هل نحن من يحتاج الغرب نحن والغرب... أيهما محط نظر الآخر؟
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
يتردد على ألسنة البعض ممن تنكبوا لأمتهم وفقدوا ثقتهم بها ووجهوا أنظارهم إلى عدوها بأننا أمة غارقة بالتخلف والجهل والفساد والغش والسرقة والسلب والنهب.. وأننا أمة غارقة بالمظاهر والكبرياء الزائف.. فأسهبوا وتاهوا في أحكامهم على مجتمعاتهم، فكانت نظرتهم هذه نظرة خاطئة وفكرتهم جد خطيرة...
منبعها الإعجاب بالغرب والانبهار بحضارته، وهي نتيجة حتمية من نتائج الغزو الفكري الذي أثر على عقول وأفكار كثير من ضعاف النفوس من ذراري المسلمين بسبب عدم تحصنهم بالثقافة الإسلامية الأصلية، وعدم الاعتزاز بتاريخهم المجيد...
وهذا يجرنا إلى أن نتساءل: هل الحضارة الغربية بفكرها المادي، وتوجهاتها المبهرة، وإنجازاتها الاستهلاكية هي النموذج الذي يجب أن يُحتذى، وتهفو إليه النفوس وتتطلع إليه العقول؟
هل هذه الحضارة ساهمت في إيجاد حالة من التوازن سواء عند معتنقيها أو مؤيديها؟
هل حياة الإنسان الغربي هي النموذج الذي يجب أن نهرول خلفه ونجاهر بتقليده، ونفاخر باتباعه؟..
فقد انبهر الكثير من أبناء أمتنا المنهزمين نفسيا بهذا الفكر المشئوم.. حتى أصابت مجتمعاتنا لوثة المادية التي هي هواء الغرب الذي يتنفسه كل لحظة.. حتى أصبحت مجتمعاتنا تشبه مجتمعاتهم إلى حد كبير، يكثر فيها الفساد، وتنتشر فيها وسائله، وتعبد كل الطرق للوصول إليه...
ابتلينا بالمُشرع الظالم الذي يسن القوانين الظالمة الجائرة والتشريعات المضللة البعيدة عن شرع الله...
فهكذا أصبح حال الأمة عندما جعلت لغير دينها سلطاناً عليها، وجعلت من الغرب وثقافته وفكره وتشريعاته محط أنظارها ومصدر فكرها..
فكيف أصبح هذا حالنا وقد كنا خير أمة أخرجت للناس، وكنا منارة الدنيا ومحط أنظارها!!
فحين ننظر إلى واقعنا وننظر إلى ماضينا نجد البون شاسعاً والفرق هائلاً...
ننظر كيف كانت هذه الأمة التي هابها الفرس والروم، ثم كيف أصبحت غثاء كغثاء السيل لا يأبه الله بهم في أي وادٍ هلكوا..
بعد أن كنا سادة وقادة، ماذا دهانا وماذا أصابنا؟ وكيف أصبحنا؟
نعم أصبحنا في ذيل الأمم! وأصبح الخواء والتخلف والفقر والعجز ظاهرنا وباطننا!! تملكنا الخوف، وأوهننا الضعف!! حتى صرنا في مؤخرة الركب، بل تبرأ منا الركب جميعا؟
فما حل بالمسلمين ما كان ليصيبهم لو أن عقيدتهم ونظم شريعتهم ممتثلة للعيان مطبقة في دولة حية يعمل بها، فيشهد رقيها وصفاء منبعها، وقدرتها الشمولية على معالجة نواحي الحياة، وبالتالي الارتقاء بالإنسان وبفكره وإقناعه بمدى صلاحيته وعدم الإشاحة بنظره لغيره...
ولكن فصل الإسلام عن الحياة، وجعلها مسرحا ومرتعا لكل فكر شاذ وفاسد وقاصر ليحكم البشر ويتحكم في سلوكياتهم ويكون دافعهم ومحدد وجهة نظرهم في الحياة لهو الخطر بعينه... ففصل الدين عن الدولة سبب رئيسي للمآسي التي نعيشها، لأنه لا يمكن أن يُحكم البشر إلا بشريعة رب البشر، فإذا أبعدت هذه الشريعة عن الساحة حُكم البشر بسنن البشر، والبشر عاجز وقاصر، وبهذا حل فينا ما حل..
ومما يزيد الفؤاد كمدا وألما عندما نجد أن كثيرا من المنتسبين للإسلام، والإسلام منهم براء، أشد اقتناعا بفصل الدين عن الدولة، أي بالعلمنة بمفهومها الصحيح، وأشد حرصا على تطبيقها والمناداة بها.. وكأنها العلاج الشافي!!! وما هي إلا السم الزعاف...
وإن دل هذا على شيء، فلا أكثر من وصفه بأنه هزيمة نفسية أمام أعداء الأمة، واعترافا منا بتفوقهم علينا، وأحقيتهم بقيادتنا، فنقدم لهم عقولنا وبلادنا وثرواتنا ومقدراتنا على طبق من فضة ينهلون منها ما يحتاجون، دون مقاومة أو دفاع منا عن حقوقنا وأملاكنا!!!
وهذه القضية من أخطر ما أدى بنا إلى ما نحن فيه وخطرها قد فاق الحدود والتصورات...
إن فقدان ثقة الأمة بنفسها وقدراتها لهو من أشد الأمراض المجتمعية، وأخبث الآفات الروحية، الذي لا يتسلط على أمة إلا وساقها إلى الفناء...
قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: إنك إذا هجمت على عدوك نجدك تكبر تكبيرة تنخلع منها القلوب، فما سر ذلك؟ قال إنني أفعل ذلك لأنني أقدم على عدوي وأنا مقتنع بأنني سأقتله - أي عندي من الثقة بالله ثم بنفسي أنني سأقتله، وهو لديه ثقة بأنني سأقتله فأكون أنا ونفسه عليه... وبهذا أهزمه ويسقط صريعا.
فمن أعظم مكامن ضعفنا وهواننا أنه أصبح لدى كثير من المسلمين قناعة بأننا لا نستطيع هزيمة الغرب، ورده إلى بلاده مهزوما مدحورا، وكف شروره عن بلادنا.. وهو لديه ما لديه من السلاح والعتاد، وحقيقة أنه ليس فقط سلاحه ما ينصره ويوطد أقدامه في بلادنا!! بل إنه ضعفنا وطأطأة رؤوسنا له، ومد أجسادنا وجعلها جسرا ليعبر عليها!! هذا ما جعل نصره وتوغله أكثر يسرة وأسرع في تحقيق نصره وتوطيد أركانه!!!
فأصبحنا بعد ذلك وبعد كل الهزائم التي حلت بنا والآلام التي تسبب الغرب بها وساعدناه بضعفنا وقلة حيلتنا!! أكملنا الدور وعززنا نجاحه، وأثلجنا صدره بانتصاره، فأصبحنا نردد عبارات تدل على أننا في مؤخرة الأمم وأكثرها انحدارا وتدهورا، من مثل العالم الثالث والعالم النامي...
من سمانا بالعالم الثالث أو العالم النامي؟
سمانا أعداؤنا ثم حفظنا الدرس وكررناه وسلمنا بصحته وأخذناه على أنه حقائق لا تحتمل الخطأ... وهذا عين الهوان والذلة ولبها...
ثم ما لبث أن تبع هذا الأمر اللامبالاة والتبلد وعدم الإحساس بمشكلات الأمة.. والتسليم بالأمر الواقع والتعايش معه...
فانتقل الفرد تلقائيا بعد حكمه على استحالة تغيير واقعه إلى التعايش مع مشاكله وحياته الفردية التي ليس لها أي تأثير على الأمة في رفعتها أو تقويمها... فانشغل الفرد بمستقبله عن مستقبل أمته...
وأصبح همُّ المسلم في أي مكان هو لقمة العيش، وإن سنحت له الظروف القاسية بالحلم توسع في خياله، وارتفع سقف متطلباته، فيحلم ببناء منزل وتأمين سبل المعيشة لكي ينأى بنفسه عن التذلل والحاجة...
ويفرض السؤال نفسه في هذه الحالة!! أين الأمة وإعزازها وتحريرها من حكم الكفر وطواغيت العصر من مشاريع أبنائها ومخططاتهم؟!!
وبعد كل هذه الحقائق الموجعة، هل الحكم ما زال قائما بأن الغرب محط أنظارنا؟! أم نحن محط نظر الغرب؟! وهو من ينفطر قلبه، وينخلع فؤاده، وتكاد تنفد وسائله وأساليبه طمعا وطلبا في ثروات الأمة ومقدراتها وإحكام سيطرته عليها؟؟!!!
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رائدة محمد