- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة إلى القضاة
عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «القُضَاةُ ثَلاثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الجَنَّةِ: رَجُلٌ قَضَى بِغَيْرِ الحَقِّ فَعَلِمَ ذَاكَ فَذَاكَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ لا يَعْلَمُ فَأَهْلَكَ حُقُوقَ النَّاسِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالحَقِّ فَذَلِكَ فِي الجَنَّةِ». أبو داود والترمذي
القضاء هو الفصل بين الناس في الخصومات حسماً للتداعي وقطعاً للنزاع بالأحكام الشرعية المتلقاة من الكتاب والسنة. ووجد القضاء لإقامة العدل بين الناس الذي هو من أعظم مقاصد الدين: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ [النحل: 90]. والحاكم مسؤول عن إقامة القضاء بنفسه أو يُنيب غيره عنه: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾.
وإن أول من تولى القضاء هو رسول الله ﷺ في المدينة، وأول من أرسل عليه الصلاة والسلام القضاة إلى الأمصار هم: علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما إلى اليمن، وعتاب بن أسيد إلى مكة. قَالَ ﷺ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: «كَيْفَ تَقْضِي إِنْ عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟» قَالَ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟» قَالَ: فَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ؟» قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي.
القضاء مسؤولية عظيمة فقد قال ﷺ: «مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» (رواه أحمد وأبو داود والترمذي). وقال ﷺ: «إِنَّا وَاللهِ لا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَداً سَأَلَهُ، وَلا أَحَداً حَرَصَ عَلَيْهِ» (متفق عليه)، وروي عنه ﷺ أنه قال: «مَنِ ابْتَغَى الْقَضَاءَ وَسَأَلَ وُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكاً يُسَدِّدُهُ». قال ابن عباس رضي الله عنهما: "من تولى من أمر المسلمين شيئاً فاستعمل عليهم رجلاً وهو يعلم أن فيهم من هو أولى بذلك وأعلم منه بكتاب الله وسنة رسول الله ﷺ، فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين".
فالقاضي إما أن يكون: عادلاً أو جائراً أو جاهلاً.
فالقاضي العادل مؤيد من الله: قال ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ مَعَ القَاضِي مَا لَمْ يَجُرْ، فَإِذَا جَارَ تَخَلَّى عَنْهُ وَلَزِمَهُ الشَّيْطَانُ» (رواه الترمذي).
أما القاضي الجائر فهو أظلم الناس: قال ﷺ في الحديث القدسي عن الله تعالى: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً، فَلا تَظَالَمُوا» (رواه مسلم). فكيف بظلم القاضي المسلط على الدماء والأموال والأعراض؟!
أما القاضي الجاهل فهو مُهلِكٌ لنفسه ولغيره: قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لرجل كان يقضي بين الناس: "هل تعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا، قال: هل أشرفت على مراد الله في أمثال القرآن؟ قال: لا، قال: إذن هلكت وأهلكت".
والأصل في الحكم والقضاء هو الحكم بالشريعة الإسلامية العادلة. قال تعالى: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ [المائدة: 42]، وقال سبحانه: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ [النساء: 58]، ثم بيَّن العدل فقال سبحانه: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾.
أما القضاء والحكم بغير الشريعة فهو تحاكم إلى الطاغوت، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً﴾.
والخلط بين الشريعة وقوانين البشر مردود وباطل وإن استحسنه الناس وارتضوه،
أما تعمُّد تحريف أحكام الشريعة فهو كفر وظلم وفسق: روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنَ اليَهُودِ قَدْ زَنَيَا، فَقَالَ لِلْيَهُودِ: «مَا تَصْنَعُونَ بِهِمَا؟» قَالُوا: نُسَخِّمُ وُجُوهَهُمَا وَنُخْزِيهِمَا، قَالَ: «فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» فَجَاءُوا فَقَالُوا لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَرْضَوْنَ: يَا أَعْوَرُ، اقْرَأْ فَقَرَأَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَوْضِعٍ مِنْهَا فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، قَالَ: «ارْفَعْ يَدَكَ» فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهِ آيَةُ الرَّجْمِ تَلُوحُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ عَلَيْهِمَا الرَّجْمَ، وَلَكِنَّا نُكَاتِمُهُ بَيْنَنَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا فَرَأَيْتُهُ يُجَانِئُ عَلَيْهَا الحِجَارَةَ. وفي رواية مسلم: فأنزل الله: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون﴾، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون﴾، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون﴾. فكيف بالتبديل؟!
كان سيدنا عمر يمشي في الطريق فرأى غلماناً فلما رأوه تفرقوا إلا واحداً منهم، سأله: أيها الغلام لمَ لم تهرب مع من هرب؟ قال له: أيها الأمير لستَ ظالماً فأخشى ظُلمك، ولستُ مذنباً فأخشى عقابك، والطريق يسعني ويسعك، هذا الغلام الصغير رسم سياسة الذي يخاف فيه المذنب ويطمئن البريء، هكذا نريد أن يكون مجتمعنا، لا كما يحصل اليوم يخاف فيه البريء ويطمئن المذنب بسبب ظلم العباد لبعضهم وتخلف القضاء، فمثل هكذا مجتمع يسير في طريق الهاوية. فما أحوج الناس إلى الشريعة الإسلامية ونبذ أي مصدر آخر للتشريع غير الإسلام: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُون﴾.
ولعظم منزلة القضاء عند الله تعالى يوم القيامة قال ﷺ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ»، وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ طَلَبَ قَضَاءَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَنَالَهُ ثُمَّ غَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ غَلَبَ جَوْرُهُ عَدْلَهُ فَلَهُ النَّارُ».
عندما بويع رسول الله ﷺ في العقبة الأولى، بايع المسلمين على أن العقوبة التي يوقعها عليهم تحميهم من عذاب الآخرة، فإذا لم توقع العقوبة على الجاني في الدنيا تُرك أمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كنا عند النبي ﷺ في مجلس فقال: «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئاً. وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْآيَةَ، وَقَالَ: فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً فَعُوقِبَ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ؛ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» فهذا الحديث صريح في أن العقوبة التي يوقعها الحاكم المسلم على المذنب في الدنيا تُسقط عنه عقوبة الآخرة، وقد قيد الفقهاء إيقاع العقوبة أن تكون في دار الإسلام، ولم يجيزوا إيقاعها في دار الكفر.
ذلك أن العقوبات في نظام الإسلام هي عقوبات شرعها رب العالمين كالحدود والقصاص، وعقوبات تركها الله للقاضي يقدرها ضمن حدود معينة كالتعزير. فالعقوبات أمر رباني إذا طبقت كانت طاعة وعبادة لله، يستحق فاعلها الأجر والثواب العظيم، أما العقوبات التي يوقعها القضاة اليوم على الجناة فهي عقوبات بشرية وضعها البشر استناداً إلى عقولهم ولم يضعوها استنادا إلى شرع الله، وهي عقوبات تنفذ في دار الكفر وليس في دار الإسلام، فهي عقوبات لا تمنع عقوبة الآخرة ولا تكفر ذنباً ولا تطهِّر صاحبها، والحاكم الذي وضعها أو صادَق عليها لا يحكم بما أنزل الله، لهذا فإن تطبيق هذه العقوبات ظلم وعدوان يوقعها القضاة على الجناة، يقول ﷺ: «يُؤْتَى بِالْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَلْقَى مِنْ شِدَّةِ الْحِسَابِ مَا يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ».
وختاماً هذه رسالة إلى القضاة:
حذار أن تكونوا ظالمين في قضائكم، واحذروا أن تكونوا عوناً للظالمين فيما يصدرونه من أحكام جاهزة لكم لتقضوا بها، واتقوا الله في أنفسكم ولا تبيعوا آخرتكم بدنيا غيركم وتذكروا قول رسولنا الكريم ﷺ: «مَنْ أَرْضَى سُلْطَاناً بِمَا يُسْخِطُ رَبَّهُ خَرَجَ مِنْ دِينِ اللَّهِ» وقوله ﷺ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ يُرْضِي بِهَا السُّلْطَانَ يَهْوِي بِهَا أَبْعَدَ مِنَ السَّمَاءِ»، واحذروا من مغبة ذلك، بقوله ﷺ «مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ أَوْ يُعِينُ عَلَى ظُلْمٍ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ» وقوله ﷺ «مَنْ أَعَانَ ظَالِماً عِنْدَ خُصُومَةٍ ظُلْماً - وَهُوَ يَعْلَمُ - فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ»، وقوله ﷺ «مَنْ أَعَانَ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى جَبْهَتِهِ مَكْتُوبٌ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ»، وقوله ﷺ: «مَنْ مَشَى مَعَ ظَالِمٍ لِيُعِينَهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ ظَالِمٌ، فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْإِسْلَامِ» فاعملوا على أن تبقوا على دين الإسلام وأن لا تموتوا ساخطين لله ولعباد الله بظلم، فيوم القيامة قريب وقريب جداً ولا ينفعكم إلا عملكم، واعملوا مع حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله من أجل إعادة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي بشرنا بها رسول الله ﷺ، والتي بها يقام العدل ويتحقق فيها رضوان الله عليكم، وليكون لكم الشرف بإقامة العدل بين الناس، والله الهادي إلى سواء السبيل.
#أقيموا_الخلافة
#ReturnTheKhilafah
#YenidenHilafet
#خلافت_کو_قائم_کرو
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
همام الفارس – ولاية العراق