دقت طبول الحرب، فهل تعلم مَن يحارب مَن؟
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
"الحرب على الإرهاب"، مصطلح حفظه الأطفال والكبار من كثرة ما سمعوه على وسائل الإعلام، حتى أصبح "ديباجة" مرفقة مع كل الأخبار التي تخص قضايا الأمة الإسلامية. إن ما يُعرف بالحرب على الإرهاب يأتي ضمن منظومة عالمية تطالب في واقعها بسفك الدماء، فالإرهاب والعنف جزء متجذر من ثقافة بلاد الغرب العلمانية الكافرة ويكفي أن تتابع ما يدور في أفلام (الأكشن) الأمريكية لتدرك أن العنف الشديد وسفك الدماء والتلذذ بذلك مصدره ثقافة متوحشة أساسها فكرة إقصاء الدين عن حياة البشر والعيش بالحريات والانفلات من أي قيود أو ضوابط ربانية، مما يجعل حب الذات يصل لدرجة مَرَضِيَّة، هذه الفكرة الأساسية التي تسيطر على الناس فتجعلهم يلهثون خلف مصالحهم المادية ضاربين عرض الحائط بالقيم والأخلاق.
وفي غياب تام لدور النظام في رعاية شؤون الشعوب الغربية، التي تُركت في مهب الرياح لتصارع أزمات اقتصادية خانقة، زاد الوضع سوءًا وعصفت بالإنسان وقتلته في عقر داره من الإهمال. ذلك، ومن السخرية، أن ساسة هذه البلاد التي يحفل تاريخها بالدم، بلاد الغرب أمريكا وأوروبا وروسيا، منبع الفكر العلماني الشاذ، بوجوهه المتعددة المختلفة - الرأسمالية والشيوعية والاشتراكية والحروب الصليبية والصهيونية والبوذية - ساستهم هم من ينادون بـ"السلام" على مستوى العالم، وبمحاربة الإرهاب، بينما هم الإرهابيون الحقيقيون.
والشاهد على ذلك سياسة هذه البلاد الخارجية المبنية على استعمار البلاد الأخرى واستنزاف خيراتها واستعباد شعوبها.
وكثير من هذه البلاد هي بلاد المسلمين التي استعمروها ونهبوا ثرواتها وقتلوا شعوبها، لمجرد أنهم يريدون العيش بالإسلام، فالعلمانية هي التي قتلت أهل الجزائر يوم اختاروا الإسلام والاستقلال عن الكفر.
وقتلت أهل غزة يوم اختاروا الإسلام، وقتلت أهل مصر يوم اختاروا الإسلام، وقتلت وتقتل أهل الشام منذ اختاروا نهاية الإجرام، والعلمانية هي من قتلت المسلمين في البوسنة والهرسك على أيدي الصرب، ومن قتلت المسلمين في الهند والصين وأوزبكستان.
والمجازر كثيرة والدم سال عبر التاريخ وفي الحاضر أنهارا. هذه العلمانية التي عندما عجزت عن المواجهة الفكرية في الدنمارك وهولندا وفرنسا، وسائر بلاد أوروبا، لجؤوا للأفلام والصور المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، لتبرير الصراع الدموي على غرار الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش في الأندلس.
والآن، مرة أخرى، هناك توجه لترسيخ، بل لإحياء ثقافة الدم والإجرام المنكرة للفطرة الطبيعية، في العالم كله. فالحرب على الإرهاب مصطلح فضفاض جداً. مثلاً نظام الأسد قتل المسلمين في سوريا بأساليب وحشية على مدى أربع سنوات، واستخدم أسلحة فجرت رؤوس وبطون الأطفال، وقتل الكثيرين بالحصار والجوع وعمل على تشريد الآلاف الذين ماتوا من البرد في مخيمات اللجوء، قتلهم بالتعذيب داخل السجون، هذا كله ليس إرهاباً عند دعاة الحرب على الإرهاب.
والسيسي الذي قتل وحرق الآلاف في ميدان رابعة في مصر، وجرف البيوت في سيناء. وضحايا الغرب الكافر في جرائم الكراهية من المسلمين كما حدث في بريطانيا وفي كارولاينا قبل أيام قليلة وحرق المساجد والمراكز الإسلامية كما حصل في الدنمارك. فالنظام العالمي الجديد قد ظهر على حقيقته، وظهرت وجهته في تعميم الإجرام على الكل وللكل وبالكل، وهذا خارج عن أي ثقافة - من الإسلام أو من المنطقة. كل هذه الأحداث تثبت أن الحرب هي في أساسها ومصدرها حرب بين الإيمان وبين الكفر، هي صراع بين الحق وبين الباطل، واشتداد الظلم من الباطل تجاه أهل الحق وقتل كل من يقف في صفه، هو تصعيد للحرب على الأرض بعدما عجزوا عن هزيمة المسلمين فكرياً وعقائدياً. إن الحرب الحقيقية هي حرب أفكار.
فالرسول صلى الله عليه وسلم أنشأ الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة ونشر مفاهيم الإسلام الراقية وطبق نظامه العادل في العالم، فكانت نهضة البشرية راقية بالأحكام الشرعية.
أما الهمجية والعنف نتيجة فهي بديهية لأفكار الكفر، فالغرب العلماني متخبط، لا يعلم كيف يكسر المسلمين، وهو يدرك أن قوة الإسلام في عقيدته وأفكاره ومفاهيمه، ويعلم أن الإسلام منتصر لا محالة، وأنه القوة الوحيدة القادرة على ردع العلمانية وعلى هزيمة الإرهاب الحقيقي المتمثل في الأفكار العلمانية التي هوت بالبشرية إلى قاع الانحطاط في كل مناحي الحياة وجعلت من الإنسان متوحشاً وظالماً يكره الحق ويعيش ليحاربه.
هذا الانحطاط لم تعرفه البشرية إلا في جحيم العلمانية التي حكمت العالم في آخر مائة سنة، فأصبح الإنسان عدو الإنسان، وعدو الله تعالى، بينما لم يشهد العالم هذا التوحش في ظل الخلافة الإسلامية التي حمت البشر من شرور الكفر والأفكار العلمانية، بل حققت العدل في ربوع العالم.
إن الصراع اليوم هو صراع عقائدي بحت. هو صراع فكري أقوى من كل الحروب على الأرض. ولكي نهزم العلمانية فإن علينا هدم فكرتها الأساسية التي أدت لكل هذا العنف غير المحتمل ولا يستوعبه عقل. واليوم في خضم هذه الحرب علينا أن نتخذ موقف الحق، أن نعود لأفكار الإسلام النقية عوداً تاماً وأن لا نرضى غير نظام الإسلام للحياة بديلاً، وأن نجعل مواقفنا خالصة لله رب العالمين، حقناً للدماء، ونهضةً بالأمة الإسلامية، ودحراً للكفر وأهله.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة محمد حمدي - ولاية السودان