- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الاتفاق مع كيان يهود خيانة ما بعدها خيانة
قال وزير استخبارات كيان يهود، إيلي كوهين، "إنّه تمّ الاتّفاق مع السودان على محاربة الإرهاب سوياً بهدف إزالة كلّ البنى التحتية للإسلام الراديكالي"، ووصف كوهين، بحسب مقابلة مع قناة (i24NEW)، زيارته إلى السودان بـ"التاريخية"، وأضاف "هي جزء من اتّفاقيات أبراهام للسلام، التي تجلب الاستقرار لمنطقتنا، وتفتح فرصاً جديدة في الاقتصاد"، وتابع "علينا أنّ نتذكر أنّ إيران هي الدولة الأولى التي تمول الإرهاب في العالم، هي تمول حزب الله، والجهاد الإسلامي، لذلك نرى أنها كالسرطان في كل الدول المتموضعة بها، كاليمن، وسوريا، وفي لبنان، والعراق". (باج نيوز 29 كانون الثاني/يناير 2021م).
إن ما يحدث من اتفاقيات وتطبيع مع كيان يهود هو عينه ما نظر له مايكل فلين في كتابه الصادر في تموز/يوليو 2016م بعنوان "ميدان القتال: كيف ننتصر في الحرب العالمية ضد الإسلام الراديكالي وحلفائه؟" ويخصص فلين أغلب صفحات كتابه الـ208 للحديث عن إيران بشكل مباشر؛ يقول فلين "إن الغرب مرّ بعصر الإصلاح بداية من القرن الخامس عشر، إضافة إلى عصر النهضة ثم عصر التنوير، بينما لم يمر الإسلام بعد بعصر الإصلاح الديني أو النهضة الثقافية والتنوير الحضاري". ويشير إلى أن "أوروبا، حينما مرّت بعصر الإصلاح، اندلعت داخلها حروب داخلية سُفكت فيها دماء كثيرة، وإلى أن الهاربين من القمع الديني في أوروبا استقروا في القارة الأمريكية وأصبحوا الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية ورعيلها الأول". ويضيف: "من أجل أن نهزم الراديكالية الإسلامية وحلفاءها، فإن الإصلاح بات أمراً مطلوباً"، داعياً إلى ثورة ثقافية برعاية التحالف الذي ينظّر له وبدعم من أمريكا، من أجل إصلاح المسار الديني والتخلص من "النسخة المتطرفة" من الإسلام. ختاماً، رغم أن مايكل فلين هو أول مَن ابتكر فكرة التحالف بين هذه الدول، ورغم أن أغلب ما قاله حيال إيران قد ورد لاحقاً على لسان ترامب، ورغم أن أغلب ما قاله حول تحالف دول الخليج العربي والبحر الأحمر قد ظهر في التكهنات الصحافية حول تشكيل الناتو العربي، إلا أنه لا يمكن الأخذ بما اقترحه باعتباره تصوراً نهائياً للتحالف المزمع إنشاؤه، ولا يسعنا إلا الانتظار لرؤية شكله النهائي في كانون الثاني/يناير المقبل.
لم تصبح الحرب على الإسلام قضية دينية بل هي قضية استراتيجية في المقام الأول. الذين يخططون لهذه الحرب ويضعون أجندتها ليسوا رجال دين متعصبين فحسب أو حتى مجرد قوى يمينية متطرفة، بل هم دول عظمى ومراكز أبحاث كبرى نافذة وعقول استراتيجية ودول غربية وشرقية، في المقابل لا وجود لأي خطة حتى دفاعية يلتزمها أحد في كنتونات سايكس بيكو، وهذا ما يؤكد تابعية هذه الكيانات لأعداء الإسلام وانفصالها عن الأمة الإسلامية.
هذه الحرب المعلنة مستمرة لا تتوقف وهي في الحقيقة تتجسد في سياسات عنصرية وممارسات يومية تستهدف الإسلام والمسلمين. لكن بين الحين والآخر، تحدث تطورات تكون ذروة في الاستفزاز وفي التعبير عن العداء السافر للإسلام والمسلمين. وقد شهدنا في الفترة القليلة الماضية بعض هذه التطورات ولكن أن يتم اتفاق بين دولة في حالة حرب مع الإسلام مع كيانات المسلمين على حرب الإسلام أياً كانت تسمية وتصنيف هذا العدو للإسلام وأن تقبل هذه الدويلات بذلك، فهذا أمر غاية في الخضوع والاستسلام.
في سبعينات القرن الماضي بدأ تصنيف الغرب للإسلام لأغراض سياسية، وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وتزايد وعي الأمة على الإسلام، رأى الغرب أن يتخذ الإسلام عدواً، ورسم لذلك خططاً فازداد وعي الأمة على دينها، وازداد الغرب انكشافاً وعلى رأسه أمريكا. فزادت أمريكا، بوصفها الدولة الأولى عالمياً، محاربتها للإسلام، وتبعها الغرب ودول العالم في ذلك. وبرز التناقض بين الإسلام والغرب بشكل واضح وحاد. وشعر الغرب بخطر توجه المسلمين نحو انعتاقهم من هيمنته، فاتخذ محاربة الإسلام استراتيجية وفي رأس سلم الأولويات، وليس مجرد هدف على هامش توجهه السياسي. ولكن التخطيط اقتضى أن يقولوا محاربة الإرهاب الذي ينتج عن نوع من الإسلام وليس محاربة الإسلام.
وللتمويه في اتفاق أبراهام يعلن أن الهدف هو إزالة كلّ البنى التحتية للإسلام الراديكالي، ما يوحي بانقسام الإسلام إلى أنواع! وهذا ما ابتدعه الغرب في حربه على الإسلام، واليوم ينفذ ما في اتفاق أبراهام لضمان أمن كيان يهود وضمان غياب الإسلام عن سدة الحكم والذي هو الأمر المقصود للغرب الرأسمالي الذي يعبث في بلاد المسلمين وينهب ثرواتها وينتهك مقدساتها.
ولكن ما هو الإسلام الراديكالي المتقصد بالمحاربة؟
يعود مصطلح راديكالي أو جذري إلى الكلمة اليونانية Radix والتي تعني الجذر. لا يشك أحد أن المقصود هو الإسلام الذي أوحاه الله تعالى لسيدنا محمد ﷺ، والمقصود تحديداً هو ما يسمونه "الإسلام السياسي"، أي الأفكار أو الأحكام الشرعية المتعلقة بالدولة الإسلامية ووجوبها، وبوحدة الأمة وبكيفية رعاية الشؤون الداخلية في الاقتصاد والاجتماع، والخارجية كالتجارة الخارجية والجهاد والمعاهدات...
أما خدعة ما طرح كبديل متصالح مع الغرب ويأمن لربيبة الغرب ومغتصب الأرض والعرض وهو "الإسلام المعتدل" فإنه عنوان على تحريف أحكام الإسلام التي تقف عائقاً دون قبول المسلمين لمفاهيم وقِيَم الكفر الغربية وترفض تدنيس دولة يهود لمسرى النبي ﷺ، وقد أصاب كبد الحقيقة من سماه "الإسلام الأمريكي" لأنه أدق في الدلالة على المقصود، والحرب على الإسلام اليوم استراتيجية أمريكية، وتسعى أمريكا لجعلها استراتيجية عالمية لتقود العالم فيها. وفي هذه الاستراتيجية خطط، منها عدم إعلان الحرب على الإسلام بل زعم احترامه وتقديره، لذلك يقولون إن للإسلام نسختين؛ نسخة حقيقية هي الإسلام المعتدل ونسخة مزيفة هي الإسلام الراديكالي الذي ينتج الإرهاب!
والحقيقة أنه لا وجود لإسلام يصنفه العدو المستعمر لضمان مصالحه، فالإسلام دين كامل نظام شامل يتعلق بالحكم كما يتعلق بالعبادة، فهو لا يُفرّق بين العلاقات سواء أكانت فردية أو عامة، أم كانت تتعلق بالفرد أو بالدولة والمجتمع، فكل أفعال الناس في الدين الإسلامي يجب أنْ تكون محكومة بأحكام الشرع الإسلامي، فلا فرق بين العبادات والمعاملات، ولا بين الأحوال الشخصية والأحوال الدولية، فالإسلام يُعالج كل ما يصدر عن البشر من أفعال، سواء أكانت تتعلق بالحكم أو الاقتصاد أو السياسة أو العبادات أو التعليم أو البينات أو العقوبات أو أي شيء آخر قد يتطلب نظاماً يُعالجه، فالإسلام نظام شامل لكل شيء ولكل زمان ولكل مكان، ونصوصه التشريعية جاءت شاملة عامة قابلة لأنْ تُستنبط منها أحكام شرعية لمعالجة كل حادثة، وكل فعل وكل مشكلة.
والفقه في الإسلام هو استنباط الأحكام العملية من النصوص التشريعية، فالإسلام دين سياسي عملي، والتشريع فيه نوع من سنّ القوانين المستمدة من نصوص القرآن والسنة، والأدلة على ذلك كثيرة منها: قوله تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾، فتحكيم الشرع في الإسلام يجب أن يكون في كل شيء، وبدون حرج، وبكل تسليم، وإلا يُنْفى عن المسلمين الذين لا يُحكّمون الشرع في كل شؤون حياتهم الإيمان، وهذا من أبلغ الدلالات على وجوب تحكيم الشرع في حياة المسلمين.
ولا يمكن تطبيق أحكام الشرع في كل شيء، وعلى كل الناس، من دون وجود دولة إسلامية، كما لا يمكن حكم الناس بالإسلام من دون سياسة، فالسياسة هي رعاية شؤون الناس، والدولة هي التي تسوس الناس أي ترعى شؤونهم بأحكام الإسلام، والرسول ﷺ كان رئيساً للدولة الإسلامية التي أقامها في المدينة المنورة، فكان يحكم الناس بأحكام الإسلام، فوضع منذ وصوله إلى المدينة المنورة صحيفةً شاملة تُحدّد صيغة الحكم في المدينة تحديداً سياسياً دقيقاً، فكانت بمثابة دستور سياسي شامل احتكم له الناس منذ بداية تكوّن السلطة في الإسلام، والرسول ﷺ حكم رعيته بالفعل حكماً شاملاً بالإسلام، فطبّق عليهم الحدود، وقاد الجيوش، وأعلن الحروب، وعقد الهدن، ووضع التشريعات التي عالجت كل شيء في دولته ﷺ، وفعل مثله الخلفاء فحكموا الناس وفتحوا البلدان ونشروا الهدى والإسلام في ربوع أرجاء المعمورة، وهذا ما هو كائن بعون الله وتوفيقه وهو وعد وبشرى لا بد أن تتحقق بإذن الله.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة عبد الجبار (أم أواب)