- الموافق
- 1 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف ستتعامل الخلافة مع الفساد السّياسيّ؟!
- يقول سبحانه وتعالى في الآية 71 من سورة المؤمنون: ﴿وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ﴾. فلو عمل سبحانه وتعالى بما يهوى هؤلاء المشركون وأجرى التّدبير على مشيئتهم وإرادتهم وترك الحقّ الذي هم له كارهون، لفسدت السّماوات والأرض ومن فيهنّ؛ وذلك أنّهم لا يعرفون عواقب الأمور والصّحيح من التّدبير والفاسد (تفسير الطّبري)، فسياسة هذه الحياة لا تصلح وتسييرها لا يكون إلّا بما سنّه الله من أحكام ومعالجات أنزلها للنّاس هدى ورحمة.
- الإسلام عقيدة ينبثق عنها نظام يهدي النّاس إلى سبل الخير والفلاح، جاء ليصلح الدّنيا ويسوس العالمين فإن غاب عن حياتهم عمّ الفساد وتاه العباد. والفساد هو الخروج عن الطّريق الصّحيح المستقيم وإظهار معصية الله في الأرض وعدم التّسليم بربوبيّته عزّ وجلّ ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ﴾ [آل عمران: 62-63]
- فما عدّه الله فسادا هو كذلك وإن رآه البعض غير ذلك. قال تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾. فحتّى نحكم على عمل ما بالصّلاح أو بالفساد لا بدّ لنا من معيار وهذا المعيار لا بدّ أن يكون شرعيّا لا عقليّا، فلو كان عقليّا لادّعى كلّ امرئ أنّ ما يقوم به هو الصّلاح وما دونه فساد كما قال الملأ من قوم فرعون ﴿أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ...﴾ فقد حكم هذا الملأ على موسى وقومه بأنّهم مفسدون وجزموا أنّ فرعون مصلح... وهذا الحكم لا يستند إلّا للأهواء والمصالح وهو ما يجعله حكما خاطئا وفاسدا. فإعمال العقل للحكم على الأعمال بالصّلاح والفساد لن يوصل إلى النّتيجة الصّحيحة ولا إلى حكم صائب صحيح. فالقانون الذي وضعه العقل يصف كلّ خارج عنه أو مناد بغيره بأنّه فاسد مفسد: فالرّأسماليّ عند الاشتراكيّين مفسد والمسلم عند الرأسماليّين مفسد... وذلك بناء على المفاهيم التي انبثقت عن هذه العقائد واختلفت باختلاف المبدأ. ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: 11-12].
- الفساد السّياسيّ (فساد في رعاية شؤون النّاس) عموما هو فساد النّظام الذي يسيّر الحياة والتي لن تستقيم ما لم يحكمها نظام خالقها ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾ فالفساد هو ترك شرع الله واتّخاذ شريعة غير شريعته: لذلك حرص رسول الله r على إقامة حكم الله في الأرض فنشر الرّسالة وأدّى الأمانة وأسّس دولة تحمي "الخير" وتحارب أعداءه وتسهر على بقائه بمحاسبة وردع كلّ فاسد في الدّولة وخارجها: فكيف حاربت دولة الخلافة الفساد وأهله؟
- بالجهاد نشرت دولة الخلافة شرع الله... وبالجهاد عمّ الخير والصّلاح... وبه أخرجت النّاس من الظّلمات إلى النّور فنادتهم لعبادة ربّ العباد وترك ما دونها من فساد... لم تكره النّاس على دخول الإسلام ولكنّها عملت على أن لا يحكم العالم إلّا هذا الخير وأن تطبَّق أحكامُه على النّاس بما فيها من عدل ورحمة!
على المستوى الخارجيّ نشرت دولة الخلافة الخير (الإسلام) في العالم فاتّسعت رقعته... ومنعت الفساد (الشّرائع التي وضعها الإنسان) فقلّصت منه وسَعَت للقضاء عليه. أمّا في الدّاخل فقد حاربت الفساد والمفسدين ومنعت الظّلم والظّالمين ولم تسمح بأن يتولّى أمر المسلمين إلّا من تقوم الأمّة باختياره فبيدها السّلطان ولها فقط الحقّ في تنصيب من تراه أهلا لتنفيذ شرع الله، فلا تجبر أحدا على أن يكون خليفة لها كما لا يجوز أن يُجبَرَ أحدٌ منها على اختيار من يكون خليفة لأنّ "الخلافة عقد مراضاة واختيار" (المادّة 25 من مشروع دستور دولة الخلافة الذي أعدّه حزب التّحرير).
فلكلّ مسلم الحقّ في انتخاب الخليفة ومبايعته فيتمّ عقد الخلافة مبايعة ممن وكّلهم النّاس للمبايعة في حين تكون بيعة الباقين من الأمّة بيعة طاعة لا انعقاد و"يجبر عليها كلّ من يلمح فيه إمكانيّة التمرّد وشقّ عصا المسلمين" (المادّة 27 من مشروع الدّستور).
- إن تولّى أحد الخلافة دون بيعة من الأمّة يكون قد اغتصب حقّها وسلطانها وخطا الخطوة الأولى في طريق الفساد، وعلى الأمّة الوقوف أمامه وردعه واسترجاع سلطانها وانتخاب من تراه أهلا لذلك فـ"لا يكون أحد خليفةً إلاّ إذا ولّاه المسلمون. ولا يملك أحد صلاحيّات الخلافة إلاّ إذا تمّ عقدها له على الوجه الشّرعيّ كأيّ عقد من العقود في الإسلام." (المادّة 28 من مشروع الدّستور).
- محاسبة الخليفة فرض على الأمّة فـ"محاسبة الحكّام من قبل المسلمين حقّ من حقوقهم وفرض كفاية عليهم. ولغير المسلمين من أفراد الرّعية الحقّ في إظهار الشّكوى من ظلم الحاكم لهم، أو إساءة تطبيق أحكام الإسلام عليهم". (المادّة 20 من مشروع دستور دولة الخلافة الذي أعدّه حزب التّحرير). قال عليه الصلاة والسلام: «أَلاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِداً، أَوْ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئاً بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه أبو داود. وعليه تعتبر إساءة تطبيق أحكام الشّرع مظلمة من المظالم وتكون الشّكوى منها حقّ للمسلم والذّمّيّ لأنّ الرّسول r يقول: «وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ» أخرجه الترمذي. «...مَنْ أَخَذْتُ لَهُ مَالاً فَهَذَا مَالِي فَلْيَأْخُذْ مِنْهُ، وَمَنْ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْراً فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَقْتَصَّ مِنْهُ». وعليه وحتّى يتحقّق حكم الله وعدله في الأرض على الأمّة - وبعد مبايعتها لخليفة ترضاه يحكم فيها بما أنزل الله - أن تحاسبه وترفع أمره لمحكمة المظالم (عن طريق مجلس الأمّة) إن رفض العدول عن فساده ولهذه المحكمة حقّ عزله.
- صرّح خليل رسول الله وصاحبه "أبو بكر الصّدّيق" حال تولّيه خلافة المسلمين: "إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني، الصّدق أمانة، والكذب خيانة، والضّعيف فيكم قويّ عندي حتّى أريح عليه حقّه إن شاء الله، والقوىّ فيكم ضعيف حتّى آخذ الحقّ منه إن شاء الله". هكذا فهم صاحب رسول الله الرّسالة وعلى هدي نبيّه أدّى الأمانة وسأل النّاس النّصح والإعانة وسار على دربه الصّحابة والتّابعون فحكموا وعدلوا ونشروا رحمة الله وهديه.
- رسالة الإسلام أحكام شرعيّة تنفّذ في الأرض لتسعد البشريّة ولا تتمّ هذه الأوامر إلّا بوجود خليفة. فوجوده حتميّ ليتحقّق الصّلاح وإن غاب عمّ الفساد... ولكن قد يخطئ هذا الخليفة أو غيره ممّن ينيبه في تنفيذ الأحكام - وهم بشر - لذلك وضع الإسلام ضوابط حتّى لا يَتْرُكَ مجالا للظّلم ولانتشار الفساد... وفي سيرة رسولنا الحبيب خير عبر فهو يلتزم شرع الله ولا يحيد عنه... يقيم الحدود فلا يداهن ولا يميّز بين أفراد الرّعيّة... يقسم قائلا «وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» مبرزا فكرا صافيا نقيّا يسير به فيهتدي ويهدي به من آمن بالله رباً وبمحمّد رسولا ونبيّا، وقد تبعه في ذلك وسار على دربه الصّحابة والتّابعون إذ أقام عمر أيضا حدّ الشّرب على ابنه لمّا علم أنّه تناول نوعا منه يحدث السّكر.
- قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: (أرأيتم إن استعملت عليكم خير ما أعلم ثم أمرته بالعدل فيكم، أكنت قضيت ما علي؟ قالوا: نعم، قال: لا، حتى أنظر في عمله أعَمِل بما أمرته أم لا) فرغم أنّ الرّقابة للفرد المسلم تبدأ بالرّقابة الذّاتيّة التي يمارسها المسلم على نفسه غير أنّ الإنسان معرّض للخطأ وقليل من النّاس من يمكنه الابتعاد عن الزلل، ولذلك فإنّ المرء يحتاج إلى رقابة عليه، ولقد جعل الله تعالى مسئوليّة الرّقابة مسؤوليّة جماعيّة تقوم بها الدّولة والمجتمع المسلم بأكمله "يجب على الخليفة أن يتصفّح أعمال معاون التّفويض وتدبيره للأمور، ليقرّ منها الموافق للصّواب، ويستدرك الخطأ. لأنّ تدبير شؤون الأمّة موكول للخليفة ومحمول على اجتهاده هو" (المادة 46 من مشروع دستور دولة الخلافة) و"على الخليفة أن يتحرّى أعمال الولاّة، وأن يكون شديد المراقبة لهم، وأن يعين من ينوب عنه للكشف عن أحوالهم، والتّفتيش عليهم وأن يجمعهم أو قسماً منهم بين الحين والآخر، وأن يصغي إلى شكاوى الرّعيّة منهم" (المادّة 60 من مشروع دستور دولة الخلافة) وقد نهج سلف الأمّة على هذا لقطع دابر الفساد من المجتمع الإسلاميّ والقضاء على مظاهره.
- فالمشكلة ليست وجود فاسدين في الدّولة بل المشكلة في غضّ البصر عن الفساد وعدم معاقبة الفاسدين المفسدين، فهناك بون شاسع بين حاكم عادل يحارب الفساد ويرجو من الله التّوفيق حتّى يطبّق أحكامه وحاكم فاسد يراوغ ويماطل بل ويساوم أهل الفساد ويتعامل معهم وهو بذلك يخون الله ورسوله والمؤمنين وسيلقى من الله ما يستحقّ.
- في "الحكم الدّيمقراطيّ" يضفي الفاسدون الشّرعيّة على فسادهم، وفي كنف الدّيمقراطيّة يسنّون قوانين تخدم مصالحهم وتصادق على تجاوزاتهم. ولتحقيق ذلك نراهم يكثّفون من حملاتهم الانتخابيّة فيتواصلون مع النّاس وينفقون الأموال لضمان أكبر عدد من الأصوات وبعدها وبعد حكمهم بـ"ديمقراطيّتهم هذه" يديرون ظهورهم ويتكالبون على جني الأموال الضّخمة لتعويض ما أنفقوه أضعافا. في حين نرى أنه في ظلّ شرع الله لا تعطى هذه الأمانة لمن يطلبها خوفا من أن يحيد ويغرّه بالله الغرور فيتوه ويَفسُد ويُفسِد. قال النّبيّ r: «إِنَّا وَاللَّهِ لا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ، وَلا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ». فالذي يطلب الخلافة ويسأل عنها ويحرص على تولّيها إنّما يطلبها لنفسه وله فيها مآرب وطموحات ذاتيّة ومكاسب شخصية، ومن كان كذلك فإنّه لن يسعى في مصالح الآخرين، ولن يكون حريصاً على نفعهم، وحتّى حين طلبها أبو ذرّ - وهو الصّالح الصّادق – قائلا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: «فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا».
فالفساد السّياسيّ الذي حلّ بالأمّة الإسلاميّة وبالعالم عموما في ظلّ هذه الدّيمقراطيّة العفنة بقوانينها الجائرة لا يمكن أن ينتهي ولا يتسنّى القضاء عليه إلّا بنظام حكم الإسلام "الخلافة على منهاج النّبوّة"، فهي وحدها التي سوف تتصدّى للفساد، لأنّ قوانينها تُسنّ حسب أوامر الله سبحانه وتعالى لا وفق أهواء ورغبات حكّام حفروا خنادق بينهم وبين الأمّة لا يؤتمنون على دين الله ولا على دنيا النّاس، انتفع بهم الكافر في نشر الفساد ومنع الأمّة من الأخذ بالإسلام والاحتكام إلى أحكامه والعيش في ظلّها.
فحتّى يُقضى على الفساد... وحتّى يعود للنّاس الأمن والطّمأنينة ورغد العيش... على المسلمين الانضمام للعمل من أجل استئناف الحياة بالإسلام والعيش في ظلّ أحكام ربّهم العادلة، والسّعي بجدّ للقضاء على الدّيمقراطيّة وفسادها واضطهادها للبشريّة حتّى يتحقّق وعد الله ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ وتثبت نبوءة رسوله r: «...ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ سَكَتَ» رواه أحمد.
كتبته للمكتب الإعلاميّ المركزيّ لحزب التّحرير
زينة الصّامت
1 تعليق
-
ماشاء الله أختنا زينة،مقالتك مميزة وقيمة،لا جف قلمك