الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الوفاء بالعهد مع الله

 

(مترجم)

 

﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ

 

شهر رمضان هو وقت تجديد عهدنا مع الله. العهد يعني الوعد القاطع مرفقا باليمين. يرتبط القسم (اليَمِين) ارتباطاً مباشراً بالإيمان (الإيمان - اليمين) ويدل على خُلُق المسلم. الإيمان نوع من العقود أيضا ويعني الوعد بالالتزام بالتوحيد بين العبد والخالق، ونبذ وساوس الشيطان والجهاد ضدها. إن العهد مع الله - مثل أي عهد آخر - لا يتم إلا بالإرادة الحرة، وكل وعد وعهد، سواء أكان مع الله أو مع البشر، يقتضي الوفاء، والالتزام  وصدق الظاهر والباطن. أي أن نكون مخلصين وملتزمين بالعهد – أي الوفاء - الذي حدده القرآن كأحد أهم مقومات الشريعة الإسلامية. كما أن التزام الحقيقة هو مفتاح التخلص من الذل ونيل الكرامة والتحرّر من الظلم  بل والتقدم أيضا.

 

الوفاء بالعهد أو الوفاء بالوعد هو الركن الأساسي لكل عقد. وهو أيضاً أقدم عنصر في القانون الدولي ويطلق عليه باللاتينية: Pacta Sunt Servanda "يجب حفظ الاتفاقيات" وبدون هذا الركن لا تكون المعاهدات ملزمة أو قابلة للتنفيذ. ويعتمد هذا العنصر Pacta Sunt Servanda على حقيقة أن الدول قد قبلت طواعية قواعد المعاهدات التي وقعتها، وهي في قمة التسلسل الهرمي للمعايير. بعبارة أخرى، تعتبر جميع الدول في قانونها العام أن الاتفاقيات الدولية هي القوة العليا، ووفقاً لهذا الأساس يلتزم أطراف العقد بمواد العقد كما يلتزموا بأحكام القانون عامة.

 

في الشريعة الإسلامية، يشتمل مصطلح "العقد" كما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية على العهد بين الله وعباده، وبين العباد أنفسهم، وبين الدولة الإسلامية ورعاياها، وكذلك بينها وبين الأمم والدول الأخرى، على سبيل المثال، غالباً ما يستخدم مصطلح "أهل العهد" بدلاً من مصطلح (أهل الذمة) للإشارة إلى غير المسلمين الذين يعيشون تحت حكم الدولة الإسلامية وحمايتها القانونية.

 

يأمر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾. وهذا يوجب على المؤمن أن يجتهد في أن يكون مخلصاً لربه ولرسوله محمد ﷺ. فالولاء لربنا لا يتحقق دون الولاء للرسول ﷺ. فالهدف الواضح للرسول ﷺ هو جعل رسالة الله ظاهرة في العالم، «يَا عَمّ، وَاَللّهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتّى يُظْهِرَهُ اللّهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ» لذلك، ارتبط الولاء للرسول بالولاء لله تعالى.  ويصف الله عدم الولاء بأنه خيانة له وهو المحسن لنا. في هذه الحالة، لن ننال من الله ما وعدنا به. فالله وعد بأن يجعلنا خلفاء في الأرض، وأن يبدّل خوفنا أمناً ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾.  (اسورة النور الآية 55).

 

ومن المؤكد أن الله  الإخلاص سبحانه وتعالى قد لعن اليهود والنصارى لأنهم لم يخلصوا لله في عهودهم. ولأنهم لم يوفوا بوعدهم مع لله، بل نكثوا بعهودهم، أو نسوا بعض وعودهم، ودأبوا على ذلك.

 

 ولذا فمهما بلغ عدد الأفراد المخلصين في المجتمع، فإنه لن يعم السلام في المجتمع ولن يحصل على الأمن والثقة والكرامة التي وعد بها الله تعالى طالما أن المسؤولين عن شؤون ذلك المجتمع، ليسوا مخلصين. فحين أبطل هؤلاء الوفاء بالعهود مع الله واعتبروا الاتفاقات والعقود مع الكفار وأنظمتهم الكافرة أولى من قوانين الإسلام وقيمه وقدموا أسلوب حياة الغرب على أسلوب حياة المسلمين، فلا غرابة أن الله لا يستجيب لدعواتنا. إنّ الانصياع للاتفاقيات الدولية للكفار وأنظمة الحكم المفروضة علينا وحدودهم الوطنية وأفكارهم وعقائدهم يدل على تجاهل فضل ربنا علينا ويكشف عن عدم خشيته. وهذا هو بالضبط ما تعنيه العلمانية والديمقراطية وتهدف لتحقيقه في النهاية.

 

لهذا السبب، فإن الحكام الذين تجاهلوا عهدهم مع الله وفضلوا العهود والاتفاقيات مع غير الله، تحولوا إلى دمى وأدوات ضد الإسلام لا تتسامح ولا ترحم الأمة. من السعوديين في مكة، والسلطة في فلسطين بشقيها إلى الحكام في باكستان والأردن ومصر وتركيا، تبنى جميع هؤلاء الحكام في بلادنا الإسلامية عدم الولاء لله كمبدأ أساسي لأنفسهم وسياساتهم. لم يكتفوا بتقسيم الأمة، بل شوهوا ودمروا كل القيم والمفاهيم التي تشكل هوية الأمة، واستبدلوا القيم الغربية ومفاهيم الكفر بها، وبدّلوا الحلال بالحرام والحرام بالحلال. لقد أهدروا ثروتنا المادية ومصادر دخلنا من خلال مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وحكموا على الأمة بسياسات الفقر المستدام التي اتبعها المستعمرون. لقد تعاقدوا في الخفاء على حروب الاستغلال الأنجلو أمريكية وقتلوا المسلمين بأيديهم. وبدلاً من إنهاء الحروب والاحتلالات، انضموا إلى السياسات التي عزّزت الغزاة وحكمت على الشعب المسلم بالتهجير. وبدلاً من حماية المسلمين الذين لجأوا إليهم، خذلوهم على موائد العنصريين وأعداء الإسلام، وسلموهم لأتباعهم وفق المواثيق الدولية الجائرة التي وقعوا عليها ومن أجل بقاء المستعمرين باعوا الثقافة الإسلامية الضرورية لأجيالنا القادمة، وأخيراً باعوا إيمانهم وأخلاقهم من خلال هذه الاتفاقيات الظالمة.

 

إلى جانب ذلك، كانت هناك أحزاب وجماعات وحركات وعدت بإنهاء الظلم، مستخدمة شعارات بطولية أثارت المشاعر الإسلامية للمسلمين، واعتماد مبادئ غير إسلامية، واللجوء إلى الأساليب الضالة، فهذه لم تقوض وحدة الأمة فحسب، بل قوضت أيضاً ثقتها في الإسلام وفي بعضها البعض. لقد غرسوا اليأس من وعد الله، وكراهية الموت، وحب الحياة الدنيا في نفوس المسلمين، ما أدى إلى تقوية الأنظمة غير الإسلامية، وزاد من حدة الفرقة والفوضى والعجز في وجه الكفار.

 

هذا هو السبب في عدم وجود نهاية لمصائبنا، رغم أننا نقدر الأخلاق ونُعلي الصدق! لهذا السبب لا يزال شهر رمضان يأتي ويغادر ونحن نتألم ونعاني، على الرغم من أن شهر رمضان كان على مدى قرون شهر الانتصارات العظيمة للمسلمين!

 

نعم رمضان شهر القرآن بلا شك، هذا القرآن هو الدستور المكتوب وعهدنا مع ربنا. وتلاوة القرآن تعني تذكر عهدنا وتجديده، لا أن نرتّل حروفه وآياته في تتابع سريع فقط. تلاوة القرآن تعني تطبيق الهداية إلى النور ونبذ الطاغوت والظلمات. وهي العمل والتضحية بأنفسنا إن لزم الأمر لرفع القرآن والسنة لتحكم العالم. ونذكر أيضا أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مواجهة هؤلاء الحكام هو انتهاك آخر للعهد. الوفاء بالعَهْد يكون لله الذي خلقنا لا لعهود الكفار الفاسدة.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

زهرة مالك

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع