- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلول الأمريكية لأزمة الغذاء العالمية
قال مدير برنامج الغذاء العالمي ديفيد بيزلي بمناسبة يوم الغذاء العالمي في 2022/10/13 إن العالم يواجه أزمة غذاء عالمية غير مسبوقة وكل المؤشرات تظهر أننا لم نشهد الأسوأ بعد. وعند زيارته للسودان في 2023/2/14 على رأس وفد من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة صرح قائلا إن العالم سيواجه أزمة غذاء وإن السودان هو المنقذ، وذكر أن أوكرانيا التي كانت سلة غذاء العالم وتطعم 400 مليون شخص تم تعطيلها تماما ونفد الغذاء وضاع الوقت. وعن السودان قال هذا البلد يتمتع بـ210 مليون فدان من الأراضي الصالحة للزراعة ولا يستفاد إلا من ربعها وعلينا أن نقوم بحل المشاكل في السودان بأن نضاعف الإنتاج. كما التقى بيزلي في هذه الزيارة برئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي منحه وسام النيلين من الدرجة الأولى، كما قام بزيارة عدة مناطق في السودان من بينها مشروع الجزيرة.
الجدير بالذكر أن ديفيد بيزلي هذا شخصية أمريكية مرموقة كان حاكما لكارولينا الجنوبية وعضوا في الكونغرس، وهذا يعني أن أمريكا هي وراء زيارة وفد برنامج الغذاء العالمي للسودان لإيجاد حل لمشكلة الغذاء التي نتجت من حرب أوكرانيا للدول التي كانت تعتمد على الحبوب الأوكرانية، على شاكلة الحل الأمريكي لمشكلة الطاقة التي واجهتها الدول الأوروبية بالاستيراد من دول الخليج والجزائر وغيرها. فهذه المرة وقع الاختيار على السودان لما يتمتع به من إمكانيات زراعية هائلة تطعم سكان الكرة الأرضية حتى لو وصلوا لـ10 مليار بحلول 2050 كما هو متوقع. فالسودان بعد فصل الجنوب يمتلك مائة مليون وخمسمائة ألف فدان تقريبا ومتميز بمراعٍ وغازات توفر علفاً طبيعياً لأكثر من مائة مليون رأس من الأنعام وأعداد متنوعة من الحيوانات البرية ومصادر مائية جارية كنهر النيل والوديان والخيران والأمطار ومياه جوفية أكبرها ما يعرف بحوض أرقين الممتد داخل الأراضي الجنوبية في مصر والسودان وفي شمال دارفور وتشاد وليبيا، بالإضافة إلى مناخ متنوع من مناخ صحراوي وشبه صحراوي إلى سافانا فقيرة وغنية ومناخ البحر الأبيض المتوسط في قمم جبل مرة بغرب السودان، كما يؤهله أن يكون بحق وحقيقة سلة غذاء العالم.
أمريكا مدركة لذلك، وعليه فقد تبنت سياسات لتحويل هذه الأراضي لكي تضع يدها عليها عبر شركاتها من القطاع الخاص كما صرح بذلك بيزلي: أن السودان يمكنه أن يسهم في تحقيق الأمن الغذائي ومساعدة بقية دول العالم وذلك لن يتم عبر الأمم المتحدة وحدها بل بمشاركة القطاع الخاص. وكل ذلك يؤكد أن هذا القطاع الخاص ليس إلا شركات أمريكية، ففي 2021/8/23 أبدت شركة أكواسيل الأمريكية رغبتها في الشراكة مع مزارعي الجزيرة والمناقل، فهذه المرة أمريكا ودويلة يهود وضعوا عينهم على السودان، ففي اليوم نفسه الذي وصل فيه وفد برنامج الغذاء العالمي وصل أيضاً وزير الزراعة في دويلة يهود!!
إن ثروة السودان الزراعية تطمع أمريكا لأن تنهبها وتقضي على الزراعة التقليدية، وتحول مجتمعات المزارعين والرعاة إلى عمالة رخيصة عبر ما يسمى بالشراكة! أما المشاريع الزراعية الحكومية فسوف تتعرض للخصخصة، وتذهب للقطاع الخاص الذي لا يهمه توفير الاكتفاء الذاتي من الغذاء لأهل البلاد، وإنما الحصول على المحاصيل الزراعية وبيعها للدول التي فيها نقص الحبوب، وعادة هذه المنتجات يذهب ريعها كعملة صعبة، يذهب للشركات ولا تدخل إلى خزينة البلاد، بل حتى لو بيعت هذه المنتجات الزراعية في الأسواق السودانية للاستهلاك المحلي، فإن الأمن الغذائي للبلد سيكون في يد هذه الشركات، فهي التي تحدد الأسعار، أضف لذلك أن ما يتم بيعه بالعملة المحلية في النهاية تحوله هذه الشركات لدولارات، ما يؤدي لخفض قيمة الجنيه السوداني لكثرة العرض وزيادة الطلب على الدولار.
هذه جريمة جديدة يرتكبها البرهان في حق السودان ولكن عندما نعلم أنه عميل لأمريكا فماذا نتوقع منه بعد منحه وسام النيلين لهذا المجرم الأمريكي ديفيد بيزلي ومصافحته لوزير خارجية يهود؟! وقد سبق لديفيد بيزلي أن هندس إعلان المبادئ الذي وقعه البرهان مع عبد العزيز الحلو قائد الحركة الشعبية شمال، والذي ينص على فصل الدين عن الدولة، وهذه المرة يأتي المسؤول الأممي لينفذ حل أمريكا لمشكلة الغذاء العالمية وهو يعلم أن الطريق مفتوح أمامه كما صرح بذلك نائب رئيس مجلس السيادة دقلو في 2023/2/15 أن أبواب السودان مفتوحة للشركات العالمية كافة للاستفادة من التقنيات الحديثة في مجالات الإنتاج، كما أكد جاهزية الحكومة السودانية لتقديم التسهيلات للمستثمرين الدوليين، وتذليل كافة المعوقات لتحقيق شعار السودان سلة غذاء العالم، وأكد أن أولويات الحكومة الحالية والحكومة المدنية المقبلة تتمثل في وضع القوانين الجاذبة للمستثمرين.
إن برنامج الغذاء العالمي هو أداة تخدم السياسة الأمريكية في كثير من أنحاء العالم، ولم تعد منظمة أممية كما يدعون. أما ما يجب عمله لحل مشكلة الغذاء العالمية حلا صحيحا فلا بد من الوقوف في وجه الحلول الأمريكية وبيان بشاعة هذه الحلول الرأسمالية التي تزيد من عدد الفقراء وتحرم الشعوب من ثرواتها الزراعية التي تزيد الشركات غنى فهي بذلك تسرق أموال الناس، ويصبح الشعب فقيرا يتسول ما تجود به المنظمات الإغاثية، فنرى أعداد الفقراء في بلاد كالسودان في ازدياد مضطرد، وما أروع ما قاله الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله "إذا رأيت فقيرا في بلاد المسلمين فاعلم أن غنيا سرق ماله". فهذه الشركات هي لسرقة ثرواتنا بعد أن سرقوا ثرواتنا النفسية والمعنوية، ولا توقفها إلا دولة مبدئية أساسها العقيدة الإسلامية؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة، وعندها سننثر الحبوب على سفوح الجبال لتأكل منها الطيور التي تمر ببلاد المسلمين كما فعل عمر بن عبد العزيز رحمه الله.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. أحمد عبد الفضيل
عضو مجلس حزب التحرير في ولاية السودان