كلمة فلسطين في مؤتمر "المرأة والشريعة: للتمييز بين الحق والباطل" توضيح وضع المرأة في ضوء النظام الاجتماعي الإسلامي الفريد من نوعه
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين... أما بعد:
نجتمع في هذا المؤتمر الطيب الذي يعقد عبر القارات للحديث عن المرأة والشريعة بين الحق والباطل.. فبسبب غياب تحكيم شرع الله اختلط الحابل بالنابل، ولم يعد يُعرف حق من باطل!
فالناظر لوضع المرأة اليوم وقضاياها يجدها امرأة ذليلة مُهانة مهضومة الحقوق والإرادة.. لا تعرف من حقها الشرعي إلا النزر اليسير... ضائعة بين أهل لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه وبين محاكم تطبق عليها أحكاما ليست من الإسلام في شيء، فلو نظرنا إلى أروقة المحاكم نجد قضايا المرأة فيها كثيرة ومتنوعة وقد تبقى القضية في المحكمة سنوات طويلة معلقة بدون حل، مثل قضايا الميراث والطلاق والحضانة والنفقة وغيرها من القضايا.. ولو بحثنا عن أسباب هذا العجز لوجدنا أن الخلل هو في أساس العلاج... فلا المؤتمرات ولا المنظمات النسوية ولا الاجتماعات ولا المسيرات ولا الأحكام الوضعية عالجتها، ولا أحدثت التغيير المزعوم في وضع المرأة اليوم لأنها كما قلنا قائمة على أساس فاشل لا يستند على أساس فكري ومنهج قويم يسير عليه ويجعل من رضا الله عز وجل مقياسا لأعماله كما يجب أن يكون.. فإن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وهو أعلم باحتياجاته وضرورياته. لذلك ومن خلال استقراء الأحكام الشرعية المستمدة من الكتاب والسنة المنبثقة من العقيدة الإسلامية المراعية لفطرة الإنسان واحتياجاته نجد الاهتمام بوضع المرأة أيما اهتمام، فهي المحبوبة منذ صغرها.. نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن كرهها فقال: «لا تكرَهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات»، وهي المعزَّزة المكرَّمة في كبرها أمَّا وزوجة وأختا، خالة وعمة وجدة وفي كل أدوار حياتها.. وكذلك لم يميز الذكر عنها، على خلاف ما نراه اليوم من تفضيل الأولاد على البنات وإساءة معاملتهن والذي هو ليس من تعاليم الإسلام وأحكامه التي أوجبت العدل في معاملتها، وحرمت تفضيل الذكر عليها، فعن ابن عباس، قال صلى الله عليه وسلم: «سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء».
وهنا.. نقول لمن يدعي ضرورة خروج المرأة للعمل بحجة "التمكين الاقتصادي" والاستقلالية المالية والمساواة، أن الإسلام أراحها من هذا العناء والعبء، فجعل نفقتها على ولي أمرها واجبا وليس منةً منه ولا تفضُّلا، وذلك من باب القوامة عليها ورعايتها، فالإسلام لم يحدد القوامة فيما فرضه على الرجل من واجب الإنفاق على الأسرة وحسب، وإنما في كل ما تستلزمه رعاية الشؤون، في الوقت الذي ترعى هي فيه شؤون البيت معززة مكرمة، فلكل دوره، ولو تضارب الدوران صار البيت ساحة صراع بينهما بدل أن يكون واحة راحة وأمن وسكينة...
وكذلك أباح لها العمل في مختلف الميادين ملتزمة بأحكام ربها. وأتاح لها تملك المال والأراضي والدور ونحوها بأي سبب من أسباب التملك المشروعة، مع عدم فرض الإنفاق من مالها حتى على نفسها.. لكن ماذا نرى هذه الأيام أخواتي! هل نرى هذه الصورة الكريمة للمرأة محقَّقَة وموجودة فعلا؟! لا والله.. فهي مضطرة للخروج للعمل وكسب قوتها. وهناك من يحرمها حتى من عائد عملها، بأن يستولي على مالها وراتبها ويحرمها حتى حق التصرف فيه.. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « اللهمَّ إنّي أُحَرِّجُ مَالَ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ» (أي أُحرِّمُهُ على مَنْ ظَلَمَهُما).
أخواتي الكريمات:
إن الإسلام ليس بدعة أو فلسفة في بطون الكتب تبحث عن مكتشف، بل طبق مدة ثلاثة عشر قرنا تطبيقا فعليا واقعيا مميزا، نعمت المرأة به وسعدت، بينما آهات نساء اليوم تملأ الأرض والفضاء وما من مُلبٍّ!! نعم.. عاشت خلاله المرأة ترفل في ثوب العزة والكرامة والعدل مثل تطبيق أخذها نصيبها الشرعي من الميراث؛ فكما نعلم لكل من الأم والزوجة والأخت والبنت ونحوهن نصيب معين حسب ما هو مُفَصَّل كل في مواضعه، وحقها فيه ثابت ويحرم حرمانها منه بدافع الأنانية، أو بحجة العادات والتقاليد البالية المناقضة للشرع، مثل أن الذكور أحق به فهم الذين نمَّوْه وكثّروه.. أو أن المال سينتقل إنْ ورثته إلى عائلة غريبة وأخوتها أحق به من الغريب فهو مال أبيهم.!! وإن حصل وطالبت بحقها، أو لجأت إلى المحاكم لنيله فإنها في نظر أهلها والمجتمع امرأة متمردة جاحدة باعت رجالها من أجل المال.. فبالله عليكن.. بأي حق وبأي شرع يحصل هذا وتحت سمع وبصر المحاكم والقوانين الوضعية التي لا تستطيع إرجاع هذا الحق لها؟ بأي حق يُسلب حق أعطاها إياه رب البشر!
نأتي إلى أمر آخر نرى ونلمس فيه مدى الظلم الواقع على المرأة في ظل غياب أحكام الإسلام، وهو الزواج، حيث نرى عددا من الآباء يفرضون شروطا فيمن يريد الزواج من بناتهم بعيدة عما حث عليه الإسلام من دين وخلق، بل يهتمون بما معه من مال وجاه ومكانة غير آبهين برأي الفتاة، والأنكى من ذلك من يمنع ابنته أو أخته من الزواج طمعا وتحكما بمالها أو راتبها والله تعالى يقول: ﴿فلا تعضلوهن﴾، ومنهم من يغمط حق الفتاة في مهرها ويأخذه له بدل أن يعطيها إياه حسب الشرع.
وكلنا يعلم أن الزواج واحة سكينة إن طبق كلا الزوجين الأحكام الشرعية التي أتت للزوج بوصايا عدة تحفظ كرامتها حيث قال عليه الصلاة والسلام: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، وكذلك وضحت للمرأة أن الزوجة الصالحة من زمرة أهل الجنة جعلنا الله وإياكن من أهلها...
لكن إن تعذر استمرار هذه الحياة الزوجية بين الطرفين واضطرا للجوء إلى أبغض الحلال، فحينها ﴿فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان﴾.. ويفترقا وكل له حقوقه بدون جور طرف على آخر.. ولكن في ظل غياب الإسلام عن التطبيق والقوانين الوضعية والقضاء الجائر نرى عجبا؛ نرى امرأة أُجبرت على طلب الطلاق ولكن تمر سنوات وهي حائرة متنقلة بين المحاكم، فلا الزوج يطلقها ولا المحكمة تعالج قضيتها فهي كما يقال كالبيت الوقف، وحتى إن طلقها يكون بعد أن تتنازل عن حقوقها كاملة ومنها حق حضانة أبنائها!! وهذا والله لَظلم لها وأي ظلم! في حين لو كانت أحكام الإسلام مطبقة لنالت حقوقها وهي كريمة عزيزة وليست ذليلة جريحة!
ومن الأحكام التي شرعها الله وكانت محطَّ هجوم وتشويه كبيرين حكم تعدد الزوجات، وهو يدخل ضمن الإباحة، وهو علاج لمشاكل عدة وصيانة للمجتمع من شيوع الفاحشة والرذيلة إلا أن التشويه الدائم حوله ورفض المجتمع له جعل منه فزاعة تؤرق الكثيرات، في حين وصفته فتاة أمريكية بقولها: "تعدد الزوجات في رابعة النهار في رعاية الله، خير من الخليلات في سواد الليل في رعاية الشيطان".
مما سبق أخواتي يظهر واضحا جليا أن لا شيء في نصوص الشرع يعوق مسيرة المرأة نحو مزيد من الأخذ بأسباب الكرامة الإنسانية والتطور الحياتي النافع نحو آفاق أرقى. ونجد أن الشرع أحاطها بسياج من الأحكام فريد من نوعه، وجعلها مكرمة في جميع مراحل حياتها، ولم يجعل هاجسها هو المساواة، لأنه نظام خارج عن صراع الذكورة والأنوثة.. نظام رباني حمى حقوق المرأة الشرعية؛
فإن قضية المرأة تحتاج إلى تحرير وتدليل وتعليل، ولن تجد تحريرا مدعما بالتدليل والتعليل كما جاء في الشريعة الإسلامية حيث حفظ كرامتها وسلامتها مراعيا استعدادها الفطري وتكوينها الخَلقي... واضعا الحلول والمعالجات لكل المشاكل بالرجوع إلى الكتاب والسنة، فتذكرن قول الرسول عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع: «يا أيها الناس! تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً؛ كتاب الله وسنتي».
أخواتي الكريمات:
لقد حق للمرأة المسلمة أن تتباهى وتفاخر نساء العالمين بما أسداه إليها الإسلام من تكريم، فاحذري أختي أن تستبدلي الذي هو أدنى بالذي هو خير، إنك المرأة التي تُربي الرجال وتصنع الأبطال. إنك من تستطيعين أن يكون لك دور سياسي فتختارين الحاكم وتحاسبينه..
واستكمالا لواجبنا تجاهكن أخواتي فإننا من هذا المنبر في هذا المؤتمر الطيب، من فلسطين، أرض الإسراء والمعراج، من بيت المقدس، من أرض أبي الأنبياء، من مشارف عكا قاهرة الأعداء، من شاطئ يافا وحيفا.. نعلنها لنساء العالم أجمع ونقولها بصوت عالٍ مجلجل: أختاه أماه... إن من يعيد لك حقك، من يعيد لك كرامتك، من يعيد لك عفتك.. من يعيد لك حريتك الحقيقية وأمانك ودورك الأصلي وهو أمومتك هي الخلافة... من يرفع الظلم عنك هي الخلافة... فبها ستعودين كما كنت معززة مكرمة مصانة تجيَّش الجيوش لنصرتك، ويهب الخليفة لمعونتك..
بشراكن أخواتي الفضليات.. فإن الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة على الأبواب بإذن الله، وهي من ستطبق الأحكام الشرعية التي بها سننال حقوقنا ونحقق رفاهيتنا المنشودة بإذن الله..
فيا نساء خير أمة أخرجت للناس يا حفيدات أسماء والخنساء وأم عمارة، إلى العمل معنا ندعوكن، لننال العز في الدارين.. ونعيد سيرة صحابيات جليلات التزمن بأوامر الله عز وجل.. وعملن على نشر دينه.. وقدمن الغالي والنفيس لرفعة الإسلام...
سارعن إلى تحكيم شرع الله وصناعة غد مشرق للمرأة المسلمة والأمة جمعاء، واللهم نسأل أن يكون قريبا..
والسلام عليكن ورحمة الله وبركاته