الأحد، 22 محرّم 1446هـ| 2024/07/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

رسالة أوباما لأهل السودان وأهمية الوعي السياسي

بسم الله الرحمن الرحيم


بعث الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الثلاثاء، برسالة تهنئة للشعب السوداني بمناسبة الذكرى الـ59 للاستقلال، وهي ليست المرة الأولى، وقال في رسالته "يحدوني الأمل في هذا العام بتحقيق السلام والأمن في كل أرجاء البلاد، التي كانت معبراً للشعوب والحضارات المتنوعة عبر التاريخ".


ووجه خطابه للسودانيين قائلاً: "بهذه المناسبة، تشاطركم الولايات المتحدة الأمريكية في تحقيق طموحاتكم لمستقبل مزدهر للسودان، متمنين لكم ممارسة حقوقكم وواجباتكم مواطنين بشكل كامل" شبكة الشروق 2014/12/31م.


ردود الفعل تجاه ذلك متفرقة ومختلفة وكلها تنمّ عن عدم وعي سياسي على الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في هذا الجزء من العالم الذي عانى وما يزال، بسبب سياسات أمريكا، ولنأخذ بعضاً من تلك التعليقات:


بعضهم لفت النظر للتعامل غير اللائق بمقام الرئيس البشير، وركزت تلك التعليقات على الضرب في شخصية أوباما انتقاما للبشير، لأنه لم يذكر اسم الرئيس البشير في التهنئة لأن مثل هذا النوع من الرسائل عادة ما توجه إلى رؤساء وملوك الدول، وهذا تقليد متبع حسب الأعراف والبروتوكولات السائدة. وهذا أعمق التعليقات مقارنة بالسطحية غير الطبيعية، نعم، من موقع على شبكة الإنترنت من شكر أوباما بطريقة تذكرنا بتلك المرأة التي أنشدت في ريغان الرئيس الأمريكي السابق لأنه أرسل إغاثة للمتضررين بالجفاف والتصحر، ودعت شبكة مراغا لأوباما، حيث كتب أحد مدونيها "الله يبارك فيك وشكرا على المعاملة الكريمة"!!!


عجبا لأمر هؤلاء ما لهم كيف يحكمون؟ إن الأمر ليس بين شخصية البشير وأوباما لأن الإدارة الأمريكية لا تضع خططاً ليوم أو يومين أو لفترة حكم رئيس، إنما هي استراتيجيات تنفذ، لهذا لا يهم من نفّذها أوباما أم نكسون، فكلهم أشخاص لا يؤثرون في الاستراتيجية، فمن السطحية أن يناقش الأمر بأن أوباما لم يحترم الرئيس وأنه سيعمل على إزالته وحكومته من الوجود، كما ظن البعض.


أما شر البلية فهو أن يقول أحد المسلمين لكافر "بارك الله فيك"! "إنه تعامل كريم من هذا الكافر أن يهنئ بالعيد الوطني"، فكيف يبارك الله في من كفر به تعالى!


وكل التعليقات تنم عن عدم وعي كافٍ للتعاطي مع تهنئة أوباما، هذا الرئيس الذي هو من ضمن استراتيجية أمريكية ترمي إلى تجميل صورة أمريكا عند الشعوب، بسبب بشاعة الصورة التي التصقت بالولايات المتحدة الأمريكية بسبب سياساتها الرأسمالية، فقد خلف أوباما بوش الابن، الذي كان واضح الخطاب مع المسلمين، ما أوجد كرهاً وتذمراً ضد أمريكا، فجاء أوباما ليزيل هذه الصورة فقام عدة مرات بتهنئة المسلمين بأعيادهم، بل دخل مع زوجته وهي ترتدي خماراً إلى أكبر مسجد في إندونيسيا ليبرهن على تسامحه، ولكنْ للسياسي الحصيف فهمٌ مستنيرٌ لكل ما يقوم به أوباما!


وجاء في موقع قناة العربية: "من جانبه أعرب الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن سروره البالغ لقيام "شعب جنوب السودان بتحديد مصيرهم"، قائلا إنه "مسرور للغاية" لبدء الاقتراع بشأن الاستفتاء حول تقرير مصير الجنوب السوداني". فكيف ينظر لهذا الفرح والسرور لتقسيم السودان وتجزئته؟ بل بعد ذلك عمد الرئيس السابق كارتر على أخذ تعهد بإعفاء دولة جنوب السودان من الديون وصيرورة الديون للقسم الشمالي من السودان، وقال أيضا في مقابلة مع قناة العربية "تحدثت مع الرئيس البشير، قال إن الدين بأسره ينبغي أن يؤول إلى شمال السودان لا الجزء الجنوبي، لذا يمكن القول بأن جنوب السودان سيبدأ بصفحة بيضاء على صعيد الديون".


إذاً فما نعانيه اليوم من أزمة اقتصادية طاحنة جراء انفصال الجنوب هو بسبب أوباما، ثم يأتي ليمسح دموع معاناتنا بكلمات فارغة المحتوى! فأين السلام والأمن والبلد تعج بالحروب المصطنعة؛ التي خلفها التنافس الأمريكي الأوربي على السودان؟! صحيح أن السودان معبر الحضارات لأفريقيا، لكن بانفصال الجنوب بأيدي أمريكا وأذيالها أقفلت هذه البوابة التي لن تفتح إلا بدولة إسلامية يكون همها هو تطبيق الإسلام ونشره، أي حمله لغيره من الأمم والشعوب، دولة الإسلام التي توجد عند رعاياها وعياً سياسياً كافياً للتعامل مع كل صغيرة وكبيرة بما تغرسه فيهم من أفكار ومفاهيم إسلامية صرفة تجعل عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله هي الأساس في النظر إلى العالم، لأن هذا ما يجلّي الحقيقة ويركزها ويجعل المسلم يناضل متبنيا الإسلام، ويحارب غيره ويصبح المسلم بهذا (ناراً تحرق الفساد ونوراً يضيء طريق الهدى)، كما يلزم تنزيل الأفكار على الوقائع بعيداً عن التجريد والمنطق، والنضال ضد المطاعن التي تهاجم مفهومه عن الحياة وضد مفاهيم الأعماق التي جاءت من العصور الغابرة وضد التضليل الذي يبثه الأعداء وضد اختصار الغايات السامية وتقزيمها إلى غايات جزئية، كما يجب أن يحذر من تسلط ميوله على الآراء والأنباء.


والوعي السياسي أمر في منتهى البساطة وهو ميسور لكل الناس حتى للأميين والعوام، فلا يظن أحد أنه شيء ضخم لا يستطيع أن يتمتع به إلا الأذكياء والمثقفون، لأن الوعي السياسي لا يعني الإحاطة بالإسلام كله، فمجرد وجود النظرة إلى العالم مهما كانت معارفه عنه قليلة أو كثيرة، وأن تكون هذه النظرة من زاوية خاصة يكفي للدلالة على الوعي السياسي عند من يحكم على مجريات الأحداث؛ فمثل تهنئة أوباما تلك يجب أولا النظر لأوباما ودولته التي تسيطر على العالم من زاوية العقيدة الإسلامية؛ فهو ودولته يحملون فكرة مضادة لفكرة الإسلام وهي الرأسمالية (فصل الدين عن الحياة) يتحكمون بها في كل العالم، وهي تنظر لأي شيء من ناحية المصلحة والمنفعة، فيتعاملون ببرغماتية مع كل العالم، وهذا هو مبدؤهم، لهذا ينشأ مباشرة في ذهن من يفكر بهذه الكيفية أن أوباما إنما يرسل تهاني للشعب السوداني بيوم الاستقلال لأن هذا الوضع هو وضع في صالحه، فوجود الثروات التي تُسيل لعاب أمريكا والموقع الاستراتيجي كما أسماه معبراً للحضارات، كل ذلك يجعل التعامل مع السودان بواقع أنه الولاية الواحدة والخمسين للولايات المتحدة، ويخاطبهم بأنه يتمنى لهم وضعا مزدهراً ونيل الحقوق والواجبات الوطنية الذي هو حريص عليها، لأن في دوامها دواماً لاستعماره لهم، والتحكم فيهم عن بعد وعن قرب بسياسة (فرق تسد).


فلو أن السودان ولاية من ولايات الخلافة الراشدة عندها لن يستطيع أوباما أن يهنئهم بهذا الوضع، لأنه سيخلع يده الآثمة التي مزقت السودان وسلبت الثروات وجعلتنا عالة على الدول، ولأن سلفه عندما كان السودان جزءاً من دولة الخلافة كان يدفع ضريبة لدخول سفنها مياه البحر الأبيض المتوسط.


صحيح أن الوعي السياسي يتفاوت قوة وضعفا تبعا لتفاوت المعارف عن العالم، وعن الأحداث السياسية، ويتفاوت كذلك بتفاوت المعارف عن الزاوية الخاصة، ولكنه كله وعي سياسي يؤدي النتيجة نفسها مهما تفاوت؛ وهي الارتفاع عن السطحية في السياسة والترفع عن التفاهة في النظرة إلى الأمور، فيكون الحكم على الأحداث حكماً فيه من الكياسة والفطانة ما يبهر العالم ويجعل تعامله مع المسلمين بقدرهم، وعلى هذا يتبين أن الوعي السياسي ليس أمراً خاصا بالسياسيين المفكرين حصراً، بل يحتم اعتناقهم للعقيدة الإسلامية أن يكون الوعي السياسي متجذرا في مجمل الأمة. والأمة هي التربة التي ينبت فيها الرجال فلا بد أن تمدهم بالوعي السياسي على أساس الإسلام لمجابهة الأخطار الخارجية بوعي صحيح، فتوضع المعالجات الصحيحة وليس كما نحن اليوم توضع لنا المعالجات وننفذ بذل ومهانة، بل تسمى سياسة الجزرة والعصا علانية ويرددها سياسيونا كما لو كانوا لا يعون على معناها!!


إن الطريقة لإيجاد الوعي السياسي في الأفراد والأمة هي التثقيف السياسي بالمعنى السياسي سواء أكان تثقيفاً بأفكار وأحكام الإسلام، أم تتبعاً للأحداث السياسية فيتثقف المجتمع بالأفكار والأحكام لا باعتبارها نظريات مجردة بل بتنزيلها على الوقائع وبتتبع الأحداث السياسية ليس كالصحفي ليعرف الأخبار، ولا كالمعلم ليعرف معلومات، بل بالنظرة إليها من زاوية خاصة لإعطائها الحكم الصحيح بعد ربطها بإحكام بغيرها من الأحداث والأفكار، فيوجد طبيعيا حشد من السياسيين المبدعين.


فمن دون التثقيف بالمبدأ والسياسة لا يمكن أن يوجد وعي سياسي، مما يعطل الأمة عن الاضطلاع بوظيفتها الحقيقية؛ وهي حمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، ونشر الهدى بين الناس.



كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم أواب / غادة عبد الجبار

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع