- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الصدع بالحق أمام الطغاة بنوايا نقية وصبر وثبات هو فرضٌ ومسألة حياة وموت
(مترجم)
سلام على أصحاب البصيرة والحكمة، الذين يرون الحق حقا ويتبعونه ويرون الباطل باطلا ويجتنبونه ويجنّبون الناس عنه.
من الذي سوف ينقذ أمة محمد من هذا الظلام، ومن الظالمين والطغاة الذين يمنعونها من طريق الحق ومن عبادة الحق رب العالمين؟ من الذي سوف يطبق أحكام الإسلام؟ من الذي سوف يقود هذه الأمة والناس أجمعين لعدالة وسلام وازدهار وأمان وعزة الإسلام؟
فقط نحن ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾، من سيفعل هذا! إن أردنا بصدق أن يغير الله سبحانه وتعالى حالنا هذا فعلينا أولا وقبل كل شيء أن نحاسب حكامنا؛ بفضح أخطائهم وخياناتهم وفخاخهم للأمة ولمن يملكون القوة وندعوهم للانضمام إلى العمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لاستئناف الحياة الإسلامية ودعمها بنصرتهم. هذا العمل واجب ومسألة حياة أو موت. ربنا المنتقم، يريد منا أن نغير أنفسنا من أجل الخروج من الظلام والدخول في النور. يقول عز وجل في سورة الرعد، الآية 11: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ»، وروى الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوْشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ».
وعن قيس بن أبي حازم، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ». وروى ابن ماجه مثله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَىْ يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ» (أحمد).
وتغيير الناس ليس أمراً سهلا. فعلى مر التاريخ، تم نبذ الأنبياء والمرسلين وأولئك الذين سلكوا طريقهم واضطهادهم وتعرضهم لجميع أنواع التعذيب، وهذا ما تعلمناه في آيات عديدة في القرآن الكريم، ومن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وحياة صحابته الكرام، ومن آلاف العلماء وحملة الدعوة من الماضي والحاضر. لذلك، فإن حامل الدعوة سيواجه ابتلاءات لا حصر لها وضغوطاً من عائلته ومحيطه والحكومات. وما يجب عليه هو أن يقاوم هذه الضغوطات، وأن تكون لديه قناعة تامة بصحة دعوته، وأن يكون مقتنعا بصحة طريقه. وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى في مواضع عدة في القرآن الكريم عن الابتلاءات التي سوف يمر بها حامل الدعوة، وبالمقابل، وعد الصابرين بالنصر في هذه الدنيا والجنة في الآخرة. قال تعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلْأُمُورِ﴾ [آل عمران: 186]
تجدر الإشارة إلى أنه لم يتم العثور على دليل واحد على أن نبياً واحداً أو رسولاً أو ممن سار على خطاهم قد تخلوا عن أمانتهم، أو تخلوا عن حمل الدعوة أمام النبذ والاضطهاد والإذلال والتعذيب.
صفات لا غنى عنها لحامل الدعوة
يجب أن يكون حامل الدعوة المؤمن في سعيه لنصرة الله مزوداً ببعض الصفات التي لا غنى عنها، والتي بدونها، سوف يتعثر حامل الدعوة، ويفشل في عمله ويفقد التزامه.
1- إرادة دقيقة:
الإرادة الدقيقة تتعلق بـ"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لإعادة تأسيس درع الإسلام والأمة - الخلافة - كمسألة حياة أو موت، مع إعطاء الأولوية لهذه الدعوة فوق كل أمر دنيوي. وإن فكرة "النصر أو الشهادة" هي العامل الذي لا غنى عنه في هذه القضية. إن إرادة إنجاز الهدف هو إعداد الأمة للتغيير من خلال العمل السياسي، وكذلك التمسك الصارم بطريقة الدعوة وما يتصل بها من أحكام شرعية. وقد حاول مشركو مكة بطرق عدة واقتراحات مختلفة دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وثنيه عن هدفه، لكنه في كل مرة كان يرفض الإصغاء لهم، بل وإن الله تعالى أنكر عليهم أفعالهم في سورة الكافرون، وقد أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب ذات مرة قائلا: «يَا عَمُّ، وَاَللّهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتّى يُظْهِرَهُ اللّهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ».
2- الإخلاص في القول والعمل:
يجب على حامل الدعوة أن يتكلم وفقاً لأوامر الله وأن يتمسك بأوامره سبحانه في أعماله، بينما يسعى باستمرار لنيل رضوانه. عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلا مَا كَانَ لَهُ خَالِصاً وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ» (سنن النسائي).
حمل الدعوة عبادة. وكل عبادة لها علاقة بحمل الدعوة أيضاً. لذلك يجب أن تحمل الدعوة بإخلاص لوجه الله تعالى فقط لا غير، ولتنفيذ أوامر الله ونيل رضوانه. فأي عمل دون إخلاص يدخل في خطر الشرك، وبالتالي، على حامل الدعوة أن يولي هذه المسألة أقصى درجات الاهتمام والأهمية.
3- الصبر في مواجهة المحن:
مع زيادة الإخلاص والنشاط والهمة لحامل الدعوة، تزداد شدة المحن والظلم، وحاجة الدعوة حينها للصبر والثبات.
وفي الحقيقة، فإن المحن والصبر يلازمان المؤمن المخلص الصالح الصدوق. إن درجة المؤمن الصابر على البلاء عند الله تعالى عالية بشكل لا يوصف. فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفها بقوله: :«يُؤْتَى بِالشَّهِيدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنْصَبُ لِلْحِسَابِ، وَيُؤْتَى بِالْمُتَصَدِّقِ فَيُنْصَبُ لِلْحِسَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِأَهْلِ الْبَلاءِ، وَلا يُنْصَبُ لَهُمْ مِيزَانٌ وَلا يُنْشَرُ لَهُمْ دِيوَانٌ، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمُ الأَجْرُ صَبًّا، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْعَافِيَةِ لَيَتَمَنَّوْنَ فِي الْمَوْقِفِ أَنَّ أَجْسَادَهُمْ قُرِضَتْ بِالْمَقَارِيضِ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِ اللَّهِ لَهُمْ» ووعد الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10]، والله لا يخلف الميعاد.
4- الثبات في حمل الدعوة
إن حمل الدعوة فريضة على كل مسلم، والثبات في حمل الدعوة واجب. وإن أعداء الإسلام والدعوة يسعون إلى تقويض الثبات من خلال تقويض الأحكام والمفاهيم الإسلامية، ومن خلال خلط الأفكار غير الإسلامية بالأفكار الإسلامية. فمثلا؛ هم يسعون إلى إحداث فوضى في الدين وتشويش بين الحق والباطل من خلال إضفاء الطابع الديمقراطي على الدعوة الإسلامية؛ وطمس المفاهيم الإسلامية بمفاهيم مثل "الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين". كما يحاربون الثابتين من حملة الدعوة من خلال الاعتقالات والتعذيب والفقر وحتى عمليات الإعدام بكل وسائلهم في أي مناسبة. فكل من يقع في مصيدة الفتنة سيكون خاسراً يدرك أهداف أعداء الإسلام القذرة. وقد حذرنا الله سبحانه من عدم الثبات في حمل الدعوة في سورة الإسراء الآيات 73-75: ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً﴾.
ختاماً نقول: إن الامتثال لمطالب أعداء الإسلام والدعوة، والميل نحوهم، ومداهنتهم، وعدم تحدي أفكار وقوانين الكفر التي تتناقض مع الإسلام، وعدم الاستمرار في فضح أجنداتهم وفخاخهم ضد الإسلام والمسلمين، والامتثال لأفعالهم والموافقة عليها، وتجاهل اضطهادهم والعفو عن جرائمهم، والتزام الصمت تجاه تشويه الأفكار والأحكام الإسلامية، والامتثال لمطالبهم، وبالتالي محاولة تغيير أي حكم من أحكام الإسلام... كل هذا هو عكس الثبات، وهو تخلٍ عن الدعوة وسبب في غضب الله!
5- أن تكون قدوة ومثالاً يحتذى به:
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان بطبيعة تميل إلى الاعتقاد في الأشياء المحسوسة الملموسة وليس في الأفكار المجردة غير المرئية. وعلى مر التاريخ، بينما كان الإسلام متمثلاً من خلال دولة، أي دولة الخلافة، شهدنا كيف دخل جموع الناس في الإسلام. لكن كلما ضعف تمثيل الإسلام في العالم، وتم في النهاية إلغاء الخلافة، قلَّ عدد الناس الذين دخلوا الإسلام. لهذا السبب أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بإقامة الخلافة. إن جعل الإسلام كياناً محسوساً ملموساً من خلال إقامة الخلافة هو أهم واجب على المسلمين. حينها سيزداد عدد المسلمين. وبالتالي؛ فإن حامل الدعوة هو النموذج المحسوس الوحيد للإسلام في هذا العالم حيث لا يطبق الإسلام في الواقع. وبالتالي؛ يجب أن يصبح حامل الدعوة نموذجاً ملموساً ورائداً للإسلام تماماً مثل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. يجب أن يكون ممثلا للإسلام بكلماته وأعماله وصفاته ويجب أن يكون طموحاً في القيام بالأعمال المشروعة وأن يمتلك الصفات التي يحددها الشرع.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يمتلك صفات جديرة بالثناء، مثل الأخلاق المتميزة والبر والإخلاص والتفاني والصبر والمثابرة والتواضع وعمل الخير، يتقي الله، يحب الله ويحتقر ما يحتقره الله ويتأمل الأفضل من الناس ولهم. يجب عليه تجنب الصفات والأخلاق السيئة، لأن الذي من خُلقه البخل والتعجرف والخبث والظلم ليس مؤهلا لحمل الدعوة، ولن يرزقه الله النجاح. والله سبحانه وتعالى لن يجعل الخير على أيديهم. ولن يتخذ الناس مثل هؤلاء نماذج يحتذى بها في تصرفاتهم وكلماتهم.
إن حمل الدعوة مسؤولية كبيرة وعمل شاق ومرهق. ولن ينصر الله سبحانه وتعالى إلا حامل الدعوة الذي يضع جنة الفردوس نصب عينيه والذي يهدف إلى تحقيق شرف تحرير الأمة والبشرية من الظلام إلى النور. لذلك يجب أن يعبر حامل الدعوة عن أفكاره وطريقته الإسلامية بطريقة منفتحة وواضحة ونقية، دون الخوف من لومة لائم.
وأخيراً أخواتي وإخوتي في الدعوة... إذا واجهنا التعذيب والقمع من قبل أعداء الإسلام والدعوة؛ لنتذكر دعاء قدوتنا وأسوتنا الحسنة؛ حبيبنا النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، عندما تعرض للتعذيب من قبل أهل الطائف.
عن محمد بن كعب الكرزي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي، وَقِلّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ! أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي، إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك» رواه مسلم وأحمد بن حنبل.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
زهرة مالك