- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
جمع الصف الوطني أم الاعتصام بحبل الله يا ورثة الأنبياء؟!
اتصل رئيس مجلس الوزراء الانتقالي عبد الله حمدوك بالشيخ الياقوت الشيخ محمد الشيخ مالك شيخ الطريقة السمانية الخلوتية، وحادي ركب مبادرة وحدة الصف الوطني والسلم المجتمعي، مطمئناً على صحته، وكانت ظروف الشيخ الصحية قد حالت دون وصوله للسيد رئيس الوزراء مباركاً له السلامة من محاولة الاغتيال الغادرة التي وصفها الشيخ بأنها لا تشبه السودانيين، وأنها سلوك دخيل على السودان وأهله. وشكر حمدوك الشيخ الياقوت على مبادرته التي حازت رضا قطاع واسع من أهل السودان، وأعلن رئيس مجلس الوزراء تأييده ومساندته للمبادرة، وقال إن الوطن يحتاجها بشدة، ووعد حمدوك بزيارة الشيخ الياقوت قريباً بإذن الله تعالى. (موقع أخبار السودان الجمعة 20 آذار/مارس).
إن الواقع الذي تعيشة الأمة بتفصيلاته، مخالف لما يجب أن تكون عليه الأمة الإسلامية، حيث لا وجود لدولة تطبق الإسلام في الداخل وتحمله للعالم بالدعوة والجهاد، فانتشر الجهل والفقر والمرض وتمكن الغرب من رقاب المسلمين وبلادهم، وعمل على زيادة إفقارهم وتجهيلهم وطمس هويتهم وفصلهم عن دينهم بما فيه من أحكام تكفل لهم الرقي والرخاء، كما أعاد صياغة تاريخ الأمة بما يناسب ويخدم مشروعه القائم على القوميات والوطنيات والعرقيات، وما فيها من عصبيات تبقي الأمة في حالة من الصراع والنزاع يحول دون وحدتها من جديد، ورسم الحدود والرايات، وقسم الأمة إلى دويلات هزيلة، ووضع على كل منها وكيلا عنه أسماه حاكما ملكاً، أو أميراً، أو رئيسا يرعى مصالحه، فمن غير العلماء يناط به الدفاع عن الإسلام والتصدي للغرب وأدواته وتوعية الأمة على حقوقها، وكيفية الوصول إليها وفضح الخونة والمتآمرين على الأمة؟! ومن يقوم على قيادة الأمة وتوعيتها على كيفية الوصول إلى حكم الإسلام، وكيفية الحكم به بتفصيلاته؟! أليسوا هم العلماء؟! فكيف إذا صمتوا أو اتخذوا جانب الحكام؟! هل نصح العلماء الحكام بالكف عن الرعية؟ أم اكتفوا بنصحهم للرعية بالخنوع والخضوع، متخلين بذلك عن ميراث النبوة الذي يوجب عليهم القوامة على فكر الأمة ووعيها والمطالبة بحقوقها؟
في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «أَلَا إِنَّ رَحَى الْإسلام دَائِرَةٌ، فَدُورُوا مَعَ الْكِتَابِ حَيْثُ دَارَ، أَلَا إِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّلْطَانَ سَيَفْتَرِقَانِ، فَلَا تُفَارِقُوا الْكِتَابَ، أَلَا إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَقْضُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مَا لَا يَقْضُونَ لَكُمْ، إِنْ عَصَيْتُمُوهُمْ قَتَلُوكُمْ، وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ أَضَلُّوكُمْ» يوضح الحديث أن السلطان كان متصلا بالقرآن، ويدور على قاعدته، تماما كما تدور الحلقة العليا من الرحى على القاعدة الثابتة وأن دورة هذه الرحى ستنحرف عن مسارها الصحيح عندما يدور السلطان أو الحاكم على غير قاعدة القرآن، وتنفصل الدولة عن تطبيق شرع الله كما هو واقع اليوم.
في هذة الحالة المذكورة في الحديث النبوي فإن العلاقة بين العلماء والحكام يجب أن تقوم على أساس المحاسبة للحكام وحضهم على تطبيقهم لشرع الله والأخذ على أيديهم، هكذا فهم علماء المسلمين المخلصين واجبهم فكانوا أنموذجا يحتذى في تقيدهم بالإسلام، فرأيناهم يحاسبون الحكام ويقفون منهم موقف الآمرين بالمعروف، الناهين عن المنكر. فها هو سلمان يحاسب عمر بن الخطاب على ثوبه الطويل أمام الأمة حتى بيّن عمر سبب طول ثوبه عن بقيتهم، لم يستحي سلمان ولم يسكت عن حق المحاسبة، ولم يغضب عمر وإنما بين موقفه بكل شفافية ووضوح وقَبِل المحاسبة أمام الأمة. وها هي منكرات الحكام اليوم أكثر من أن تحصى؛ يحكمون بغير شرع الله وكفي به سببا للمحاسبة، والأجدر بحملة الشيخ الياقوت أن تكون عن المبادرة لتطبيق شرع الله وحمل مشروع الإسلام العظيم لحض الحكام على العمل الفوري به، لأن الأصل في الوحدة والتوحد عند المسلمين. فقد أمرنا الله تعالى بالاعتصام بحبله جميعا ونهانا عن التفرق والاختلاف، فقال سبحانه: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾. وقال سبحانه: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
فكل اجتماع على رابطة، غير رابطة الإسلام، يعقد عليها الولاء والبراء والحب والبغض والتعاون والتنافر، فهي مما نهى عنه الشرع الحنيف قطعا لأن ولاء المسلم لدينه، ومحبته ونصرته لأهل ملته، دون نظر لوطنية أو قومية. قال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان: (أعلم أنه لا خلاف بين العلماء في منع النداء برابطة غير الإسلام، كالقوميات والعصبيات النسبية، فإن النداء بها معناه الحقيقي: أنه نداء إلى التخلي عن دين الإسلام، ورفض الرابطة السماوية رفضا باتا، على أن يعتاض من ذلك روابط عصبية قومية... وقد بين الله جل وعلا في محكم كتابه: أن الحكمة في جعله بني آدم شعوبا وقبائل هي التعارف فيما بينهم. وليست هي أن يتعصب كل شعب على غيره، وكل قبيلة على غيرها. قال جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.)
إن مبادرة وحدة الصف الوطني التي يقدمها الشيخ الياقوت هي دعوة إلى العصبية المذمومة، لأنها دعوة إلى الرابطة الوطنية وهي ليست دعوة للاعتصام بحبل الله المأمور به بل هي من دعاوى الجاهلية، فالتعصب للعرق أو للجنس أو للوطن أو لأي شيء من العصبية المذمومة هو من دعوى الجاهلية، والنبي ﷺ يقول: «وَمَنْ ادَّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ؟ قَالَ: «وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ الَّذِي سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ». رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب.
عليكم أيها العلماء أن تدركوا واقع مسؤوليتكم عند الله عن فُرقة المسلمين بوقوفكم صفا مع هؤلاء الحكام الذين باعوا البلاد وأذلوا العباد، وهتكوا أعراض المسلمين واستباحوا دماءهم حفاظا على مصالحهم، وأنتم ساكتون عنهم بل بعضكم متواطئ معهم وسادر في غيه، والله سائلكم جميعا عما استرعاكم وعن علمكم الذي لم تسخروه في سبيل الله وخدمة للمسلمين، بل بعتموه بدنيا غيركم، فكان مثلكم كمثل ﴿الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا﴾!!
إن العلماء هم ورثة الأنبياء، وهم أحد الركائز الأساسية لصلاح الأمة مع الحكام كما أخبر رسول الله ﷺ «صِنْفَانِ مِنَ النَّاسِ إِذَا صَلَحَا صَلَحَ النَّاسُ وَإِذَا فَسَدَا فَسَدَ النَّاسُ؛ الْعُلَمَاءُ وَالأُمَرَاءُ»، رواه أبو نعيم في الحلية. ويفسد الحكام والأمراء بفساد العلماء، إذ إنه منوط بهم محاسبة الحكام وتوعية الأمة على وجوب وكيفية محاسبتهم وأطرهم على الحق أطرا لذا تعين على العلماء قبل غيرهم أن يقوموا من الناس مقام حملة الدعوة المبلغين عن رب العالمين، لأنهم وكما يفترض بهم هم أعلم الناس بحلال الله وحرامه، فهذا ميراثهم وحملهم؛ العلم والعمل والبلاغ للناس لأنهم أول من يرى الفتنة وهي مقبلة بما علموا من كتاب الله وسنة رسوله، بينما يراها الناس بعد أن تقع ويقعوا فيها. فدورهم هو توعية الناس وتحذيرهم ووقايتهم من الوقوع في الفتن، لا أن يقعوا ويُوقعوا الناس فيها.
ولا يجوز للعلماء القعود أو التقصير في هذا الدور المنوط بهم، وقد أخذ الله منهم الميثاق على ذلك، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾، فهم مكلفون بالتبليغ ومسؤولون عنه أمام الله عز وجل، وهذا ما فهمه الصحابة والتابعون.
إن ما يجب على العلماء بمقتضى ميراث النبوة أن تكون رؤيتهم للأمور رؤية شرعية أساسها الإسلام وعقيدته وأحكامه وأن تكون نظرتهم ومقياسهم الحلال والحرام، وألا تختلط بأفكارهم أي من أفكار الكفر، ثم القيام في الأمة عاملين على تجسيد أفكار الإسلام فيها ومبينين لها وجوب تغيير الواقع الذي تحياه، مع بيان وجوب الحكم بالإسلام كاملا غير منقوص وبيان تفصيلات الحكم الإسلامي وكيفياته وتعريف الناس بها، وتحويلها إلى مفاهيم يلمسها الناس لمسا حقيقيا، ويثقون في قدرتها على علاج مشكلاتهم، وإظهار ما فيه من نظام كامل شامل لجميع جوانب الحياة يجب أن يطبق كله بلا تجزئة ولا تدريج حتى لا ينتج نموذج مشوه يُنفر الناس من الإسلام وحكمه كما حدث في النظام السابق، كما أنه يملك الكيفية التي يحكم بها والكيفية التي يصل بها للحكم دون الحاجة لغيره من الأنظمة، أو اللجوء والخضوع للواقع وآلياته وأعرافه وقوانينه.
إن واجب العلماء هو قيادة الشعوب وتوعيتها على ما يحقق طموحها ويعيد إليها حقوقها وكرامتها وأمنها ورعايتها وما ترجوه من عدل ورقي ورغد عيش، إن كل هذه الأشياء لا تتحقق إلا بالإسلام وتحكيمه كاملا شاملا في دولة الخلافة على منهاج النبوة وإن أي حلول دونها ما هي إلا حلول ترقيعية للنظام الرأسمالي الحاكم الناهب لثروات الشعوب ولن يعالج مشكلات الناس، بل هو حلقة من حلقات خداعهم والالتفاف حول مطالبهم لتثبيت أركان نظامه برؤوس جديدة.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة عبد الجبار (أم أواب)