الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الأزمات الاقتصادية لا تحلها المؤتمرات الأشبه بحملات النظافة
التي تنطلق مرة في العام بينما النظام غارق في وحل الرأسمالية

 


يعقد هذه الأيام المؤتمر الاقتصادي الأول في ظل حكومة الفترة الانتقالية. يأتي المؤتمر في ظل أوضاع اقتصادية قاسية والتي ظل المشفقون على حال الناس يقدمون الحلول الناجعة لها من صلب عقيدة الأمة وينبهون لما ستؤول إليه الأوضاع بسبب النظام الرأسمالي الذي زرعه الاستعمار، وظلت الحكومات الوطنية حتى اليوم تنفذه بإشراف مباشر من صندوق النقد الدولي، لذلك فإن عقد المؤتمر الاقتصادي كوسيلة لحل الأزمة السياسية الاقتصادية ما هو إلا حرث في الماء لأن الأزمات الاقتصادية لا تحلها المؤتمرات الاقتصادية الأشبه بحملات النظافة التي تنطلق مرة في العام بينما النظام غارق في وحل الرأسمالية.


ولعلنا لسنا بحاجة إلى كثير من الكلمات لوصف بؤس الحال الاقتصادي، ومظاهر التدهور في كافة مؤشرات الاقتصاد، وتعدد اختلالاته؛ ففي وقت جاءت الحكومة بموازنة تسعى من خلالها لتحقيق "التثبيت الاقتصادي" انتهى بنا الحال لأزمة أعظم أثرا من أزمات العهد البائد! جاء في صحيفة إيلاف يوم 17 أيلول/سبتمبر الجاري أنه بحلول العام 2020 زاد الانكماش الاقتصادي والذي بلغ 2.5% خلال 2019م، وقد كان سبقه انكماش اقتصادي مماثل في الناتج المحلي الإجمالي بلغ 2.25% في العام 2018. وبينما افترضت موازنة العام 2020 نموا اقتصاديا بمقدار 2.9% للعام إلا أن تقديرات صندوق النقد الدولي توقعت نموا سالبا بحوالي -8% مع توقعات باستمرار النمو السالب للعام التالي أيضا "وعود الفقر المتكررة"، وذلك حتى قبل الأخذ بالاعتبار آثار جائحة كورونا والفيضانات.


ومن ناحية أخرى، فقد جاءت موازنة العام 2020 المعدلة بسبب عدم تحقق معظم افتراضات الموازنة الأصلية، خاصة تلك المتعلقة بالموارد الداخلية والخارجية معا، جاءت تحمل مزيدا من المؤشرات السلبية ابتداء بنسبة نمو قدر بحوالي سالب 3.1% في الناتج المحلي، وعجز كلي في الموازنة يقدر بحوالي 254 مليار (13.2% من الناتج المحلي) نشأ من إيرادات عامة تقدر بحوالي 445 مليار جنيه مقابل 684 مليار جنيه من الإنفاق. مع توقعات بتمويل 200 مليار جنيه من هذا العجز بالاقتراض من البنك المركزي، في وقت يعلم الجميع أن الحكومة قد تجاوزت الحد الأقصى للإقراض حسب قانون البنك، وهذه أزمة من الأزمات المتولدة من الاقتصاد الوهمي.


وفي ظل هذا الوضع المختل، من المتوقع زيادة عرض النقود، ولذلك فإن معدل التضخم الذي كان مستهدفا أن ينخفض إلى 30% خلال 2020 قد عدل ليكون 65% في الموازنة المعدلة بينما بلغ بالفعل في شهر تموز/يوليو عند صدور التعديل 144% وهذا معدل غير مسبوق، ومن المتوقع أن تشهد بقية أشهر العام مزيدا من التضخم. وللأسباب نفسها، فقد قفز سعر الصرف ما يفوق 250 جنيها للدولار وبدأت سمات "الدولرة" تشكل واقعا ملموسا في التبادلات التجارية.


أما الحلول الأمنية والرقابة والسيطرة على الدولار، فالتجارب العملية أثبتت أنها لن تنجح في تثبيت سعر صرف العملة المحلية. ومما يؤكد ذلك أن الزيادات المتصاعدة الأخيرة في سعر صرف العملات الأجنبية قد جاءت مباشرة في أعقاب التهديد والحرب التي أعلنتها لجنة الطوارئ الاقتصادية.


أما الحلول المقترحة لمكافحة التضخم فلا ترقى لمستوى تسميتها بالحلول مثل مشروع "سلعتي" وكذلك "أسواق البيع المخفض" فإنها حلول مؤقتة لا يمكن أن توصف بالديمومة لأن المشكلة تكمن أساسا في الارتفاع المستمر في تكلفة الإنتاج وبشكل أقل في وجود السماسرة والوسطاء الذين يتحكمون في السوق بعلم الحكومة، بل إن الحكومة والقطاع الخاص والجيش والقوات النظامية الأخرى (التي تقع تحت سيطرتها وحدات إنتاجية مملوكة للدولة) جميعهم مشاركون في الأزمة الاقتصادية.


المعلوم قطعاً أن النظام الرأسمالي المطبق هو أصل المشكلة، وهو نظام يحمل فشله في أحشائه والسمة الأبرز في فساد الاقتصاد الرأسمالي المعاملات المالية، والتي تتسبب في تعقيد الأزمات خاصة على البسطاء، لأن النظام الرأسمالي لا يقيم وزناً للأفراد وحاجاتهم الأساسية، ولا يعمل على إشباعها، وإنما جعل ذلك حصولهم على حاجاتهم مربوطا بجهاز الثمن؛ حيث جعل الثمن هو (المنظم للتوزيع والحافز على الإنتاج)، أي جعل القدرة على إشباع الحاجات، واستمرارية العيش والقدرة على البقاء هي فقط لمن يحوز الثمن، أما زيادة الثروة (الدخل القومي) للدولة فلا ينظر فيها كم أخذ الأفراد من هذه الثروات، فكانت النتيجة أن الأغنياء قد ازدادوا غنىً، والفقراء ازدادوا فقراً، والسبب هو أن النظرة الرأسمالية كانت نظرة عامة لمشكلة الفقر، وليس إلى خصوصيّة كل فرد من أفراد المجتمع، مع بقاء كل أسباب الفساد في السيطرة على الثروة من طبقة الرأسماليين كما هي، أي مع بقاء أدوات السيطرة على المال بيد الأغنياء كالشركات العملاقة والبنوك الضخمة والبورصات والمصارف وغير ذلك الذين لا وجود لشيء عندهم سوى المنفعة البحتة.


وبذلك يصبح النظام الرأسمالي الذي لا يرعى وجود الفئات غير القادرة على حيازة الثروة، إنما يعمل على احتكار الثروات والأموال العامة لصالح الشركات الكبرى، وأصحاب رؤوس الأموال؛ وذلك عن طريق الدولة نفسها، وبالتالي حرمان باقي أفراد المجتمع من الثروة ووضعها في متناول يد الرأسماليين، لأن النظام الرأسمالي قد فتح المجال لأصحاب رؤوس الأموال لكي يسيطروا على ثروات الناس بالطرق غير القويمة مثل الاحتكار، والرشوة، والربا، والاتجار بكل شيء مهما كان ضرره، وفتح المجال أيضاً لأصحاب الشركات الكبرى ليقوموا بالمضاربات التجارية، والقضاء على الشركات الصغيرة وإبعاد منافستها! وبهذا نرى أن النظام المالي والاقتصادي الرأسمالي يرعى الفساد في المجتمع ويوسّع دائرته بدل أن يحاربه ويقضي عليه، ويوسّع دائرة الفقر والفقراء، ويعمل على تركّز الثروة بأيدي فئة قليلة لا تتجاوز 5% من الناس في المجتمع، ويحكم السيطرة الاقتصادية، حيث لا مجال لأي انتعاش اقتصاديّ في المجتمع أو زيادة للثروة إلا من قبل فئة قليلة من الرأسماليين.


أما النظام الاقتصادي في الإسلام الذي لا مجال في هذا المؤتمر لأحكامه الصائبة، فهو نظام رعاية لشئون الأفراد في المجتمع، وسياسة الاقتصاد في الإسلام هي تمكين كل فرد في المجتمع من إشباع حاجاته الأساسية من مأكل ومشرب وملبس لكل فرد بحيث يتمكن من إشباعها إشباعاً كاملا، والسعي لتمكينه من إشباع حاجاته الكمالية بأكبر قدر مستطاع.


وجاءت أحكام مفصلة في رعاية شؤون الأفراد بل وجباية الأموال لأجل سد خللهم، قال تعالى، يبين هذا الحكم: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾. وقال ﷺ: «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا» فالمعدوم الفقير كان يلجأ للرسول ﷺ بوصفه حاكما لدولة المدينة، وهذا يعني أن فرض إيواء الفقراء وقضاء حوائجهم يقع على الدولة، وكذلك أمر كل أفراد المجتمع بالتعاضد لسد حاجة المعدوم الفقير والمسكين فقال ﷺ: «مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ، وَأَيُّمَا أَهْلِ عَرَصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمُ امْرُؤٌ جَائِعًا، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ»، يقول ابن حزم في كتابه المحلى: (إنه يجب على أغنياء كل بلدة أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنّهم من المطر، والصيف، وعيون المارة). وقد كانت السياسة المالية التي انتهجتها الدولة الإسلامية سياسة رشيدة عادلة حققت الخير للمجتمع الإسلامي، ولمن كانوا يعيشون في ظله الوارف من غير المسلمين.


ولتمكين الناس من الانتفاع بالثروة دون احتكار أو تمييز أو محاباة، وضع الرسول عليه الصلاة والسلام قاعدة للثروة لحيازة الثروة حيث قال ﷺ: «الْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ، وَالْبِلَادُ بِلَادُ اللَّهِ، فَمَنْ أَحْيَا مِنْ مَوَاتِ الْأَرْضِ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ»، فالدولة تمكّن الأفراد من الثروات الطبيعية، وتساعدهم أيضا في عملية الانتفاع بإقراضهم أموالاً تمكنهم من الإنتاج. وعليه فإن عقد المؤتمرات الاقتصادية لا يحل أزمة بل لا بد من تبني النظام الاقتصادي في الإسلام الذي يقوم على الرعاية وتمكين الأفراد من الثروات الطبيعية بأكبر قدر مستطاع ويحارب السطو على أموال الناس، ويشجع الإنتاج حتى يستفيد الناس من الموارد الموجودة بكثرة. وهذا النظام الرباني لا تطبقة إلا دولة الخلافة الراشدة قريبا إن شاء الله.

 


كتبته للمكتب الاعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذة غادة عبد الجبار (أم أواب) – الخرطوم

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع