الثلاثاء، 24 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

حامل الدعوة بين الإبداع والعمل
﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾

 


إن إحياء قضية العمل لهذا الدين الذي غُيِّبَ حكمه عن الأرض هو من أعظم الأعمال وأجلها وأحبها إلى الله ورسوله، فالانتماء لهذا الدين شرف عظيم، يقابله مسؤولية عظمى وأمانة كبرى في حمل رسالته، وأدائها على أكمل وجه، ووضعه في المكانة التي تنبغي له، دولة وخلافة تحكم بشرع الله، فتملأ الأرض نورا وعدلا، بعدما ملئت جورا وظلما.


إنَّ الدَّعْوة إلى الله وظيفةُ الأنبياء، وطريق العُظماء، وخطة المصْلحين، الذين ينْشَغِلون بإصلاح أحوال الخلْق، وردهم إلى الفطرة السويَّة، المنبثقة عن عقيدة ربانية، كفلت لهم السعادة والأمن والأمان، في ظل تطبيق شرع الرحمن.


ومن هنا وفي ظل الأنظمة الرأسمالية المتجبرة التي فرضت علينا كان لا بد من الدعوة إلى إعادة حكم الله في الأرض، وإزالة حكم الطواغيت وظلمهم، وكان لا بد لكل مسلم ومسلمة على حد سواء من التلبس بهذه الدعوة، باعتبارها فرضاً وأي فرض، بل هي تاج الفروض.


فحامل الدعوة يجب أن يعمل في صفوف حزب يسعى لبناء أمة، وإقامة دولة تكون هي الدولة الأولى في العالم، دولة ترضي الله ورسوله، تطبق شرعه وسنة نبيه، فتعود بالأمة كما كانت، خير أمة أخرجت للناس، فالأمر ليس بهزل ولا ترف، إنما جدّ ومسؤولية عظمى، لا بد من الاجتهاد فيها وأدائها على أتم وجه، فحامل الدعوة يؤمن بأفكار يسعى لإيجادها في معترك الحياة، وهو يعمل جاهداً ليوصلها للناس كي يؤيدوه في مساعيه لذلك. لهذا فإن مهمته ليست الصدع بالحق فقط إنما العمل على تجسيد هذا الحق في الواقع، لذلك يتوجب على حامل الدعوة أن يبدع في أساليبه وترتيب أولوياته وتحديدها بما يخدم أهدافه ونجاح دعوته. وقد تختلف هذه الأولويات باختلاف ميدان الدعوة فحسن التأتي والإبداع في الوسائل والأساليب عند حمل الدعوة له الأثر الأكبر في نجاحها بعد توفيق الله تعالى، وذلك لا يتأتى إلا إذا تمت دراستها دراسة عميقة ومستفيضة ليكون حامل الدعوة على علم ويقين بماهية ما يحمل، ويكون على دراية ووعي حين أداء دعوته، ويصبح عنده تصور واضح لا يعتريه غشاوة بالهدف المحدد المنشود الذي يصبو إليه، ويكون ذا كفاءة عالية حين الأداء في النقاش والدعوة، فحامل الدعوة يثير مشاعر الناس حين يخاطب عقولهم، ويخاطب أفكارهم حين يثير مشاعرهم حتى يكسب حماسهم للعمل، فهو يتحرى الوصول إلى الحق وقت الجدال بالتي هي أحسن، فيعرف كيف ينقض الحجج الباطلة ويستبدل بها الحجج الصادقة، وحامل الدعوة يخاطب العقول بأسلوب يناسب مستوى التفكير لتلك العقول التي أمامه، فهو يعمد إلى البساطة في الألفاظ أمام البسطاء لإيصال الفكرة إليهم وحثهم واستنهاضهم للعمل، وإلى الرقي بمستوى الألفاظ وفخامة الأسلوب أمام النابهين والمثقفين، حتى تعجبهم طريقة طرحه فيبدع عندها في إيصال الفكرة إليهم بشكل ناجح، ويستميل هممهم ويدفعها صوب الطريق المستقيم الذي فيه ابتغاء وجه الله ونيل رضوانه.


وحامل الدعوة يتابع الأحداث العالمية والمحلية، وتسلسل الأخبار، ولا يستهين بأي حدث أو معلومة، فيربط الأحداث بفكر عميق مستنير، وينزل الحكم على الواقع وفق دراسته المستفيضة ومتابعته للأحداث، فيبين مؤامرات الغرب الخبيثة، ومناوراته الدنيئة، في إحكام القبضة على الأمة الإسلامية وإبقائها في حال الضعف والذل والتفسخ والهوان.


ولطالما تعرضت الدعوات الصادقة التي تنشد التغيير المبدئي والجذري إلى حملات تشويه وتعتيم من الأنظمة وأذنابها تحتاج معه لمن يتصدى لها ويدحضها، ولذلك كان لا بد من بروز حملة دعوة كقادة ورواد مؤثرين في محيطهم بين الناس ليقودوا العمل سياسياً في ميادين الصراع، إلا أن هذا البروز يجب أن يكون طبيعياً، أي من غير تصنع، وتفرضه مؤهلاته وإمكانياته بشكل تلقائي، وإلا أصبح عبئاً على الدعوة، فالأمر يجب أن يقوم به من هو أهل لذلك، شكلاً ومضموناً، ولا يصلح له أي كان. وبناء هكذا شخصيات إما أن يأتي من خلال الاهتمام بمن يظهر عليه النباهة والجدية والقدرة على المتابعة والتأثير في محيطه، وإما من خلال تقصد كسب شخصيات معينة ممن لها تأثير في المجتمع لصالح الدعوة بحيث تتفاعل مع هذه الدعوة فتناصرها أو تحتضنها وتصبح جزءا منها، وتنجح في إيصالها للناس. ولنا في رسول الله قدوة حسنة، فرسول الله e كان يدعو الله أن ينصره بأحد العمرين، كما وكان حسن اختياره لجعفر بن أبي طالب أميرا على المهاجرين إلى الحبشة متحدثا باسمهم سببا في نجاح مهمته بعد توفيق الله، وكذلك حسن اختياره لمصعب بن عمير سفيرا ومبعوثا إلى المدينة، فحسن اختياره لشخصيات قيادية، لديها سرعة في البديهة، وحسن في الخطاب والإلقاء وأسلوب راق في التعامل، وفهم دقيق لأحكام الله، وفقه واسع في كتابه وسنة نبيه،كان سببا مهما في نجاح المهمة الدعوية، وانتشار الإسلام.


كما ولا بد لحامل الدعوة من تقييم عمله في كل حين، هل كان العمل مناسباً لتحقيق الغاية المنشودة، وهل تحققت الغاية فعلاً بذلك العمل، وهل كان الوقت والجهد والموارد المرصودة له كافية لإنجازه؟ وهل تم تخطيط وتنظيم ومتابعة العمل بشكل صحيح؟ فاستنفاد كل الطاقات وتنوع الأساليب المثمرة وإخلاص النية لله في كل جزئية من جزئيات العمل مع الله، هي طريق النجاح بإذن الله، فلا بد من الإدراك بأن أي عبث أو إهمال في ذلك، أو اختلاف للنية والإخلاص مع الله، أو دخول العجب والغرور إلى النفس وما شاكل ذلك، كل ذلك يؤدي إلى هشاشة في الطرح وإلى اضطراب في المسير وإلى عدم إمكانية توجيه الأمة أو أخذ قيادتها بشكل صحيح.


وحامل الدعوة لا يداهن ولا يجامل على حساب دينه ولو بأبسط جزئيات عقيدته، فحامل الدعوة مهيأ في كل لحظة وفي كل حين للوقوف وقفة سيد الشهداء متحديا سافرا فيؤدي الفكرة واضحة صريحة، دون خوف أو وجل من حاكم أو سجان، أو فقد وظيفة أو سلطان.


حامل الدعوة يعلم بأن هدفه سامٍ يفوق كل الواجبات الحياتية المنوطة به كفرد، لذلك فإن مهمته ليست الصدع بالحق فحسب، إنما العمل على تجسيد هذا الحق في الواقع، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ديدنه، والدعوة إلى الإسلام ليكون حيا في معترك الحياة أسمى غاياته، واستئناف الحياة الإسلامية هي جل اهتماماته وأعظمها فيتحرق شوقا لعودة الحكم بالإسلام في الأرض، الذي فيه العزة والمنعة والأمن والعدل والأمان، وكسر شوكة الكفر والطغيان.


لعل هذه الكلمات تُحرّك جذوة من نار الحرقة للإسلام في قلوبنا، ولعلّ جمرة الإحساس بواجب الاهتمام بالمسلمين تشتعل في جوارحنا، ولعلّ جليد الركون للدنيا والنوم والكسل يذوب من حياتنا لكي ننطلق للدين عاملين وللإسلام ناصرين، ولدولة الخلافة مقيمين. ولعلنا نستغل أيام هذا الشهر الفضيل المبارك بالتقرب إلى الله بأعظم وأحب العبادات إليه وهي حمل دعوته ونصرة دينه.


﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّه عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّه وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين﴾

 


كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
منال حسين – الأرض المباركة فلسطين

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع