- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
تخريج آلاف الحفّاظ لكتاب الله لن يغيّر حال أمّة الإسلام
ما لم يصيروا من العاملين لإقامة الخلافة
ازداد في الأعوام الأخيرة إقبال المسلمين على حفظ القرآن الكريم وانبرى قسم من أبناء الأمة الإسلامية المخلصين لإنشاء المزيد من الجمعيات القرآنية والانشغال بتعليم المتعلمين لعلوم القرآن من تجويد وقراءات ورسم وضبط وتفسير، أملا في التغيير والأخذ بيد الأمة نحو صلاحها وتغيّر حالها. وقد أنشئت الجمعيات وكثرت، وكثرت أيضا معها المدارس الرقمية والمجموعات الفيسبوكية والمجموعات على الواتساب وغيرها، والشعار واحد هو خدمة القرآن العظيم.
إنّه وإن كان من المثلج للصدر مشاهدة حفلات التخريج لحملة كتاب الله بالآلاف في مختلف أصقاع بلاد المسلمين واندفاع الصغار والكبار لحفظ كلام الله وتلاوته آناء الليل وأطراف النّهار بلسان عربيّ مبين سليم من الألحان الجليّة والخفيّة فإنّه وجب التذكير بأمور عظام لمن كانت مرضاة الله غايته:
١- إنّ العمل بما جاء به القرآن واجب وهو الأساس، ولذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم يتلقون القرآن للتنفيذ والامتثال لأوامر الله والانتهاء عن نواهيه، ويدعون الله أن لا يكونوا ممن يقيم حروفه ويضيّع حدوده. فالخسران كل الخسران أن يمضي المسلم عمره في حفظ القرآن أو تعليمه الآخرين وهو بعيد كل البعد عن فهم أحكامه والعمل بها، فالمعلوم من الدين بالضرورة أنّ الالتزام بأحكام الإسلام هو فرض عين على كل مسلم ومسلمة. وهذا الأمر وإن كنّا نُذكّر به فتذكيرنا ليس من باب الاستنقاص من عظم أجر الحافظ وهو معلوم أيضا ممّا جاء في الأحاديث، وإنّما من باب وضع الأمور منازلها ووضع النقاط على الحروف.
فالوعي على أحكام الإسلام وواجب التلقي للتنفيذ يفرض لزاما أن يسعى الحافظ لكلام الله لإرجاع دولة الإسلام إلى الوجود وأن يكون على ثغرة من ثغور الإسلام، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يهتم لأمر المسلمين جميعا ويتتبع أخبارهم ويسعى لنصرة المستضعفين ولا يكون مفصولا عن الواقع محصورا في بوتقة ضيقة وكأنّه في واد وأمتّه في واد!!
٢- إنّ التركيز فقط على العمل الجمعياتي وتخريج آلاف الحفاظ ليس كافياً لإنقاذ الأمة الإسلامية ممّا وصلت إليه لأنّ الداء معلوم وهو غياب دولة تحكم بشريعة الإسلام، ومهما زادت الأعداد والتحق بركب حاملي القرآن الملتحقون فستبقى ثلاثة أرباع أحكام الإسلام غائبة ومعطلة، وسنُسأل عنها أمام الله، ومنها الأحكام السياسية والاقتصادية ونظام العقوبات والحدود والداخلية والخارجية وغيرها.
إننّا نعلم أنّ الكثيرين ممن انبروا للعمل الجمعياتي فيهم خير كثير وحرص كبير على خدمة الدين، ولكن من الضروري أن يكون الهدف واضحا وسبيل التغيير معلوما لديهم للنجاح في مرادهم.
لقد انشغل رسولنا الأكرم ﷺ بالعمل السياسي، ولا يخفى على اثنين أنّه عمل على إقامة دولة بل وأقامها في المدينة بعد أن احتضنه الأنصار وآمنوا بما بُعث به، والجميع يعلم أيضا كيف استطاعت الدولة حينها صهر المجتمع الأول بمفاهيم الإسلام، وكيف ارتقت به فتجسدت فيهم الخيريّة والفضيلة وعاشوا في سبيل الله حاملين لواء الإسلام إلى العالم بأسره.
فإلى متى سيتواصل تقاعس المتقاعسين عن العمل السياسي العظيم نتيجة التشويه والمغالطات التي سوقها الأعداء؟! وإلى متى يتواصل صرف الجهود الخيّرة إلى معالجة الأعراض دون تشخيص الداء وأخذ الدواء؟!
إنّه لحريّ بحملة كتاب الله اليوم أن يكونوا في الصف الأوّل للعاملين للتغيير ونهضة الأمة الإسلامية، وحريّ بهم أن يقتفوا خطوات رسول الله ﷺ في الدعوة ومقارعة الكافرين والصراع الفكري والصدع بالحق والشدّ على يد الظالمين، هذا هو ثغرهم الذي يجب أن يسدّوه ولا يكفيهم الانشغال بالتعليم أو العمل الخيري أو غيره.
٣- إنّ إصلاح الأفراد لا يُصلح المجتمع لأنّ المجتمعات تبنى على الأفكار والمشاعر والأنظمة التي تتحكم فيها وتسود في أجوائها المجتمعية، وكان لزاما إزالة هذا اللبس من الأذهان ليتضح المطلوب والدرب الذي يجب السير فيه. فأن تدعو الناس ليكونوا صالحين في ذواتهم لا يُنتج إلاّ أشخاصا صالحين، وهذا لا يؤدي بالضرورة لصلاح المجتمع، فأغلبية النّاس تتأثر بالجو العام والقوانين المطبقة عليهم، ولذلك وجب تقصدها وتبديلها إن كان السعي جادا لإحداث التغيير.
إنّ استشهاد الكثيرين في هذا السياق بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ بزعم أنّ الإصلاح يبدأ بتغيير الذات فقط هو استشهاد في غير محلّه؛ فالتغيير في المجتمع لا يكون إلاّ بوجود صالحين مُصلحين مصداقا لما جاء في الحديث: «لَتَأْمُرُنَّ بالْمعْرُوفِ، وَلَتَنْهوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، ولَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، ولَتَأْطِرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْراً، ولَتقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْراً، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ لَيَلْعَنكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ». فالحديث يدلّ دلالة واضحة على وجوب سعي المسلم لتغيير الباطل الذي حوله ومنه جور الحكام والأخذ على يد الظالم، بل دعا الحديث لأطره على الحق أطراً وحذّر من مغبّة عدم القيام بذلك. وقد سئل ﷺ في حادثة أخرى: أَنَهْلِكُ، وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ». فأي خبث أعظم عند الله ممّا يحدث اليوم من تعطيل شرعه واغتصاب سلطان الأمة وتفتيت المسلمين وتكالب الأعداء عليهم؟! وماذا يفيد أن يكثر الصالحون فينا إن لم يكونوا مصلحين؟!
إنّ المدقق فيما قام به رسول رسول الله ﷺ إلى المدينة قبيل إقامة الدولة الإسلامية الأولى يدرك أنّ مصعب الخير لم ينكبّ على تحفيظ أهل المدينة الذي أسلموا القرآن ليهتدوا به وحدهم، بل كان عمله هو ومن أسلم معه تهيئة رأي عام مؤيد للإسلام بتقصد الوجهاء ودعوة المجموعات ونسف الباطل ومحاربة الفساد واستهداف الفكر والشعور المجتمعي والنظام المطبق عليهم، لذلك وجب على من كان همّه نهضة الأمّة أن لا يصرف جهوده فيما لا يحقق الهدف ذاته.
فيا حملة كتاب الله: كونوا أهلا لما تحملون في صدوركم وكونوا صالحين مصلحين تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، تقولون الحق ولو أمام سلطان جائر، ولا تشتروا بآيات الله ثمنا قليلا، كونوا سياسيين كما كان نبيّكم ﷺ، اشتغلوا برعاية شؤون الناس واعرضوا الإسلام بوصفه البديل للأنظمة الجبرية، وسيروا قدما مستأنسين بقوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ وقوله ﷺ: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
تلك هي الثغور التي يجب عليكم سدّها، فوالله هذا هو الدرب الصحيح لمن أراد خدمة الإسلام وخدمة القرآن. هدانا الله وإيّاكم لما يحبه ويرضاه.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
منّة طاهر
#أقيموا_الخلافة #كيف_تقام_الخلافة #بالخلافة_يحصل_التغيير_الحقيقي
#ReturnTheKhilafah #KhilafahBringsRealChange
#YenidenHilafet #HakikiDeğişimHilafetle