- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أمريكا تلعب بالنار وتدق مسمارا في نعشها عبر عسكرة اليابان
لا بد أن الخطر الصيني على مصالح أمريكا قد بلغ أوجه وذروته إلى درجة أن تقوم أمريكا بهكذا حركة متهورة في موضوع عسكرة اليابان حتى ولو كانت هذه العسكرة تحت مراقبة حثيثة منها. لا شك أن الصين استفزت أمريكا لدرجة غير مسبوقة، وسعرت نار المنافسة معها خصوصا في المجالين التكنولوجي والاقتصادي. وهذا قد استثار حفيظة أمريكا ووحد النظرة العدائية تجاه الصين لدى الحزبين الجمهوري والديمقراطي رغم اتساع الرقع في نظرتهما لقضايا عديدة داخلية مثل الصحة والحريات الشخصية وغيرها من الأمور، إلا أن أحد الأمور القليلة جدا التي يتفق عليه الحزبان في أمريكا دون خلاف هو دوام احتواء الصين بكل الوسائل حتى لو وصل الأمر للأساليب العسكرية المباشرة. حتى بلغ الأمر بأمريكا أن تعطي الضوء الأخضر لعسكرة اليابان ورفع وتحرير دستور اليابان من بعض البنود المذلة التي كانت أمريكا كبّلت اليابان بها منذ عام ١٩٤٧.
لا بد أن أمريكا تعتبر اليابان أحد أقرب حلفائها، فقد استطاعت إبقاءها تحت جناحها منذ حوالي ٧ عقود، واستطاعت النفاذ لمكونات الشعب الياباني كله وتمكنت من تعديل بعض طباعهم عبر زرع الأنانية والحرية الشخصية والنزعة الاقتصادية في عقولهم ما أدى إلى تغيير في ذلك الشعور بالكره والعداء للغرب ولأمريكا خصوصا وتحويله إلى شعور تعايش بل نظرة لاهثة ومُجلّة للغرب وشعوبه وتفوقه وأفكاره.
نعم هذا صحيح إلى حد بعيد، وحتى موضوع العسكرة اليابانية نفسه سيكون تحت عين أمريكا وبيدها فمعظم الأسلحة التي ستشتريها اليابان والصواريخ طويلة المدى ستكون من أمريكا، ما سينعش الاقتصاد الأمريكي من جهة ومن جهة أخرى ستكون بمثابة ضمانة بعض الشيء أن لا تحاول اليابان الانعتاق من أمريكا تماما، هذا ناهيك عن بقاء القواعد الأمريكية والوجود الأمريكي الحثيث في اليابان. وهذا كله يوضح سبب اتخاذ أمريكا هذا القرار الذي فاجأ الكثيرين.
إن أمريكا أرادت اللعب بالورقة الأخيرة في موضوع تحجيم الصين والضغط عليها، حيث يتزامن هذا الأمر مع بث أمريكا لحالة العداء الهندي الصيني جاعلة الصين تترنح بين الأخطار والتهديدات من كل جانب، وتراهن على هذا الضغط لتأصيل الجبن الصيني - أو الحكمة والتعقل كما يحب الكثير تسميتها - للاستجابة لمطالب أمريكا في معظم الملفات التي تعتبرها مواضيع حيوية في موقفها الدولي كدولة أولى في العالم.
هذا ناهيك عن الأحلاف التي تقيمها وتفعلها أمريكا في بحر الصين الجنوبي مع كل من كندا وأستراليا واليابان وتعاظم وجود جيشها في اليابان وكوريا الجنوبية وغيرهما.
إلا أن تعاظم هذا الضغط الأمريكي على الصين وتعالي حدته، خصوصا في ما يتعلق بالخطوة الجريئة التي تخص عسكرة اليابان سيجعل الصين أمام خيارين أحلاهما مر:
الأول: الدخول في فلك أمريكا والبقاء فيه لفترة غير معلومة.
الثاني: التقارب الشديد مع روسيا وخسران الأسواق الأوروبية والأمريكية وما يتبع لهما من دول العالم، الأمر الذي ستكون له مردوداته الاقتصادية الضخمة على الصين.
إن أمريكا تلعب بنار ستحرقها إن لم يكن الآن فعلى المدى الطويل وهذا من ناحيتين:
الناحية الأولى: إن الشعب الياباني خطير للغاية إذا ما عسكر، وخطره ليس فقط على الصين أو روسيا وإنما على أمريكا أيضا، ولن ينسى اليابانيون جريمتي هيروشيما وناكازاكي والإذلال الذي خضعوا له بعد الحرب العالمية الثانية على يد أمريكا، وإن كانت أمريكا تظن أن الشعب الياباني يُعدّ حليفا لها بعد قرابة سبعين سنة من سياسة التدجين التي انتهجتها تجاهه، إلا أن السياسة في عالم اليوم المبنية على المنافع والمصالح تسير وفق حقائق وقواعد، ومن هذه القواعد: أن صديق اليوم قد يكون عدو الغد، فما بالك إذا كان هذا الصديق قد فرض هذه الصداقة بالحديد والنار؟!
الناحية الثانية: هي أن أمريكا عبر إنعاش العسكرية في اليابان تدفع الصين دفعا للتقارب والالتحام مع روسيا بدل أن تستمر أمريكا بفصلها عن روسيا. فكما أن اليابانيين لا ينسون لأمريكا جريمة هيروشيما وناكازاكي فإن الشعب الصيني لا ينسى اليابانيين وجرائمهم في الصين إبان الحرب العالمية الثانية وتاريخيا أيضا، وإذاً فليس من المستبعد أن تقوم الصين ببناء حلف مع الشمال، ولا مستبعدا تفعيل وتوطيد عمل منظمة شنغهاي بقوة.
ولذا فأمريكا تدق مسمارا في نعشها عبر عسكرة اليابان، وإذا أضفنا إلى هذا الخطأ الكبير في السياسة الخارجية الأمريكية حالة التصدع والتشقق داخل المجتمع في أمريكا التي ظهرت في مجالات وأصعدة عدة خصوصا بعد هزيمة ترامب في الانتخابات، فيمكن القول إن أمريكا تسير في طريق اللاعودة نحو الهاوية.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. فرج ممدوح