- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
العلم والعمل بأحكام الإسلام طوق النجاة لكل مسلم وللبشرية جمعاء
إن تعلّم المسلم للأحكام الشرعية التي تلزمه في حياته فرض عين عليه، لأنّه مأمور بأن يقوم بأعماله حسب أحكام الشرع لا حسب المصلحة والهوى يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾، فخطاب التكليف الذي خاطب الشارع به النّاس، وخاطب به المؤمنين هو خطاب جزم لا تخيير فيه لأحد، سواء أكان في الإيمان أم كان في أعمال الإنسان. فقوله تعالى: ﴿ءامِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ﴾ كقوله: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ كلاهما خطاب تكليف. أمّا معرفة ما زاد على ما يلزمه في حياته من الأحكام الشرعية فإنّها فرض على الكفاية وليست فرض عين، إن أقامها البعض سقطت عن الباقين.
فحتى نعبد الله كما أراد لا بدَّ لنا من أن نتعلم أحكام دينه، فنعرف ما افترضه علينا فنقوم به، ونعرف ما نهانا عنه فنتركه، ولذلك كانت الخطوة الأولى بعد أن كان النّاس يدخلون في دين الله، هي قيام الرسول e بتعليمهم أحكام الإسلام وإقرائهم القرآن، فقد كان يجتمع بهم سراً في دار الأرقم بن أبي الأرقم خلال المرحلة السرية للدعوة والتي استمرت ثلاث سنوات، وكذلك كان الصحابة يعلمون بعضهم الإسلام في بيوتهم كما كان يفعل خباب مع سعيد بن زيد وفاطمة بنت الخطاب رضي الله عنهم جميعا.
وعندما أخذ رسول الله eيطلب النصرة من القبائل لإقامة الدولة، واستجاب له الأوس والخزرج وبايعوه بيعة العقبة الأولى، أرسل معهم مصعب بن عمير إلى المدينة ليعلمهم الإسلام، ورد في سيرة ابن هشام: "قال ابن إسحاق: فلمّا انصرف عنه القوم، بعث رسول الله e معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام، ويفقههم في الدين، فكان يسمى المقرئ بالمدينة: مصعب". وعندما قال مصعب لرسول الله eبأنّه لم يبق بيت إلا ودخله الإسلام فأسلم منه نفر من أهله، وعندما تيسرت لمصعب هذه القوة رجع إلى رسول الله eوعرض الأمر عليه أن يأتي أهل القوة في الموسم القادم فيشرط الرسول e عليهم ما شاء فهم على استعداد بإذن الله.
وحتى بعد أن منَّ الله عليه e وعلى المسلمين بإقامة الدولة، لم يتوقف عن تعليم المسلمين أحكام دينهم، بل بدأ يعلمهم أحكاماَ تتعلق بحياتهم الجديدة بعد قيام الدولة، كأحكام الجهاد وأحكام الحدود وغيرها من الأحكام، واستمرّ في إرسال الوفود من الصحابة لتعليم الناس أحكام الإسلام ودعوتهم إليه، كما بعث معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن وعن معاذٍ قَالَ: بعَثني رسولُ اللَّهِ e إِلى اليَمن فَقَالَ: «إِنَّكَ تأْتي قَوْماً منْ أَهْلِ الكِتَابِ، فَادْعُهُمْ إِلى شَهَادةِ أَنْ لا إِله إِلاَّ اللَّه، وأَنِّي رسولُ اللَّه، فَإِنْ أَطاعُوا لِذلكَ، فَأَعْلِمهُم أَنَّ اللَّه تَعالى افْتَرَض عَلَيْهِمْ خمْسَ صَلواتٍ في كلِّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلكَ، فأَعْلِمهُم أَنَّ اللَّه افْتَرَض علَيْهِمْ صَدقة تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيائِهم فَتُردُّ عَلى فُقَرائِهم، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلَكَ، فَإِيَّاكَ وكَرائِم أَمْوالِهم وَاتَّقِ دَعْوة المظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» متفقٌ عَلَيهِ. كما أنّ المسلمين في الفتوحات كانوا يحملون الإسلام إلى أهل البلاد المفتوحة ويعلمونهم القرآن والحديث وأحكام الدين ويعلمونهم اللغة العربية أيضاً.
وكما علّمنا رسولنا e الإسلام وأحكامه، علمنا أيضاً الكيفية التي تؤدى بها هذه الأحكام، فالإسلام قرن بين العلم والعمل، وجعل لكلِّ فكرة طريقة للتنفيذ، فالمسلم إن أراد الصلاة وجب عليه تعلم أحكام الطهارة والصلاة ومعرفة كيفيتها التي جاء بها الشرع يقول e: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»، وإن بلغ ماله النصاب وحال عليه الحول ووجبت عليه الزكاة كان عليه معرفة ما يؤديه وبالمقدار الذي يملكه. وإن أراد أن يحج فعليه أن يتعلم مناسك الحجّ ﴿خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ﴾. وإن قام يعمل لإقامة الدولة الإسلامية كان عليه أن يتعلم ما يقيم به هذه الدولة بناء على سيرته e.
فالإسلام جاء بأحكام تتعلق بالفرد، وجاء بأحكام تتعلق بالجماعة، لأنه ليس ديناً كهنوتيا، بل هو دين منه الدولة، وأحكامه نزلت لتطبق في واقع الحياة، وتخرج البشرية من الظلمات إلى النور، فكما هو مطلوب من المسلم الإيمان والتقوى، واجتناب الكفر والمعاصي، مطلوب منه أن يحمل الإسلام رسالة هدى ونور للعالم، ويعمل على إيجاد الكيان الذي يحفظ على المسلمين عقيدتهم وتقواهم، ويمنعهم من الوقوع في حبائل الكفر والمعصية، ويقوم بإيصال هذه الرسالة لباقي الأمم والشعوب، فالرسول e لم يطلب من المؤمنين معه مجرّد الإيمان والتقوى، وتعلم الأحكام الشرعية التي تلزمهم في حياتهم فقط، بل كان يعمل معهم على إيجاد بيئة الإيمان والتقوى بإقامة الكيان الذي يجعل المجتمع كلّه يسير بنفس الاتجاه الذي يسير عليه إيمان الفرد وتقواه. وهذا ما تحقق له عندما أقام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة.
وهذا ما يتوجب علينا فعله بصفتنا مسلمين اليوم، أن نتعلم أحكام الله لنعمل بها على الصعيد الفردي، وأن نسعى لإيجادها في واقع الحياة بإيجاد الدولة التي تضمن تطبيقها على المسلمين في الداخل، وتحملها لغير المسلمين في الخارج، فنحن الأمة الوسط التي اختارها الله لتكون شاهدة على النَاس يوم القيامة، فإن تخلينا عن واجبنا تجاه هذا الدين، ولم نقم بحمله وتبليغه للعالم، وتخلينا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، غرقت السفينة، وكنّا مع الغارقين والخاسرين في الدنيا والآخرة والعياذ بالله، فعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله e: «مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقاً وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعاً، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعاً» رواهُ البخاري.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
براءة مناصرة