- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مؤتمر الخلافة السنوي 2023
الكلمة الخامسة
كيف تقام الخلافة ومبشرات قيامها
الأستاذ محمد الناصر شويخة
هل إقامة الخلافة أمر مستحيل؟
يقول البعض إن حزب التحرير يحلم بإقامة الخلافة، وهي هذه الأيام مستحيلة! فهل الخلافة خيال أو وهم توهّمه حزب التحرير؟
أرسل الله سبحانه وتعالى محمّدا عليه الصّلاة والسّلام، ليكون الحكم في الأرض لله إلى قيام السّاعة، ولمّا التحق ﷺ وهو خاتم الأنبياء والمرسلين بالرفيق الأعلى كانت مهمّة الحكم بما أنزل الله منوطة بمن يخلُفُه، الأوّل فالأوّل. ولذلك كانت الخلافة من أعظم واجبات الدّين؛ بها يُقام الدّين وتُحفظ الدّنيا ويكون العدل، وقهر الأعداء.
ولذلك بادر الصّحابة الكرام بها فبايعوا خليفة قبل أن يدفنوا رسول الله ﷺ، على أهمية ذلك وعظمته، وذلك لعظمة الخلافة وأهميتِها. فهل تكون الخلافة مستحيلة؟ وهل يُكلّف الله عباده بما هو مستحيل؟ هل السّعي إلى طاعة الله خيال وأضغاث أحلام؟
جاء في محكم التّنزيل: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾. فما بالكم لو كان الحكم من الواجبات بل من أوجب الواجبات، وإقامة كلّ الدّين وإظهاره بجعله المهيمن في الدّنيا هي إرادة الخالق الجبّار القائل في محكم تنزيله: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ فهل ما يريده الله خيال؟! هل ما يريده أضغاث أحلام؟! تعالى الله عمّا يصفون.
ثمّ إنّ الخلافة عمرت تاريخ البشريّة وملأت جنباته فأين بيزنطة وصولجانها؟ وأين المدائن وأكاسرتُها؟ وأين القسطنطينيّة وأباطرتها؟ ثم من مدَّ الصوت بالتكبير في تلك البقاع الممتدة على طول الأرض وعرضها من المحيط إلى المحيط لولا دولة الإسلام وجند الإسلام وعدل الإسلام؟ فهل تكون الخلافة التي عمرت أرجاء التّاريخ خيالا ووهما؟
وأكثر من ذلك فإنّ إقامة الخلافة وفوق كونها واجبة هي وعد من الله وبُشرى بشّر بها عباده الصّالحين، يقول جلّ من قائل: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [النور: 55]، فهل يُبشّرنا الله بخيالات؟ تعالى الله عمّا يصفون.
وإنّنا نجد في حديث رسول الله ﷺ وعدا بعودة الخلافة من جديد: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ»، فهل ما يوحى إلى النّبيّ مستحيل؟ هل ما يُوحى إليه خيال؟!
ثم هل تكون الخلافةُ مستحيلةً في بلاد المسلمين؟ أيكون الحكم بالإسلام مستحيلاً في بلاد الإسلام؟! ولا يكون الحكم بغير الإسلام في بلاد الإسلام مستحيلاً بل أمراً واقعاً؟! ما لكم كيف تحكمون؟!
كيفيّة العمل لإقامتها:
الخلافة فرض فرضه الله على جميع المسلمين كفرض الصّلاة والصيام والحجّ، بل آكد، والنّاس كلّ النّاس إليها أحوج، ومعنى أنّها فرض يعني أن يتلبّس بها المسلمون حتّى يتمّ نصب خليفة يحكم بشرع الله ويقود الأمّة وجيوشها لإتمام رسالة محمّد ﷺ، بالدّعوة والجهاد. ولكن لله في هذا سنناً، جاء بها رسلُه وأنبياؤه، ولن يتحقق وعد الله وبشرى رسول الله إلّا بعمل العاملين الصادقين المخلصين، هكذا سار رسول الله ﷺ، وهكذا سار صحابته رضي الله عنهم، وهكذا سار الخلفاء من بعدهم.
دعا رسول الله ﷺ إلى ربه في مكة وأصحابُه معه، في جو عاصف مليءٍ بطيش الجاهلية وبطشها، واستمر على ذلك يدعو إلى الإسلام، ولما صارت دعوة الإسلام رأيا عامّا توجّه ﷺ إلى سادة القبائل الأقوياء يطلب منهم النصرةَ بضع عشرةَ مرةً، وأرسل مصعباً إلى المدينة، ولما استجاب أهل القوّة والمنعة في المدينة بايعوه ﷺ بيعة العقبة الثّانية فأقام الدّولة الإسلاميّة الأولى في المدينة. هذا ورسول الله ﷺ يوحى إليه، وهو أحب الخلق إلى الله سبحانه، ومع ذلك فقد تكبّد مشاقّ الهجرة وأهوالها (وقد كان أسري به إلى بيت المقدس ثمّ عرج به إلى السّماء السّابعة في ليلة واحدة دون مشقّة أو خوف) فلم يُنزل الله لرسوله ملائكةً يقيمون له دولةً، وهو ﷺ جالسٌ وصحبُه دون عمل، أو أنهم كانوا نياماً فما فتحوا عيونهم إلا ولهم دولة وجيش، ولأعدائهم محق وسحق، فقاموا يجمعون الغنائم دون أن يبذلوا الوسع في الدعوة إلى الله كما يحب سبحانه ويرضى. ليس هكذا الأمر بل ظلّ رسول الله ﷺ يكافح ويكافح في مكة، ويهاجر في شدة، ويقاتل في بدر، ويسوي الصفوف، ويُعِدُّ القوم للقتال، ثم يدخل العريش يسأل الله نَصْره، بعد ذلك وليس قبل ذلك، أنزل الله سبحانه ملائكته تقاتل مع المسلمين... أرأيتم؟ تقاتل الملائكةُ مع المسلمين وليس نيابةً عنهم وهم قاعدون. وهكذا في كل زمان يؤيد الله بملائكته وبنصره وبمددٍ من عنده، وما يعلم جنودَ ربك إلا هو، لكن كلَّ ذلك ليس نيابةً عن المسلمين بل عوناً لهم وهم يعملون مخلصين صادقين.
هذه هي سنة الله في خلقه بيَّنها رسول الله ﷺ لصحبه وسار عليها خلفاؤه من بعده، فهم لما سمعوا وقرأوا حديث رسول الله ﷺ بفتح القسطنطينية والثناءِ على أميرها وجيشها حرص كل خليفة على أن يرسل جيشاً لفتحها راجياً الله سبحانه أن تتحقق البشرى على يديه فينالَ ذلك الثناءَ العظيم، ولم يقعدوا عن أعمال الفتح ليكرمهم الله بفتحها وهم نائمون لا يعملون. هكذا فهم المسلمون أحاديث البشرى بأنها حافزةٌ على العمل الجادِّ المجدِّ لتتحققَ البشرى على أيديهم، لا أن يضعوا رِجْلاً على رجل ينتظرون تحقيق البشرى وهم قاعدون.
وهكذا فإنّ حزب التّحرير لمّا فقه سيرة رسول الله ﷺ قام يعمل من أجل إقامة الخلافة هذا الفرض العظيم، وهو يدرك تمام الإدراك أنّ حقيقة عمله لا أن يقيم هو الخلافة نيابة عن المسلمين بل أن يسير هو ويسير معه المسلمون لإقامة الخلافة استجابة لفرض الله على جميع المسلمين. فمن تخلّف عن ركب الحزب فقد تخلّف في الحقيقة عن التلبّس بالفرض.
أيّها المسلمون:
إن قيام الخلافة حقيقة واقعة، وإن ثباتها واستقرارها بعد قيامها لهو أمر محقق إن شاء الله، تؤكدها حقائق أربع:
أولاً: وعد من الله سبحانه للذين آمنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم. يقول سبحانه: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55[
وثانياً: بشرى من رسول الله ﷺ بعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة بعد الملك الجبري الذي نحن فيه. يقول صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الصحيح الذي أخرجه أحمد من طريق حذيفة بن اليمان: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضاً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
وثالثاً: أمة حيّة فاعلة، تريد أن تعود إلى سيرتها الأولى التي أخرجها الله لها. يقول سبحانه: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾. قامت ثائرة على العملاء، وما زالت، رافضة للعلمانيّة ومخرجاتها ومن يمثّلها، تريد أن يعود شرع الله للحكم، شبابها يتحرّق شوقا لميادين الجهاد حيث تحرير بلاد المسلمين، مستعدّ للموت ليحمي الخلافة ويحتضنها.
ورابعاً: حزبٌ مخلص لله سبحانه، صادقٌ مع رسوله ﷺ، يغذّ السير، واصلاً ليله بنهاره، حتى يتحقق وعد الله وبشرى رسوله على يديه، لا يخشى في الله لومة لائم، لا تلين له قناة ولا تضعف له عزيمة بإذن الله، حتى يأتي أمر الله وهو كذلك. وكأنه مصداق قوله صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الذي أخرجه مسلم من طريق ثوبان «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ».
إن أية واحدة من هذه الأربع كافية لتنطق بأن العمل للخلافة ليس خيالاً، فكيف بالأربع مجتمعة؟!
فماذا بقي؟
أن يقوم أهل النصرة أهل القوة والمنعة المخلصون، الذين يغارون على دينهم وأمّتهم المقهورة المنهوبة بإزالة هؤلاء العملاء الذين لا يرون إلا الخضوع للمستعمر وإلاّ سوقنا إلى مذابحه سوقا. ثمّ تسليم الحكم والقيادة للحزب ليقوم بالمهمة العظيمة مهمة إقامة الدين، إقامة الحكم بما أنزل الله.
وهنا قد يقال إن الدول الكبرى ستُطبِق على الخلافة وتمحوها لو قامت.
إن إدراك الوقائع الجارية يكشف تهافت هذا القول وفساده من وجوه:
- الوجه الأوّل: إذا كانت زعيمة الدول الكبرى، الولايات المتحدة، وأحلافها، لم تستطع أن تستقر في العراق وأفغانستان أمام مقاومة أفراد من المسلمين لا يملكون عشر القوة المادية لأولئك الأعداء، فضلاً عن أن هؤلاء الأفراد ليسوا دولة ذات مقومات محسوبة في العدد والعدة، فكيف ستستطيع أن تطبق على الخلافة وتمحوها؟! إلا أن يكون قائل هذا القول فاقداً للبصر والبصيرة لا يدرك عظمة الإسلام، وعظمة دولة الإسلام، ولا يدرك قول الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ ولا قول الله سبحانه: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾. ولا يدرك كذلك فقه حديث رسول الله ﷺ الذي أخرجه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ»، وهو كذلك لا يدرك حقائق التاريخ وأن الجيش الإسلامي بإذن الله لا يقهر.
- الوجه الثّاني: أن المستعمرين في كلّ بلاد المسلمين لم يستطيعوا دخولها وما كان لهم أن يدخلوها لولا الخيانة ولولا الحكّام العملاء، الذين فتحوا لهم البلاد، وجعلوا لهم الكلمة العليا.
- الوجه الثّالث: هؤلاء العملاء ما كان لهم أن يستقرّوا في أماكنهم لولا الحماية التي يجدونها من القوّات العسكريّة والدّعم السياسي والمعنوي من الأقوياء في البلاد.
ولهذا لم يبق إلّا أن تُزال عنهم الحماية. فيسقطوا، ولن يجد الأعداء حينها خائناً يفتح لهم أبواب البلاد الإسلامية ليدخلوها دون عناء.
أيّها المسلمون يا أهل القوّة والنّجدة:
- ألم تكفِ مائة عام بل تزيد من الضياع وعدم وجود الخـلافة حتى أصبحنا كالأيتام على مائدة اللئام، ألم تكفِ تلك السنون لنصحوَ ونستيقظ؟!
- ألم تكفِ مائة عام بل تزيد من مصائب "الدولة الوطنيّة" حارسة الاستعمار ومصالحه.
- ألم تكف مائة عام بل تزيد من العلمانيّة الفاسدة والرأسماليّة المجرمة؟ ألم تروا بعدُ أنّهم يُذلّونكم؟ ألم تروا إلى الطّبقة السياسيّة العلمانيّة، كيف جعلتنا قطعانا من الخدم والعبيد عند الرأسماليين وكبار المرابين العالميين، ألم تروا كيف جعلتنا حداثتهم في ذيل الأمم لا في العير ولا في النّفير بعد أن كنّا خير أمّة أخرجت للنّاس؟
أليس غريباً عجيباً أن يوجد بيننا من يتشبّث بوطنيّة ضيّعتنا وحداثة غربيّة استعبدتنا؟! أليس عجيبا غريبا أن يوجد بيننا من لا يعمل لإعادة الخـلافة من جديد، وأداء هذا الفرض العظيم، الطريق المستقيم إلى عز الدنيا والآخرة؟!
ثم أليس غريباً عجيباً محزناً أن يحمي أبناؤنا (جنودا وضبّاطا) أشباه حكّام لتكون الهيمنة للكفّار؟! ألم تروا أنّ هؤلاء الأشباه لا قرار لهم إلّا بحمايتكم، فكيف تحمونهم بعدما تبيّن لكم أنّهم خدم للمستعمر؟ إلى متى؟! ألم يفرّ بن علي الطّاغية بعد أن سحبتم الحماية منه؟ فلماذا تقدّمون الحماية لمن هم مثله أو أشدّ عمالة وخساسة؟!
يا أهل القوّة والمنعة، يا أهل النّجدة والنخوة!
إلى متى القعود عن المعالي؟ إلى متى نُغزى؟ إلى متى تحاربنا أمريكا وبريطانيا وفرنسا والهند والصّين وتمعن فينا الذبح والتقتيل؟ إلى متى نعدّ قتلانا؟ وأنتم تنظرون محبوسين في ثكناتكم لا تحاربون؟!
إلى متى ننادي معتصماً وخالداً وعمرَ وصلاحاً نداءات يائسة متحسّرة، ولا مجيب؟!
إلى متى ننتظرُ من ينصر دعوة الحقّ؟ إلى متى ننتظر أمثال أسعد وسعد؟!
إنّ المعتصم وعمر وخالدا وصلاح الدّين وغيرهم من أبطال المسلمين بشر مثلكم، مسلمون مثلكم، آمنوا بالله ربّا وبمحمّد نبيّا ورسولا من عند ربّ العالمين، ولكنّهم قاموا لله قياما فامتثلوا لأوامره واجتنبوا ما نهاهم عنه، فأقاموا الدين؛ دولة ترعى المسلمين وغير المسلمين وجيّشوا الجيوش فأغاثوا النّاس في أزمانهم من ظلم الكفر وتسلّط الكفّار والظّالمين. فأدّوا ما عليهم في أزمانهم ثمّ مضوا إلى ربّهم، ويذكرهم النّاس بخير ويحمدونهم ويذكرون جميل ما صنعوا، ونظنّهم من الصالحين ولا نزكّي على الله أحدا.
أنتم مسلمون، أمركم الله كما أمر النبيّ محمّدا ﷺ وكما أمر أبا بكر وعمر وعثمان وعليّا وخالدا ومعتصما وصلاح الدّين ومحمّداً الفاتح. فلماذا تتردّدون؟ لماذا تتأخّرون عن نداء ربّكم القائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾؟!
فهل أنتم مجيبون؟ فهل أنتم مغيثون لأمّتكم ومخلّصوها؟
فإن لم تستجيبوا فاعلموا أنّ الله هو الغنيّ الحميد وأنّه ناصر عباده العاملين المخلصين، واذكروا قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
واللهِ الذي لا إله إلا هو لن تعودوا خير أمة أخرجتْ للناس دون أن تشمروا عن ساعد الجد وتقيموا الخـلافة، وإنه واللهِ الذي لا إله إلا هو لن تنالوا المكانة التي يحبها الله ورسوله إلا إذا احتكمتم لشرعه سبحانه ثم لا تجدون في أنفسكم حرجاً وتسلموا تسليماً، إنه واللهِ الذي لا إله إلا هو لن يزول الذل عنكم وتصبحوا سادة الدنيا بحق إلا إذا تمسكتم بكتاب الله وسنة رسوله، تعضُّون عليهما بالنواجذ حيث حللتم وحيث ترحلون.
واذكروا إن شئتم قول الله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾.