- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مؤتمر الخلافة السنوي 2023
الكلمة الثالثة
دولة الخلافة منقذة العالم من ظلم الرأسمالية والديمقراطية
وهي دولة رعاية، وضرورة حياتية فوق كونها واجبا شرعيا
الشيخ عصام عميرة
الحمد لله والصلاة والسلام وعلى رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
أيها الإخوة والأخوات المجتمعون في مؤتمر الخلافة في تونس الحبيبة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أبارك لكم نجاحكم في عقد مؤتمركم هذا وأبشركم بقول الله عز وجل ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾.
لقد تسنّمت الولايات المتحدة الأمريكية هرم الموقف الدولي والسياسةِ الدولية منذ الحرب العالمية الثانية، وانبهر العالم أجمع بهيمنتها على مفاصل السياسة والاقتصاد، وتحكمها في الحرب والسلم العالميين، وأنها تسيطر على البر والبحر والجو والفضاء الإلكتروني بطريقة عملاقة غير مسبوقة في التاريخ المعاصر، وأصبح الكل يحسب لها ألف حساب قبل أن تقدم على أي خطوة محليا أو إقليميا أو دوليا، ونراها تتدخل في أحداث الدنيا جميعا وتتابعها بدقة بالغة، وتوجه الرأي العام في كل القضايا ما دق منها وما جل، وتسيطر على منابع الثروات في معظم أنحاء العالم، وتقدم المساعدات والقروض إلى معظم دول العالم الثالث، ولها قواعد عسكرية في أطراف الأرض وأواسطها وشمالها وجنوبها، ودولارها سيد العملات في العالم، واقتصادها هو الأقوى، بالرغم من مديونيتها الهائلة، وهي البلاد التي يسمونها بلاد الكثرة، إذ كل شيء فيها كثير وكبير، ولكنه خال من البركة! ولما نشبت الحرب الروسية الأوكرانية ظهرت جليا قوة أمريكا كقائدة للمعسكر الغربي في التصدي لغزو روسيا لأوكرانيا، في عمل صريح يهدف إلى إضعاف روسيا وإنزالها عن المرتبة التي تبوأتها منذ انهيار الاتحاد السوفييتي قبل نحو أربعة عقود، وكذلك وقفت في وجه الصين تلك القوة الصاعدة وكبحت جماحها.
وبسبب التعتيم الإعلامي ومحاولات تزوير التاريخ وإخفاء حقائقه الساطعة، فإن قليلا من الناس من يتذكر أن دولة الخلافة قد تبوأت في يوم من الأيام موقع أقوى دولة في العالم، وأنها هزمت الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية بعد مرور وقت قليل من قيامها، وبقيت تتربع على عرش الموقف الدولي والسياسة الدولية قرونا طويلة، تفوق أضعافا مضاعفة هذه الفترة الذهبية الأمريكية، وأن فتوحاتها قد كانت سريعة وخاطفة، وأفضت إلى ضم البلدان الكثيرة إلى كيانها طوعا أو كرها، وبلغت مساحتها أكثر من عشرين مليون كيلومتر مربع في البر دون البحر، وسيطرت على معظم منافذ العالم البحرية، ودخل كثير من سكان البلدان المفتوحة في دين الله أفواجا، وعاشت الأمة الإسلامية قرونا طويلة في حالة تجانس وانسجام لم يشهد لها التاريخ مثيلا، وكانت الدول الأخرى تخطب ودها وتستجير بها. ولا يوجد أي وجه شبه بين سيطرة الوحش الأمريكي الرأسمالي اليوم وسطوته على مفاصل الدنيا، وبين سيطرة الإسلام ورعايته الشرعية للمسلمين وغير المسلمين إبان العهود المتعاقبة للدولة الإسلامية. ولا نبالغ إن قلنا بأن التقدم العلمي الذي وصلت إليه أمريكا ومن قبلها أوروبا إنما هو مؤسَّس على نتاج العقول العلمية المسلمة في شتى مجالات العلم، وهم يشهدون بهذا الفضل، والفضل كله لله العليم الحكيم.
واليوم، ونحن نشاهد بزوغ فجر الخلافة الراشدة الثانية بعد هذا الملك الجبري المتعسف، فلا بد لنا من الإشارة بقوة وبثقة منقطعة النظير إلى أن قيام الخلافة سيعيد للعالم صوابه المفقود، واتزانه المضطرب، وسينصب ميزان العدل من جديد، وستوحد الأمة الإسلامية بعد طول فرقة في دولة واحدة تحت راية واحدة، يحكمها خليفة واحد مبايَع على السمع والطاعة لتطبيق الشريعة الإسلامية الغراء، وسيكون كل شيء فيها كبيرا وكثيرا ومباركا بإذن الله.
وستقوم الخلافة بتحرير البلاد الإسلامية من كل الروابط الاستعمارية السياسية والاقتصادية والتشريعية والحضارية والفكرية، وستنظف بلاد المسلمين من قاذورات الغرب الفكرية وقواعده العسكرية، وستسارع إلى تخليص ثروات البلاد من هيمنة الشركات الاستعمارية، لتجعلها تحت سيادة الدولة الكاملة، ولضمان حسن التصرف فيها وتمويل الخدمات العامة لجماهير الأمة. وستجعل مصلحة الأمة فوق كل اعتبار في أي قرار، معتمدة على الله أولا وآخرا، ثم على قوى الأمة الذاتية من سياسيين وعسكريين وأمنيين ورجال أعمال في درء الأخطار والتهديدات الخارجية.
أيها الإخوة والأخوات: إن ما ينتظر العالم تحت حكم الخلافة القادمة شيء يفوق الوصف، ويتعدى كل توقع، فماذا تنتظرون من دولة قامت بنصر من الله، وتنفيذا لوعده عز وجل وبشرى نبيه؟ هل تنتظرون منها إلا أن تكون راشدة ثانية على منهاج النبوة، يحكمها رجالٌ صنوُ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وحولهم بطانة يشبهون طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وأبا عبيدة بن الجراح وأمثالَهم، وقادةُ جندها رجالٌ كخالد بن الوليد والقعقاع بن عمرو وأبي دجانة وصلاح الدين وقطز وغيرهم؟ دولة تعيد سيرة العبادلة الأربعة وأمثالهم من الصحابة الأفذاذ، وتستنسخ علماء ربانيين كقتادة ومجاهد والسدي والنخعي والشعبي وجعفر الصادق وأبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل وأمثالهم، دولة تقام بها الحدود، ويقسم بها الفيء، وتأمن بها السبل، وتصان بها الأعراض، دولة يقاتَل بها العدو، وتُحفظ بها هيبة الأمة، دولة تحقق النهضة الحقيقية والتقدم العلمي والرقي الفكري والسلوكي، وتسعى لنقله دوما من علي إلى أعلى في كل مناحي الحياة، دولة تؤسس الأبنية وفق أعلى المعايير الشرعية والهندسية، وتستعد دوما للكوارث والجوائح، بل وتعين الأمم الأخرى عندما تتعرض لمثل ذلك. يروى أنه في مدة صلح الحديبية يبلغ النبيَّ ﷺ أن قريشا أصابتهم جائحة، فأرسل عليه الصلاة والسلام لأبي سفيان زعيم الشرك في مكة خمسمائة دينار ليشتري بها قمحا، ويوزعها على فقراء قريش. دولة تعد العدة والقوة وفق أقصى الاستطاعة لإرهاب العدو، وكسر الحواجز المادية التي تقف أمام نشر الإسلام في العالم، فتُنصر بالرعب مسيرة شهر. دولة تسوق الناس إلى الجنة، وتبعدهم عن النار ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، دولة رعاية لا دولة جباية، يبكي أمير المؤمنين فيها إذا قصر في الرعاية، ويعقد بينه وبين الناس عقودا يبرئ بها ذمته أمام الله، ويوصي أن توضع معه في قبره. دولة يجمع أمير الجهاد فيها غبارَ المعارك التي خاضها في سبيل الله ويخلطها بماء زمزم ويجعلها طوبة صغيرة يوصي بوضعها تحت رأسه في قبره بعد موته لأنه يعتقد بأنه لا يجتمع غبار جهادٍ في سبيل الله مع دخان جهنم. دولة يوصي مجاهد فيها أن يدفن معه سيفه في قبره بعد موته ليشهد له جهاده في سبيل الله وهو يشدخ به رؤوس الكفار المعاندين.
أيها الإخوة والأخوات: أيها المسلمون في كل مكان: وأخيرا وليس آخرا، ستمكنكم الخلافة من شد الرحال إلى المسجد الأقصى دون إذن من أحد، وهو ما لم ولن يجرؤ أحد من حكامكم اليوم أن يفعله.
فإلى اللقاء في باحات المسجد الأقصى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.