإسلامي على المرأة المسلمة؟!
وكيف سبيل الوصول إلى حقوق المرأة وَفْقَ أحكام الإسلام في ظل دولة علمانية؟! إن إعطاء المرأة حقوقها الشرعية لن يكون أبدا إلا بالسعي الجاد والعمل الحثيث على إيجاد دولة الإسلام، وليس في ظل دولة تحكم بتشريعات غربية وضعية فصلت الدين عن الحياة والسياسة وجعلت التشريع للبشر من دون الله {إن الحكم إلا لله} فكان الأصل في الأخوات في جامعة الإيمان أن يرفضن هذا الحوار وينكرنه لأنه ليس من شرع الله فحق الولاية لن يكون في دولة جمهورية ديمقراطية تتحاكم إلى القوانين الوضعية وتؤصل للحريات الغربية.
وما ذكرته الأخت انطلاق المتوكل من ضرورة منح المرأة فرصتها في الدخول إلى المجتمع السياسي والتشريعي لأن ذلك يعطي للمرأة الفرصة في تمثيل المرأة ونيل حقوقها في خضم قوانين تنظر إلى المرأة على أنها من الأقليات، وأنه يجب المحافظة على حقوقها بحق الكوتا من أجل العيش الكريم والمحافظة عليها من الذل بإدخالها في المجتمع بالحصول على حق التوظيف وغيرها.
ثم اعتبار الأختين انطلاق المتوكل وفريدة اليريمي أن حق الكوتا والدخول في المجالس التشريعية من شرع الله وأن الأصل إظهار الحق وحماية المرأة وحقها في العيش.
إن الواجب هو معرفة أصل حق الكوتا ولمن يعطى وفي أي دولة يتم إعطاء حق الكوتا وقد سبق أن بينت ذلك في بداية المقال.
والأصل أيضا عند الحديث عن القوانين أن ننظر هل هذه القوانين من كتاب الله وسنة نبيه؟
فإذا كانت لا تمت لشرع الله بصلة فيجب رفضها ونبذها والمطالبة بتطبيق شرع الله، وعليه أقول إن نظام الكوتا ما هو إلا نظام ترقيعي للواقع المزري الذي تعيشه الدول العلمانية الرأسمالية.
ونظرة إلى مكانة المرأة في شرع الله سبحانه وتعالى، وكيف أنه أعزها بهذا المنهج القويم وعن حقها السياسي في دولة الإسلام، ترينا:
السياسةُ هيَ رعايةُ شؤونِ الأمّةِ داخلياً وخارجياً، وتكونُ منْ قِبَلِ الدولةِ والأمّةِ، فالدولةُ هيَ التي تُباشِرُ هذهِ الرعايةَ عملياً، والأمّةُ هيَ التي تحاسِبُ بها الدولةَ. والسياسةُ تشملُ: مباشرةَ رعايةَ الشؤونِ عمليًا مِنْ قِبَلِ الحاكمِ ومحاسبةَ الدولةِ مِنْ قِبَلِ الأمةِ والاهتمامَ بمصالحِ المسلمينَ وقضاياهُمْ والنصحِ لهمْ، وتشملُ كذلكَ العملَ ضمنَ كتلةٍ لاستئنافِ حياةٍ إسلاميةٍ.
ففي مجالاتِ العملِ السياسيِّ، فقدْ أمرَ الإسلامُ بها الإنسانَ المسلمَ بوصفهِ مسلمًا دونَ النظرِ إلى كونهِ رجلاً أو امرأةً، فنرى مثلاً في مجالِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عنِ المنكرِ وهوَ منَ العملِ السياسيِّ لكونِهِ جزءًا منْ رعايةِ الشؤونِ، نرى أنَّ أدلتَهُ جاءتْ عامةً لا تختصُّ بالرجلِ دونَ المرأةِ، ومِنْ ذلكَ قولُهُ تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾، ولفظُ "أمةٍ" لفظٌ عامٌ يشملُ الرجلَ والمرأةَ على السواء، وقالَ تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، وقالَ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ» رواهُ أحمدُ والترمذيُّ وحسنَّهُ، وواضحٌ أنَّ الأمرَ في الحديثِ عامٌ للرجالِ والنِّساءِ.
وكذلكَ الأمرُ بالنِّسبَةِ للعملِ ضمنَ كتلةٍ تسعى لاستئنافِ الحياةٍ الإسلاميةٍ بإقامةِ الخلافةِ وتحكيمِ الشَّرعِ، فإنَّ دليلَ إنشاءِ الكتلةِ قولهُ تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، هذهِ الآيةُ خاطبتِ المؤمنينَ والمؤمناتِ وأمرتهمْ بإنشاءِ كتلةٍ يكونُ عملُهَا الدعوةُ إلى الإسلامِ (الخيرِ) وأمرُ الأمةِ بتحكيمِ شرعِ اللهِ ونهيِهَا عنِ الأخذِ بالأفكارِ والأنظمةِ الغربِيَّةِ، وهذا أعظمُ معروفٍ يُؤمرُ بِهِ وأشدُّ منكرٍ يُنهى عنهُ. وكذلكَ الأحاديثُ الشريفةُ التي يُستدلُّ بِها على وجوبِ إقامةِ الخلافةِ، كقولِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مَيْتَةً جَاهِلِيَّةً» رواه الطبراني في الكبير، فكلمةُ "مَنْ" عامةٌ تشملُ الرجالَ والنساءَ، ومِنَ المعلومِ أنَّ نُسَيْبَة بنتُ كعبٍ ـ أمُّ عُمَارةَ ـ مِنْ بني مازن بن النجار، وأسماءُ بنتُ عمرو ـ أم منيع ـ من بني سلمة بايعنَ الرسولَ صلى الله عليه وسلم في بيعةِ العقبةِ الثانيةِ، وقدْ بايعَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم النِّساءَ اللاتي هاجرنَ بعدَ إقامةِ الدولةِ، قالَ تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، وعليهِ فإنَّ الميتةَ الجاهليةَ تشملُ النِّساءَ أيضًا ممنْ لمْ يكنْ في أعناقهنَّ بيعةٌ أو لمْ يَتَلَبَّسْنَ بالعملِ لإيجادِ خليفةٍ يستحقُّ البيعةَ.
وقدْ حملتِ النساءُ الدعوةَ إلى الإسلامِ في مكةَ ضمنَ كتلةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وصحابتِهِ رضي الله عنهم، بلْ إنهنَّ تحملْنَ في سبيلِ حملِ الدعوةِ أشدَّ أنواعِ العذابِ والتنكيلِ منْ كفارِ مَكَةَ، ومنْ ذلكَ ما رواهُ البخاريُّ عن سَعِيدٍ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه أنهُ قالَ: "لَوْ رَأَيْتُنِي مُوثِقِي عُمَرُ عَلَى الإِسْلامِ أَنَا وَأُخْتُهُ وَمَا أَسْلَمَ..."، فسعيدُ بنُ زيدٍ وزوجَتُهُ فاطمةُ أختُ عمرَ رضيَ اللهُ عنهُمْ أجمعينَ كانوا منْ حملَةِ الدعوةِ قبلَ إقامةِ الدولةِ، حتى إنَّ عمرَ قبلَ إسلامِهِ عذَّبَهُمْ على ذلكَ. وروى ابنُ هشامٍ في سيرتِهِ أنَّ أبا بكرٍ رضي الله عنه مَرّ بِجَارِيَةِ بَنِي مُؤَمّلٍ حَيٍّ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ، وَكَانَتْ مُسْلِمَةً وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يُعَذّبُهَا لِتَتْرُكَ الإِسْلامَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ وَهُوَ يَضْرِبُهَا، حَتّى إذَا مَلّ قَالَ: "إنّي أَعْتَذِرُ إلَيْك، إنّي لَمْ أَتْرُكْ إلا مَلالَةً"، فَتَقُولُ: "كَذَلِكَ فَعَلَ اللّهُ بِك"، فَابْتَاعَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَأَعْتَقَهَا. وقصةُ خديجةَ وسميةَ مشهورتانِ تُغنيانِ عَنِ الذكرِ.
وأما محاسبةُ الحكامِ، فهيَ أيضًا منَ الأعمالِ السياسيةِ التي يستوي فيها الرجالُ والنِّساءُ منْ جهةِ فرضيةِ الحكمِ الشرعيِّ، لأنَّ أدلةَ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ التي ذَكَرْناها سابقًا هيَ أدلةٌ عامةٌ تشملُ أيضًا أمرَ الحاكمِ بالمعروفِ ونهيَهُ عنِ المنكرِ، وهيَ أيضًا أدلةٌ تُفيدُ الوجوبَ. إضافةً إلى ذلكَ، يقولُ صلى الله عليه وسلم: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ»، قَالُوا: أَفَلا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لا مَا صَلَّوْا»، والحديثُ عامٌ أيضًا في الرجالِ والنِّساءِ.
ونرى أنَّ النِّساءَ في زمنِ الخلافةِ الراشدةِ قدِ التزمنَ بحكمِ المحاسبةِ ومارسنَهَا دونَ إنكارٍ منَ الصحابةِ، فحينَ تولَّى عمرُ الخلافةَ اعترضتْ طريقَهُ خولةُ بنتُ ثعلبةَ وقالتْ لهُ ناصحةً: "كُنَّا نعرفُكَ عُوَيْمِرًا ثمَّ أصبحتَ عُمرًا ثمَّ أصبحتَ عمرَ بنَ الخطابَ أميرًا للمؤمنينَ، فاتَّقِ اللهَ يا عمرَ فيما أنتَ مستخلفٌ فيهِ"، وكذلكَ أنكرتْ سمراءُ بنتُ نهيكٍ الأسديَّةُ على عمرَ رضي الله عنه نهيَهُ أنْ يزيدَ الناسُ في المهورِ على أربعمائةِ درهمٍ، فقالتْ لهُ: ليسَ هذا لكَ يا عمرَ: أما سمعتَ قولَ اللهِ سبحانهُ: ﴿وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ فقالَ: أصابتْ امرأةٌ وأخطأَ عمرُ.
وثبتَ عنْ سيدنا عمرَ رضي الله عنه أنَّهُ كانَ حينَ تعرضُ لهُ نازلةٌ يدعو المسلمينَ إلى المسجدِ، وكانَ يدعو النِّساءَ والرجالَ ويأخُذَ رأيَهمْ جميعاً، وقدْ رَجَعَ عنْ رأيهِ كما رأينا حينَ ردَّتهُ امرأةٌ في أمرِ تحديدِ المهورِ.
هذهِ أحكامُ شرعِنا الحنيفِ المتعلقةُ بالمرأةِ والعملِ السياسيِّ، منها ما هوَ خاصٌ بالمرأةِ كحُرمةِ مباشرةِ أعمالِ الحكمِ، ومنها ما ينطبقُ على الرجلِ والمرأةِ لعمومِ أدلتِها كوجوبِ العملِ لاستئنافِ الحياةِ الإسلاميةِ ومحاسبةِ الحكامِ والشورى. وقدْ عملتِ المسلماتُ في زمنِ النبوةِ والخلافةِ الراشدةِ بهذهِ الأحكامِ وأحْسَنَّ تطبيقَها، ولمْ تأخذهنَّ في ذلكَ لومةُ لائمٍ ولا رهبةُ حاكمٍ، فكانَ لهُنَّ بذلكَ عظيمُ الأجرِ والثوابِ بإذنِ اللهِ.
ونحنُ اليومَ نتأسى بسيرةِ هؤلاءِ النِّساءِ العظيماتِ، ونعملُ كما عملنَ لاستئنافِ الحياةِ الإسلاميةِ والنهوضِ بالمسلمينَ، حتى يُظهِرَ اللهُ أمرهُ ويعزَّ دينَهُ، فإذا شهدنا قيامَ خلافةِ المسلمينَ الثانيةِ على منهاجِ النبوةِ، لنْ نترُكَ العملَ السياسيَّ، بلْ إننا سنستمرُ في نصحِ المسلمينَ وأمرِهمْ بالمعروفِ ونهيهمْ عنِ المنكرِ، ولنْ نتوانى بإذنِ اللهِ عنْ محاسبةِ خليفتِنا وأعوانهِ والنصحِ لهُمْ، حتى يرضى اللهُ تعالى عنَّا، ويحشُرَنا في زمرةِ المسلماتِ الأوائلِ، ويجمعَنا بهنَّ في جناتِ النعيمِ، كما جمعنا على عملٍ واحدٍ في الدنيا.
اللهمَّ ثبت قلوبنا على دينك، وأعنا على حمل دعوتك وإقامة دولتك ونبذ كل فكر استعماري مثل حق الكوتا والمجالس التشريعية والنظم العلمانية.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم أبرار / ولاية اليمن