- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
رد مدير الإذاعة على قناة أمة واحدة بخصوص: هل نطلب من اليهود الخروج صلحا؟
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين وبعد,
قال الله تعالى في محكم كتابه في حق اليهود: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة: أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ».
إن من أفظع المؤامرات التي تحاك ضد أبناء الأمة الإسلامية منذ عقود, محاولة إعطاء صبغة شرعية وحق تاريخي ليهود في أرض الإسراء والمعراج، وذلك من خلال فتح قنوات واتصالات ومؤتمرات تفاوضية، هدفها الأول والأخير حماية كيان يهود, وتامين استقراره واستمراره, وشاركت بهذه المؤامرات أنظمةٌ قمعيةٌ جاثمةٌ على صدور المسلمين, ولم تسلم جماعاتٌ علمانية وحركات يسارية وتحررية وحركات مقاومة وحركات إسلامية وغيرها من محاولات زجِّها في دربِ الخيانةِ المسمى مفاوضات، فتغيرت المسميات على مقاييس الحركات، فأصبح من مفرداتهم السياسية مصطلح سلام مؤقت أو هدنة دائمة أو مؤقتة, وتفاوض صلح, وتفاوض سلام, وتفاوض انسحاب كلي أو جزئي, وغيرها من هذه المفردات التي وإن كان يقول بعض السائرين في هذا الطريق أن لهم نوايا حسنة, إلا أن النوايا المجردة لا تكفي في هذا المقام، بل المطلوب هو التحقق من الأحكام الشرعية المتعلقة بكيفية التعامل مع المحتل الغاصب المستعمر.
إن مجرد التخاطب مع دولة يهود كدولة، وطلب التفاوض معها، أو طلب الصلح معها مهما كان مضمونه، هو اعتراف بدولتها القائمة على أرض المسلمين التي اغتصبتها، فدولة يهود ليست دولة قائمة على أرض لها حتى يجوز التفاوض معها في صلح أو نحوه كما فعل رسول الله ﷺ مع قريش، حيث كانت قريش حينها قائمة على أرض لها لم يفتحها المسلمون بعد، فلم تكن تحتل أرضاً للمسلمين، لكن دولة يهود ليست كذلك، فهي قائمة على أرض إسلامية احتلتها، لذلك فأي مخاطبة لها كدولة أو مفاوضة معها هو اعتراف بكيانها في فلسطين، وهذه جريمة وإثم كبير.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن تحرير فلسطين، وغيرها من بلاد المسلمين المحتلة، لا يكون إلا من خلال الجيوش الجرارة, وسنابك الخيل المجاهدة، وبذل الغالي والنفيس في تحريرها، وإراقة الدماء في سبيل الله لإنقاذها.
هكذا هو في كتاب الله القوي العزيز (يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ)...
وهكذا هو في حديث رسول الله ﷺ «حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون»...
هكذا تُحرر فلسطين، بضربات الجيوش الإسلامية، وليس بنداءٍ من قناة فضائية! حتى وإن كان صاحب القناة ذا نيةٍ حسنة! فإن النوايا الحسنة لا تكفي للقيام بالأعمال والتلبس بها, أفلم يقل الله عز وجل (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ)؟ وهل يكون الإعداد لقتال يهود بإرسال برقيات تطالبهم بالصلح؟!!!!
كيف نحقق وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال يهود حتى ينطق الحجر والشجر؟!!! أنحقق ذلك بمطالبتهم بفتح بابٍ للصلح والتفاوض!!! أم يكون ذلك بتحريض الجيوش المسلمة للخروج من ثكناتها وبذل الأرواح والمهج في سبيل تحريرها؟!
ثم هل سياسة الدول وتدابيرها تتوقف على الأفراد والعامة ووسائل الإعلام والفضائيات, أو هي ترتكز على أهل القوة والحكم والنصرة, أهل القرار, والمتحكمين بعناصر قوة الدولة, الفاعلين فيها والقادرين على التغيير فيها، حكاماً وجيوشاً وأهل منعة؟ ومن ثَمَّ إقامة الخلافة، وقيادة الخليفة لجيوش المسلمين «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ» متفق عليه، فيقضي على كيان يهود بضربات تنسيهم وساوس الشيطان، ويشرَّد بهم من خلفهم!
إن الحالة السياسية السائدة إعلامياً, هي محاولة فرض الرؤى الغربية على جميع فئات الشعوب المسلمة, وفرض رؤى التفاوض والتصالح, ومحاولة جعله رأياً عاماً لدى المسلمين, وخياراً وحيداً لهم.
وبغض النظر عن المطالب الجزئية والكلية من وراء التفاوض والصلح، إلا إن الغاية للغرب تتركز على قبول المسلمين بمبدأ التفاوض والصلح, وذلك من أجل تغييب أحكام الجهاد والقتال, ليتسنى للغرب أن يحدد الوعاء السياسي والقالب التفاوضي والأطراف اللاعبة فيه. وبهذا يصبح الجهاد نسياً منسيا, وأحكام جهاد الدفع والقتال تبقى في أمهات الكتب وعلى الرفوف.
وإنه من كياسة المؤمن، أن لا يقع فريسة لهذه الأساليب الخبيثة، وإن كانت نيته حسنة، كونه بهذا ينزلق إلى ما يريده الغرب، سواء أكان فردا أم جماعة أم مؤسسة أم قناة فضائية أم حزباً سياسياً، فانزلاقه يوصله إلى الارتماء بأحضان الغرب ومؤامراته، عالماً بذلك أم جاهلا.
إن مطالبة دولة يهود بالتفاوض والصلح, على الرغم من عدم جدواها عملياً, وحرمتها شرعياً, فإنها تكونُ وصمةً لا تنفك عن صاحبها، وهي تجعله في خندق المتفاوضين المنبطحين للخطط السياسية الغربية... ولا يقولن قائل إننا نعرض عليهم أن يخرجوا من بلادنا صلحاً، مع أخذ كل حقوقنا، لا يقولن قائل هذا القول، فهو أبعد ما يكون عن التفكير السليم والقول الفصل، بل هو أقرب إلى سذاجة الفكر والقول الهزل!، فهل سمع أحد أو رأى محتلاً عبر التاريخ خرج من أرض احتلها برسالة توجه إليه من فرد أعزل لا دولة له ولا جيش؟!!
وفي الختام، فإني أتوجه إليك ناصحاً، من باب «الدِّينُ النَّصِيحَةُ...» متفق عليه:
إن اسم قناتك "أمة واحدة" وهو اسم عظيم، يحتاج صاحبه إلى فقه في أحكام الإسلام، ووعي في السياسة الشرعية، في كيفية رعاية شئون الأمة... فتدبر كتاب الله سبحانه وسنة رسوله ﷺ، وانظر طريقة الرسول ﷺ في إقامة الدولة الإسلامية الأولى وانهج نهجه، والتزم طريقته ولا تتجاوزها، وكن كيِّساً فَطِناً، فالمسلم ليس خباً ولا الخب يخدعه... اطلب العلم من مظانه الصحيحة، والتمس الحق من مصادره النقية الصافية، وكن مع أهل الحق ترشد بإذن الله.
لقد أرشدناك خلال اتصالاتنا بك فقلت إن منهجك مختلف، وأضفت أن بينك وبيننا بوناً شاسعاً!
يا سبحان الله! كيف تسمي قناتك الفضائية "أمة واحدة" وتعمل للخلافة... وفي الوقت نفسه تجد نفسك بعيداً عن الحزب الذي يعمل للخلافة وللأمة الواحدة، وتقول إن بوناً شاسعاً بينك وبين هؤلاء العاملين للخلافة بفكر مستقيم، ووعيٍ سياسيٍ قويم، وطريقة جلية واضحة، متسنِّمين خطى رسول الله ﷺ في مسيرته لإقامة الدولة الإسلامية الأولى؟!كيف؟ كيف؟
يا أخي إن الذي دفعنا إلى تلك الاتصالات وذلك الإرشاد ليس هو لمصلحة دنيوية لنا، فإن حزب التحرير غنيٌّ بالمسلمين الذين يُقْبلون عليه، وليس فقيراً لمن يقول إنَّ بينه وبين الحزب بوناً شاسعاً! فإننا نتجه بقلوبنا إلى الله وليس إلى أحدٍ سواه، إنما الذي دفعنا لتلك الاتصالات وذلك الإرشاد هو حرص منا عليك، خشية أن تُخدع من أعداء الإسلام والمسلمين، أو تقع في حبائلهم، وذلك لعدم وضوح الفكرة والطريقة المستنبطتين من الأدلة الشرعية، ولضعف الوعي على الأوضاع السياسية، فقد لاحظنا عليك أموراً لا تستقيم:
1- فأنت تقول إنك ضد آل سعود، وإنهم يدركون أنك الأخطر عليهم، ومع ذلك فعنوانك معروف لهم، وأنت تدير وكالة شركة سيارات واضحة المكان والعنوان! فكيف يتركونك إذن تعمل ضدهم، إلا أن يكون لهم غرض؟!
2- وأنت تقول إن الصين تدعم مشروعك... فكيف تدعم الصين مشروعاً إسلامياً "أمة واحدة"، وخلافة راشدة، وهي تبطش بالمسلمين في تركستان الشرقية بطشاً شديداً، إلا أن يكون الأمر على غير ما يظهر لك؟!
3- ثم ثالثة الأثافي هذه الاستشارة التي تعرضها في قناتك بأن ترسل إلى دولة يهود، أشد الناس عداوة، مغتصبي أرض الإسراء والمعراج، ترسل لهم نداء ليخرجوا من فلسطين صلحاً!! فكيف لرجلٍ أعزل، لا دولة له ولا جيش، يوجه نداء إلى دولة يهود المدججة بالسلاح، القائمة على الغصب والعدوان... يقول لها: اخرجي من فلسطين صلحاً!
كل هذا دفعنا إلى الاتصال بك ونصحك وإرشادك إلى ما فيه خيرك وخير المسلمين وخيرنا أجمعين.
نسأل الله سبحانه أن يهدينا أجمعين إلى أرشد أمرنا (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم
مدير إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير