الإثنين، 23 محرّم 1446هـ| 2024/07/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
مجرد وجود المرأة في كوادر الإعلام لن يسهم في نهضة المرأة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

مجرد وجود المرأة في كوادر الإعلام لن يسهم في نهضة المرأة
(ضمن حملة بكين +20 - إخفاق في تأمين حقوق المرأة)

 

 


"التصوير النمطي للمرأة وعدم المساواة في وصولها إلى جميع نظم الاتصال والمشاركة فيها، وﻻ سيما في وسائط اﻹعلام"، كانت هذه هي الجملة التي لخصَّ فيها إعلان ومنهاج عمل بكين التمييز المُمارس ضد المرأة في وسائط الإعلام من حيث الصورة المرسومة عنها، ووجودها ومشاركتها في هذا المجال.


ويُذكر أن ‏إعلان ومنهاج عمل بيكين هو وثيقة موسعة اعتمدتها 189 دولة، بما في ذلك ‏العشرات من البلاد الإسلامية. وقد وصفتها الأمم المتحدة بأنها ‏‏"خارطة طريق مثالية لتمكين المرأة ونيلها لحقوقها" وبأنها "في إطار السياسات العالمية تعتبر الأكثر ‏شمولية واحتواءً لخطط عمل". وقد حددت الوثيقة أهدافا استراتيجية لتحسين حياة المرأة من خلال ‏تعزيز المساواة بين الجنسين في 12 مجالا من المجالات الحرجة من بينها وجود المرأة في وسائط الإعلام. أي أنَّ النظرة للمرأة ووجودها في كوادر الإعلام من هذه الزاوية هي نظرة عالمية شاملة وفقاً لاتفاقيات الأمم المتحدة التي تلت مؤتمر بيجين وأُلزمت بها الدول الموقعة على الاتفاق. حيث أطلقت الأمم المتحدة في العام الماضي حملة عالمية لتجديد التزام الدول بـ"المساواة بين ‏الجنسين" على أسس إعلان بكين، بل وقامت بالإعلان عن رؤيتها بتحقيق "كوكب 50:50 قبل عام ‏‏2030". حيث ذكرت فيه أنّ: 46% من الروايات التي تبث على وسائط الإعلام تعزز التمييز على أساس الجنس، وأنَّ 6% فقط منها تعارض الأدوار النمطية للرجال والنساء. كما تقر بأنَّ الإمكانية متوفرة في كل مكان لكي تقدم وسائط اﻹعلام مساهمة أكبر بكثير في مجال النهوض بالمرأة.


كما كانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، قد دعت إلى زيادة تمثيل النساء في مجال الصحافة، فضلًا عن حماية أكثر لحقوق الصحفيات ووقف "العنف" الممارس ضدهن. وذلك في المؤتمر الذي تنظمه اليونسكو في لاتفيا، تحت عنوان "دعوا الصحافة تزدهر"، للاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يوافق 3 من أيار/مايو كل عام. وتطالب اليونسكو بتفعيل "منهاج عمل بكين" والذي يطالب بزيادة مشاركة المرأة في العمل الصحفي وتحسين فرصها للتعبير عن آرائها، وتشجيع تقديم صور متوازنة للمرأة في وسائل الإعلام. وتقول المنظمة إنه "بعد عشرين عامًا على إعلان أهداف منهاج بكين، لا تزال صناعة الإعلام تواجه عقبات منها سوء تمثيل النساء والتغطية غير الكافية للمسائل المتعلقة بهن، والعنف الصريح الممارس ضد الصحفيات". [سكاي نيوز عربية].


وورد في إعلان ومنهاج عمل بكين مواد عديدة تتعلق باستراتيجية تغيير وضع المرأة في وسائط الإعلام ضمن السعي لتمكينها ووضعها على قدم المساواة مع الرجل حيث أكد على ضرورة "ضمان وصول المرأة على قدم المساواة إلى الموارد الاقتصادية، بما في ذلك العلم والتكنولوجيا، والتدريب المهني، والمعلومات، والاتصالات، كوسيلة لزيادة النهوض بالمرأة والفتاة وتمكينهما" [المادة 35]. كما ينص على أنه "يتجلى عدم مراعاة الفروق بين الجنسين في وسائط اﻹعلام في التقاعس عن إزالة القولبة النمطية القائمة على أساس الانتماء الجنسي التي يمكن ملاحظتها في منظمات وسائط اﻹعلام العامة والخاصة والمحلية والوطنية والدولية." [235 تحت فصل المرأة والإعلام]. ودعا المنهاج إلى ضرورة تغيير عرض الصور السلبية والمهينة للمرأة المستمر في وسائط اﻹعلام الإلكترونية والمطبوعة والبصرية والسمعية.


والآن لنلقي نظرةً على واقع المرأة في وسائل الإعلام ووجودها فيه، وعلى نظرة الإعلام للمرأة وكيفية طرحه لقضاياها ثم نحلل الواقع وندرسه لنرى هل نجحت الأمم المتحدة عبر عهودها ومواثيقها في النهضة بالمرأة وتمكينها في هذا المجال.


إن الناظر للواقع يستطيع أن يرى بكل بساطة أنه مع تطور وسائل الاتصال وتنوعها واتساع رقعة مستخدميها، ازدادت قوتها من حيث القدرة على التأثير في الرأي العام وصنع الأحداث وتغيير المفاهيم والأفكار. فمنذ ظهرت وكالات الأنباء وأولها وكالة هافاس عام 1835 ثم وكالة أسوشيتوبرس عام 1848؛ والعالم الغربي هو المتحكم في عالم الإعلام، حيث تتحكم خمس دول كبرى بوسائل الإعلام وهي المصدر الرئيسي للأنباء في العالم وهي: أمريكا وبريطانيا وفرنسا، وإلى حد أقل روسيا وألمانيا. فهذه الدول تمتلك وكالات أنباء عالمية تكاد تحتكر جمع المعلومات وصياغتها وتوزيعها على وسائل الإعلام فهي مصدر المعلومات والأنباء لغالبية الإذاعات والصحف والفضائيات في العالم، وهذه الوكالات هي: اليونايتدبرس والأسوشيتدبرس وهما أمريكيتان ورويترز وهي بريطانية ووكالة الصحافة الفرنسية ووكالة تاس الروسية ووكالة الأنباء الألمانية.


وبالطبع فطريقة عرض الأخبار وصياغتها والنظر للأحداث وتحليلها، وما يُطرح من قضايا وكيفية معالجتها لا تكون خارج نطاق دوائر السياسة التابعة لهذه الدول، ومنها بالطبع قضية المرأة بجانبيها: وجود المرأة في مؤسسات الإعلام ومشاركتها في سياساتها كماً ونوعاً، وصورة المرأة في عيون الإعلام وكيفية عرضِه لها وما يتبناه من قضايا ومواضيع تمسُّ المرأة بشكل مباشر كالأمومة والزواج المبكر والختان وتعدد الزوجات والمساواة، والقوامة والولاية والعلاقة مع الرجل وأحكام الطلاق والزواج، أو غير مباشر كالنظام الاقتصادي ومشاكله وأثرها على المرأة ونظام الحكم والمشاركة السياسية.


فعلى سبيل المثال ذكرت وكالة أخبار المرأة في 30 آذار/مارس الماضي "الصورة النمطية التي عممتها السينما ووسائل الإعلام الأمريكية عن الرجل العربي المسلم أنه إرهابي متخلف شرير، غدار مهووس بالمرأة الشقراء وعلى استعداد للخيانة، وأما المرأة العربية المسلمة فهي راقصة تتلوى بخصرها تبيع نفسها لمن يملك المال أو السلطان، هذا ما خلص إليه جاك شاهين في كتابه «العربي القبيح» حول صورة المسلمين في السينما الأمريكية بعد دراسة 900 فيلم أنتجت على مدى 90 سنة.


وليس غريباً أن نسمع في الإعلام العربي ونرى مقاطع ولقطات تجسد الإباحية وتثير الشهوات والشبهات، بل وتطبع مشاعر المسلمين على المنكر والمُستنكر من كشف النساء للعورات واختلاطهن بالرجال كأصل لا استثناء في حالات خاصة، بل ويصل الأمر لنشر الفكر النسوي الخبيث حيث "لا يولد الإنسان امرأة أو رجلاً بل يصبح كذلك" وهو ما يتم الترويج له عبر المسلسلات والأفلام الدَّاعية لاستبدال مفهوم الفرد الواحد بمفهوم الأسرة "أب، أم، أبناء" من خلف ستار، فيُعرض الأمر على أنه دعوة لمساواة المرأة بالرجل وتُخفى في الإعلام حقيقة الأمر. فصار سبونج بوب برنامجاً كرتونياً بريئاً تُعرض فيه الفكرة الجندرية بأبسط طريق وأسهله لعقول النشء.


في الإعلام يتم انتهاك حرمات المرأة الخاصة ليل نهار، فيُعرض جسدها وتُعرض ملابسها وحاجياتها وأخص خصوصياتها على أنَّها شأن عام مطلوب من الصغير قبل الكبير معرفته والاطِّلاع عليه عبر الدعاية والإعلان. أجل تم انتهاك حرمة المرأة وحريتها الخاصة وعرضها كسلعة لتُرضي ذوق طُغمة من الذكور الرأسماليين المتفردين بحكم وسياسة العالم وإدارة أمواله وإعلامه تحت مسمى تحرير المرأة؛ وليس عجيباً أن نعلم أن حركات تحرير المرأة في العالم يقف خلفها ثلة من الرأسماليين الرجال!


وفي الإعلام يتم عرض المرأة بصورة نمطية تقليدية لا تتعدى دورين: إمَّا امرأة مهمشة جاهلة لا رأي لها في الشأن العام، فكان هو الرائد في مجال تحرير المرأة والسعي لإخراجها من العُزلة وقوقعة بيتها وأولادها. أو امرأة كاسية عارية، مائلة مميلة وهي في الوقت ذاته المثقفة الذكية اللماحة، المتحررة الناجحة. في دعوة لعولمة الانحلال. وكأنَّه يخاطب المرأة المسلمة "إما أن تكوني مرميَّة في البيت أو تخلعي عنكِ الالتزام لتنجحي"؛ ويزيد الإعلام المشكلة تعقيداً حيث يُظهر المرأة المسلمة متخلفة وأن الإسلام يظلمها، ويتغافل الإعلام عن حقيقة مهمة وهي أن المرأة المسلمة تعيش اليوم في جحيم هذه الأنظمة العلمانية ولا تعيش معززة مكرمة في ظل الدولة الإسلامية، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. وتكريم المرأة في الإسلام ثابت بالقرآن الكريم وبالسنة النبوية الشريفة، ويشهد بذلك التاريخ.


ويظهر هنا النموذج المصري بشكل واضح. حيث تُعرض نساء مصر في قالب المرأة الريفية الجاهلة المهمشة أو المرأة المنفتحة التي تُظهر من جسدها أكثر ما تُخفي في ارتيادها للجامعة والنادي والمرقص والمكتبة في استحضار لتاريخ دعاة التحرر مثل قاسم أمين الذي يصور المرأة المسلمة المحتشمة بأنها ليست أكثر من عبدٍ يغطى بلباس إسلامي مما يدل على سيطرة وهيمنة الذكر على الأنثى وتحقير للمرأة. أجل عُرضت نساء مصر على شاشات الإعلام بهذه الصورة وامتُهنت كرامتهن وغُيِّبت عنَّا صور المسلمات العفيفات العالمات، وبرزت السعداوي والشعراوي كمثال يُحتذى، استبدل صورة المرأة الملتزمة التي شاركت في انتفاضة مصر التي سقط فيها مبارك حيث سبقت النساءُ الرجالَ للميادين وهتفن من أمامهم ومن خلفهم في مظاهرات منظمة بسقوط الطاغية، لتظهر الحرية في أبهى حلة حيث لا حرية إلا بالعبودية لله والالتزام بأحكامه.


تجد الإعلام يدعو إلى أن تتولى النساء مراكز الحكم في بلاد المسلمين، ولا يسلط الضوء على جرائم الطاغية حُسينة في بنغلادش ولا فساد كريموفا ابنة المجرم كريموف رئيس أوزبيكستان، وحقيقة أن النساء في مناصب الحكم أشدهم عداوة للمرأة وأول من تقمعه هو المرأة، ولم تتقدم المرأة في البلاد التي حكمتها النساء. فالشيخة حسينة تحكم بنغلاديش ولكنها حاكمة فاشلة وتعاني البلاد من سياسات رأسمالية علمانية فاشلة كما يعاني العالم، فلم تُحدث فرقاً لأن النظام المطبق يحمل فشله في أحشائه، حيث إن المبدأ الرأسمالي مبدأ فاشل في رعاية شؤون الشعوب، سواء أكان الحاكم رجلاً أم امرأة.


تدعو الأمم المتحدة في ميثاق بيجين إلى "تمكين المرأة والنهوض بها، بما في ذلك الحق في حرية الفكر والضمير والدين والمعتقد، وبذلك تكفل لهم إمكانية إطلاق كامل طاقاتهم في المجتمع برسم مجرى حياتهم وفقاً لتطلعاتهم هم أنفسهم" لكنَّ الوقائع الجارية تشير لخلاف ذلك وتناقض هذه الدعوات مع ردود الفعل التي يصدرها المجتمع الدولي وكوادره الإعلامية خاصة تجاه الحركات التي تناهض السيطرة الغربية وتنكر فرض وجهة النظر العلمانية في شؤون المسلمين الصغيرة والكبيرة. حيث أكّد مؤسس موقع التواصل "فيسبوك" مارك زوكربيرغ في الخامس من شهر نيسان/أبريل 2015م أنّ العاملين في الموقع يسارعون إلى حذف أي منشورات أو رسائل ذات محتوى "إرهابي" أو تحض على العنف مضيفا أنّ فيسبوك لا يعمل مثل الشرطة وأنه "لا يمكن أن يكون لدينا كادر كبير من العاملين لمتابعة كل ما ينشر على الموقع" (المصدر: الجزيرة نت + وكالات).


فوثيقة "تحويل عالمنا: أجندة 2030 للتنمية المستدامة" وفي البند رقم (5) أكدت أنها: "مقبولة لكل البلاد وقابلة للتطبيق فيها جميعا" فهي تضع الجميع في قالب واحد تحت قاعدة "one size fits all" ويزداد الأمر خطورة، فإن هذه الاتفاقيات ملزمة للدول الموقعة عليها وتُصبح لها الأولوية بالتنفيذ ولو تعارضت مع القيم والعقائد المختلفة للشعوب. وقد جاء في الميثاق الخاص لأجندة 2030 بأنه "لا يُسمح بأخذ التحفظات بعين الاعتبار".


يتم الترويج لبيجين وسيداو وغيرها من مواثيق وعهود تخص المرأة، تحت مسميات كثيرة لامعة جذابة كحرية المرأة وتمكين المرأة وتحريرها. لكن حين يتعلق الأمر بالمرأة المسلمة ورغبتها في العيش وفق أحكام الشريعة الإسلامية فهم يرتجعون خطاهم، ويتنكرون لأقوالهم.


فرصاص يهود الذي اخترق جسد هديل شهيدة الحجاب، ليس مختلفاً عن رصاصهم الفكري الذي يصوبونه تجاه المسلمات في كل وقت وحين. ورفض ثلة من العلماء والمفكرين والنشطاء لهذه الوثيقة، تم التغاضي عنه وكأنه لم يكن وتم تجاهل الصوت المنادي بـ"أوقفوا تحويل عالمنا"، ولم يُسمع ولم يُسمح لأي صوت عبر الإعلام التقليدي بغير صوت الأمم المتحدة الناعق بالعلمانية والشذوذ. ففي عصر الحريات والديمقراطية المُدَّعاة تفرض قلة قليلة شاذة فكرياً ومنحطة أخلاقياً تصارع لأجل تحقيق مصالح الدول الكُبرى، تفرض رأيها على الأغلبية الساحقة من شعوب الأرض لتفرض الفكر العلماني وتجعل الشذوذ والفسق أصلاً ومرجعاً، ويصبح بيجين مرجعية فكرية لأهل الأرض أجمعين ولو خالف شرع رب العالمين! في "فيتو الفاحشة"؛ لأجل شرعنة الانحلال وإخراج المرأة المسلمة من بيتها لتصبح فُرجة على الشاشات بحجة تمكين المرأة وتسهيل وصولها لوسائط الإعلام. بينما الإعلام يمتهن المرأة ويراها جسداً ولو عرضت الأخبار أو ناقشت في السياسة والاقتصاد.


ينادون برفع نسب تواجد المرأة ومشاركتها الفعالة في وسائل الإعلام منذ عشرين سنة، وخطوا الخطط وأقروا الموازنات. بينما الواقع يؤكد أن السياسات المتَّبعة لأجل تمكين المرأة ومساواتها بالرجل في ظهورها إعلامياً فشلت فشلاً ذريعاً؛ حيث ذكرت الأمم المتحدة أن ظهور المرأة في الأخبار كقضية نقاش في وسائل الإعلام المختلفة من صحف وراديو وتلفزيون ازداد في 2010 ليصل إلى 24% فقط، عن 17% في 1995. فشلوا في تجسيد موضع الداء فلن يجدوا العلاج.


أجل إن صورة النساء في وسائل الإعلام بشكل عام هي صورة نمطية كضحية وأداة لترويج السلع وعرض الجسد. لذلك فإن النهضة بالمرأة وإبراز دورها الفاعل في النهوض بالمجتمع وبنائه ضمن علاقة ود وتعاون وطهر مع الرجل، تكون بمحاربة النظرة النمطية لها، المنبثقة عن النظرة الرأسمالية التي تجعلها سلعة وشهوة ورأسمال يعود بالربح والكسب، وذلك يستلزم من العاملين في مجال الإعلام والناشطين رجالاً ونساءً في حقوق المرأة والهادفين لتمكين النساء بشكل فعال أن ينبذوا عنهم أس الداء والبلاء وهو الحضارة الرأسمالية كلُّها بنظامها ومعالجاتها. فلا يمكننا أن نبغي تفعيل دور المرأة في المجتمع ونشجب النظرة الدونية لها ثم ننجرَّ للمعالجات التي تُقِرُّها هذه النظرة وتسطرها هذه الحضارة! فالمؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين بل الحكمة ضالته.


وهذا ما يدعونا في هذه الحملة الطيبة بإذن الله أن ندعو كافة نساء العالم خاصة المسلمات منهن: سياسيات وناشطات في مجال قضايا المرأة وحقوقها، صحافيات وإعلاميات، طالبات علم وجامعيات ومثقفات وأديبات أن ينبذن عنهن هذه الحضارة ومشتقاتها، ويلفظن ما تفتق عنها من مؤتمرات وعهود ومواثيق كما يلفظن نظرتها لهن، لفظ النواة، ومسارعة في العمل لإيجاد بيئة فكرية سياسية آمنة للنساء حيث تُطبق شريعة الرحمن فتضمن لهن الحرية والكرامة والحماية من أية نظرة سوء، حيث تكون المرأة أمًا ومربيةً، وفي الوقت ذاته عضواً فعالاً في المجتمع، تشارك في مجلس الأمة وتحاسب الحاكم وتعمل كإعلامية نشطة تطرح القضايا وتنشر الوعي.


إن العالم الغربي الذي سجن أختنا عافية صديقي وهي عالمة في جراحة الأعصاب وتحمل من الشهادات الفخرية من جامعات أمريكية معتبرة ما لا يحمله أي عالم آخر، وتعذيبها لحدٍّ أفقدها الذاكرة وكاد يودي بحياتها، ثم يدَّعي حرصاً على نساء الأمة ويريد مِنَّا أن نطالب بالتمكين والعمل الإعلامي ويدَّعي على الشاشات تباكياً على حقوق المرأة ليجعلنا نتساءل: ما الذي يريدون تعليمه للمرأة المسلمة؟ وما الدافع وراء اندفاعهم لتحصيل حقوقها: خوفهم عليها أم خوفهم منها إن تمسكت بإسلامها؟


في تغريدة على تويتر نقل حساب اليونيسيف في الثامن والعشرين من أيلول عن باراك أوباما قوله في مؤتمر عالمي في مقر الأمم المتحدة في اجتماع عقد تحت عنوان "كوكب 50:50 قبل عام 2030": "عندما يُسمح للفتيات بالذهاب إلى المدرسة، والحصول على وظيفة، والسعي وراء فرص غير محدودة. آنذاك يمكن للبلد أن يحقق إمكاناته الكاملة". ونحن نقول: إن التعليم لكل طفل وتوفير فرص العمل لكل قادر عليه، وإيجاد جو الإبداع والتفوق للجميع هو واجب على الدولة التي تحترم نفسها وأبناءها لا مِنَّة منها. وهو حق كفله الإسلام للرعية تُحاسب الدولة على تقصيرها فيه، فلا يَغُرَنَّك غياب الخلافة لتُوهم البشرية بأن حضارتك التي تسببت في فقدان الملايين لأقواتهم وأرزاقهم وقدرتهم على تعليم أطفالهم، هي النعيم وهي المخلص الموعود بمجرد وعودٍ كاذبة تخفي خلف الأكمة ما تُخفي!


أجل، هذه المؤتمرات والوعود لا تقدم شيئاً للمرأة ولا تقدم حلاً غير ناجع حتى، فضلاً عن أن تقدم الحلول الناجعة لتنهض بالمرأة وتهبها حقوقها التي سلبتها إياها.


ولن يرتقي الإعلام الرأسمالي القائم على توجيه أفهام الشعوب وأذهانهم بشكل يخدم مصالح الساسة الكبار ويلفت الانتباه عن الحلول الجذرية لمعاناتهم ومشاكلهم بالبشرية لا نساءها ولا رجالها. فالمشكلة ليست في كمية وجود النساء في كوادر الإعلام، بل في المبدأ المهيمن والذي ينظر الإعلام من منظاره للمرأة، ووفقاً له يضع السياسات العامة، فجعل المرأة تظهر على شاشاته لتذيع الأخبار وتنقل النشرة الجوية وهي مزينة لتزيد نسب مشاهدي القناة مثلاً.


إن الإسلام سمح بعمل المرأة الإعلامي، فقد أقر الرسول الكريم ﷺ بأن تكون من النساء نقيبة حينما أتاه وفد بيعة العقبة وهذا من باب التمثيل والحضور السياسي والإدلاء بالرأي، وقد كلفها الشرع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا يستدعي الوجود الفعال في المجتمع واتخاذ أدوات لأداء هذا الدور. ووجود المرأة المسلمة لا يكون لأجل كوتا معينة بل لأداء مهمة عظيمة ورسالة نبيلة وجبت على المرأة المسلمة مع التزامها بشرع الله سبحانه، بل لا بد أن تترفع الإعلامية المسلمة عن الكثير من الأمور حتى تكون جديرةً بأن تمثّل المرأة المسلمة ذات الشرف والرفعة. وهذا لا يتحقق إلا في ظل دولة تحفظ للمرأة قدرها وتُعلي شأنها فتعتني بأدق التفاصيل، فلا تدفع بالمرأة وسط الزلازل والحروب لتغطي أخبارها ولا تعرضها في أبهى حلة على الشاشات. ويكفينا من التاريخ ذكر الخنساء وعائشة حيث مثَّلن صورة حيَّة للنساء رفعت ذكرهن وأهليهن دون أن نعلم عن وصفهن إلا حسن البيان، ورجاحة العقل والحكمة.


هذه بعضُ أحكام الإسلام المتعلقة بظهور المرأة إعلامياً، وكيفية تمكينها من المشاركة الفاعلة، لا في الإعلام لذاته بل ليكون الإعلام وسيلةً لنشر الخير والهدى ودحض الباطل والضلال. وشتَّان بين مبدأ يرى في المرأة إنساناً له عقله ويضع الأحكام التي تمكّنه من استغلال مواهبها وقدراتها بأنسب وسيلة وأكبر قدر مع الحفاظ على أنوثتها وحمايتها كعِرض مُصان، وبين مبدأ يكرِّس العداوة والبغضاء بينها والرجل، ويرى فيها في الوقت ذاته جسداً يسوَّق لأجل الربح ويُتاجَر بجماله لمصلحة الرجل تحت مُسمَّى التمكين والحريَّة!


﴿وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَ‌ ٰتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً﴾ [النساء: 27].

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم بيان جمال

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع