الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

الجزائر إلى أين؟

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن الاستقراء للأحداث التي تتالت منذ فترة في الجزائر توحي بأن الأزمة السياسية في تزايد وتفاقم يوما بعد يوم؛ بداية بالتحوير الذي قام به الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في صلب جهاز الأمن والاستعلامات المعروف بجهاز المخابرات العسكرية، وعزله العديد من الجنرالات، وذلك منذ رجوعه من باريس حيث استكمل علاجه في المستشفى العسكري فال دي غراس، مرورا بالتصريحات النارية للأمين العام لجبهة التحرير الوطني الحزب الحاكم عمار السعداني التي هزت عرش الفريق محمد لمين مدين الملقب بالجنرال التوفيق الذي يتولى جهاز المخابرات العسكرية منذ سنة 1990، وصولا إلى قرار بوتفليقة بتفعيل المادة 20 من قانون المستخدمين العسكريين، الذي ينص على ضرورة إحالة ما لا يقل عن 100 من ضباط الجيش والدرك الوطني والمخابرات على التقاعد الإلزامي فورا، وقد استهدفت تدابير هذه المادة الجنرال مدين الذي رفض بدوره هده الإقالة في تحدٍّ سافر لمؤسسة الرئاسة. كل هذه الأحداث التي اتخذت نسقا تصاعديا تدل على أن الصراع قد احتدم وبلغ ذروته بين أجنحة وعصب المخابرات العسكرية وبين الرئاسة وأركان الجيش؛ ليس من أجل قيام دولة مدنية أو الانتقال الديمقراطي والشفافية كما يزعم أنصار بوتفليقة، وإنما من أجل السلطة والثروات.


هذا الصراع الذي استعمل فيه كلا الطرفين كل الوسائل والأساليب المتاحة من أعمال مادية واستنجاد بأحزاب معارضة وشبه معارضة وإعلام ممنهج وإثارة للأقليات، مثل الاشتباكات التي حصلت بين الأمازيغ والعرب في غرداية جنوب الجزائر والتي أسفرت عن أكثر من أربعة قتلى، هذا الصراع الخفي الذي أصبح علنيًّا قد فرض على آل بوتفليقة بعد أن سربت المخابرات العسكرية معلومات تتهم الرئيس وشقيقه سعيد بوتفليقة بالنهب والفساد، وبعد أن تعالت أصوات الأحزاب المعارضة مطالبة بتفعيل المادة 88 من الدستور، والتي تنص على عزل الرئيس في حالة إصابته بمرض مزمن وعجزه عن إدارة دواليب الدولة؛ مما أجبر الرئاسة على الرد وقصف أجنحة المخابرات، وذلك بعزل أكثر من خمسين جنرالاً ثم الدفع بالجندي الصغير لبوتفليقة عمار السعداني لاتهام مدير المخابرات والرجل القوي في السلطة الجنرال بالتقصير في مهام حماية الدولة من الإرهاب، التي وضعت الجزائر في صورة أشبه بالدولة الفاشلة أمنيا، ووصفه جهاز المخابرات بالدولة داخل الدولة التي تفرض سيطرتها على كل الهياكل والمؤسسات؛ هذه الاتهامات لاقت انتقادات لاذعة من كثير من الشخصيات والأحزاب والجرائد والقنوات الإعلامية التي اتجهت وجهة واحدة في الدفاع عن جهاز المخابرات، وهو راجع إلى الاصطفاف لصالحها والخوف من بطشها وليس جراء أهوال التصريحات التي تورط فيها السعداني، وفي غضون ذلك لجأت المخابرات بعد تشويه صورة الأمين العام للأفلان للمؤسسة القضائية؛ حيث قد رفع المدير السابق للمخابرات العسكرية قضية ضد عمار السعداني لافترائه على المؤسسة الدستورية وتقصيره في أداء مهامه، علما بأن هذا الأخير قد كشف للإعلام بأنه مهدد بالتصفية الجسدية. ولأن الرئاسة هي من تملك خواتم الجمهورية قامت ببتر اليد اليمنى للجنرال مدين؛ وذلك باعتقال الجنرال حسان واسمه الحقيقي عبد القادر ايت اورابي الرئيس السابق لوحدة مكافحة الإرهاب بجهاز الاستخبارات، وعرضه على المحكمة العسكرية في البليدة بتهمة إنشاء فرق مسلحة في إطار غير قانوني. ولذلك يكون كف الصراع قد رجح للسلطة المتمثلة في الرئيس بوتفليقة وشقيقه سعيد بوتفليقة الذي يتولى منصب مستشار الرئيس منذ سنة 1999 ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش ونائب وزير الدفاع الجنرال أحمد قايد صالح.


وبعد تحطم طائرة عسكرية من نوع "هيركيلز سي 130"، كانت تقل على متنها 77 شخصاً، في ولاية "أم البواقي" شرقي الجزائر لم يسلم منهم من الموت سوى شخص واحد، تلتها أعمال إرهابية في محافظة جندوبة من ولاية تونس التي أسفرت عن أربع ضحايا منهم ثلاثة أمنيين، وقد صرح الناطق الرسمي لوزارة الداخلية أن من بين منفذي العملية ثلاثة جزائريين، خرج الرئيس بوتفليقة عن صمته وحذر من المساس بالمؤسسة العسكرية واستقرارها، مؤكدا أن دائرة الاستعلامات جزء لا يتجزأ من الجيش الشعبي الجزائري. أيضا أشار بالحرف الواحد أنه "لا يحق لأحد أن يصفي حساباته الشخصية مع الآخرين على حساب المصالح الوطنية العليا في الداخل والخارج"، في إشارة ضمنية إلى الجنرال مدين الذي اتهمه بعض الصحفيين والمحللين بأنه وراء هاتين العمليتين، في محاولة لضرب وحدة الجيش وأمن الجزائر الداخلي ومصالحها الخارجية خاصة أمن تونس.


إن المدقق والمستقرئ للواقع السياسي في الجزائر منذ فترة، يدرك تماما أن الصراع ليس هو بين المؤسسة العسكرية وبين الرئاسة، وإنما بين جناح المخابرات العسكرية المعروفة اختصارا بـ DRS وبين مؤسسة الرئاسة التي يساندها بشدة الجنرال قايد صالح الذي ألحقت بقيادته ثلاث مصالح مهمة وحساسة جردها بوتفليقة من الجنرال مدين، وهي أمن الجيش والصحافة والشرطة القضائية العسكرية.


الصراع الداخلي يعكس صراعًا خارجيًّا فرنسيًّا بريطانيًّا، ويذهب البعض من المحللين السياسيين إلى أنه صراع أمريكي إنجليزي، كالصحفية والمحللة السياسية المصرية حنان البدري التي علقت في مداخلة لها على فرانس 24 على المؤتمر الصحفي للرئيسين الفرنسي فرنسوا هولاند والأمريكي باراك أوباما في واشنطن على أن أمريكا تعتبر شمال أفريقيا سلة الاحتياطي للثروات، وتحاول التسلل من خلال النفوذ الفرنسي هناك، وأن المغزى من وراء هذه الزيارة هي تعزيز التعاون بين البلدين في القضاء على الإرهاب في شمال ووسط وغرب أفريقيا، كما هي الحال في سياسة الإدارة الأمريكية الدفاعية والخارجية التي تنتهج أسلوب التدخل العسكري المباشر أو اكتفائها فقط بإشعال الحروب الأهلية والأزمات. ناهيك عن الإرادة الدولية في جعل الجزائر يلعب دورًا فعالاً في أفريقيا وخاصة في المجال الأمني. فكما ذكرت عدة تقارير ودراسات أن العقدة الأمنية هي الأساس في المدى المنظور لأية علاقات جزائرية أفريقية؛ وذلك في ظل تنامي وتزايد فشل الدولة والهشاشة الاقتصادية والأمنية لأفريقيا، وأيضا حفاظ الجزائر على علاقتها الاستراتيجية بتونس وليبيا والاستفادة من خبراتها الاحترافية في المجال الاستخباراتي.


فبعد تأزم الأوضاع في الشرق الأوسط الذي هبت عليه رياح التغيير وخاصة الثورة السورية الأبية التي حيرت وأرّقت مضاجع الغرب وخاصة أمريكا التي يبدو أنها قد أدركت أن التغيير الجذري وسقوط النظام "بطم طميمه" في شام الإسلام قادم لمحالة آجلا أم عاجلا. فها هي تحاول كما حاولت سابقا في الستينات افتكاك أفريقيا من أوروبا تدريجيا، ساعية في اتخاذ شمال أفريقيا كخط دفاع ثانٍ. كيف لا وأفريقيا فيها خيرات كبيرة من المواد الخام وثروات زراعية وحيوانية بشكل خيالي، وهي تدرك أن الجزائر هي حجر الارتكاز في العمق الأفريقي؛ فارتباك الأوضاع في الجزائر وجرّها إلى ثورة شعبية بدون وعي يخدم مصالح أمريكا التي يمكن أن تتسرّب من خلالها إلى السلطة وتمدد نفوذها ولو جزئيا. فقد صرحت لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال أن ما تعيشه الجزائر من صراعات واتهامات هي من أخطر الأزمات التي تعيشها البلاد منذ 1962 وقد تمهد للتدخل الأجنبي في البلاد. وكانت قد نشرت جريدة الجزائرية منذ فترة أن مدير المخابرات يتخوف على الاستقرار في الجزائر جراء ترشح بوتفليقة لولاية رابعة. ويتعزّز هذا الطرح بتقارير دولية منها أمريكية تحذر من انفجار الأوضاع في الجزائر مستقبلا. وأيضا لا نستطيع أن نمر على قضية الصراع الدولي في أفريقيا دون ذكر الدور الفرنسي في المنطقة وتعزيز العلاقات الجزائرية الفرنسية، وإن بدت في ظاهرها اقتصادية سياسية إلا أنها تنطوي على أبعاد جيو أمنية.


إن الأزمة السياسية والأمنية التي تمر بها الجزائر تترجم صراعًا دوليًّا بامتياز على المنطقة؛ فرنسا وأمريكا من جهة، وبريطانيا الأفعى الرقطاء من جهة. وقد عززت هذه الأخيرة تعاونها الأمني مع الجزائر خلال الأشهر الأولى من سنة 2013، إلى جانب دعم العلاقات السياسية والاقتصادية، وهو مؤشر واضح لعزم لندن توثيق علاقتها مع ما تعتبره أهم دولة محورية في المنطقة في مجال مكافحة الإرهاب.


الأزمة السياسية في الجزائر، وإن كانت أسبابها الداخلية هي فساد النظام وفشل في الدولة ناتج عن ملفات فساد كبرى لها علاقة بالسلطة، قد أشارت إليها سابقا وثائق دبلوماسية أمريكية نشرها موقع "ويكيليكس" عبر الجريدة الإسبانية "الباييس"، التي تكشف عن فحوى المحادثات المختلفة التي جمعت بين السفير الأمريكي بالجزائر وصحفيين بالجزائر، حول فشل نظام الحكم في الجزائر وتفشى الفساد في البلد، حتى وصل إلى أشقاء الرئيس الجزائري "عبد العزيز بوتفليقة"، بالإضافة إلى تهديد انقسام قيادة الجيش الذي يهدد استقرار البلاد. فإن أسبابها الخارجية هي تنافس وصراع دولي قديم جديد على المنطقة لبسط النفوذ والسيطرة على المنطقة، خاصة لما ستلعبه الجزائر من دور اللاعب الفاعل في المنطقة كما ذكرت تقارير مراكز الدراسات، والتاريخ القريب شاهد على هذا الصراع بعد سقوط الدولة العثمانية؛ عندما اندفعت الدول الاستعمارية في أواخر القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر في الاستعمار، وغزو أوروبا للقارة الأفريقية، ثم دخول أمريكا بكل ثقلها في تنافس محموم مع بريطانيا وفرنسا للسيطرة على أفريقيا في ستينات القرن الماضي.


وفي ظل هذه التجاذبات والصراعات الداخلية والخارجية تبقى جماهير الشعب صامتة حائرة مبهمة غير قادرة على تحديد مصيرها، خائفة مرتعبة من رجوع تلك الفترة القاتمة في تاريخ الجزائر التي ذهبت بأكثر من 200 ألف قتيل، خوف ناتج عن ضعف وعي بأن الإسلام وحده كعقيدة عقلية روحية هو القادر على كسر قيود الخوف وتحرير العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وذلك بقوله سبحانه وتعالى ﴿وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾، فقوموا يا شعب الجزائر وانهضوا كما عهدناكم من قبل لا تخافون في الله لومة لائم، ووحدوا صفوفكم تحت راية واحدة؛ راية رسولنا وقائدنا للأبد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأعلنوها صراحة: الشعب يريد إسقاط النظام... الشعب يريد خلافة إسلامية كما وعدنا بها خالق السماوات والأرض الذي لا يخلف وعده وبشرنا بها رسولنا الكريم صلوات الله عليه «...ثم تكون خلافة على منهاج النبوة».

 

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد العزيز المرواني - تونس

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع