- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
ما السؤال المهم الذي يجب أن يطرحه كل مسلم إزاء قضايا المسلمين الكثيرة؟
يعيش المسلمون اليوم حالة من التضليل الفكري والإعلامي الذي تقوده وتطبقه وترعاه الكيانات الوطنية التي أنشأها المستعمرون بعد هدم دولة الخلافة سنة 1924م، فعادة ما يغيب أهم سؤال في عقول المسلمين تجاه كل قضاياهم، تجاه غياب الخلافة، وتجاه قضايا فلسطين واليمن والعراق والشام وليبيا وكشمير وغيرها من القضايا كقضية الحكم بغير ما أنزل الله، وفرقة المسلمين في أكثر من 56 كيانا، وتعدد حكام المسلمين، ونهب ثروات المسلمين وانتشار الفقر والعوز بينهم وغيرها من القضايا الملحة والمحتاجة لحلول سريعة وفعالة.
نعم يَغيب أو يُغيَّب السؤال المهم الذي كان يجب أن يتبادر في ذهن كل مسلم إزاء كل هذه القضايا، ألا وهو ما دوري أنا كمسلم تجاه هذه القضايا كلها؟ وبدل هذا السؤال يتم طرح أسئلة كثيرة أخرى ومتعددة غير مهمة أو بعيدة كل البعد عن جوهر وصلب الموضوع، أسئلة ليست لها علاقة بدور المسلم تجاه كل قضية من هذه القضايا.
لماذا يغيب سؤال ما دوري أنا كمسلم؟ لأنه ليس المقصود حل هذه القضايا، بل المقصود تغييب دور المسلم في حلها، وبالتالي ترسيخ وتعميق وزيادة عدد وحجم القضايا والمشاكل التي يعاني منها المسلمون اليوم، فالغرب ومن يخدمه من حكام المسلمين قضيتهم تغييب الحلول وتعميق الأزمات في بلادنا، ولذا فهو معني بتغييب دور أي مسلم في حل هذه القضايا. أو حصر اهتمامه داخل الحدود المصطنعة التي تفصل المسلمين بعضهم عن بعض وتمزقهم وتشرذمهم في دويلات لا تقوى على حل مشاكلها الداخلية أصلا.
بل وراح جزء من المسلمين يعيش حالة قدرية من التفكير لا تتناسب أصلا مع الطريقة الصحيحة في التفكير، طريقة تناقض فهم الواقع والدين، فقد بات بعض المسلمين وللأسف ينتظر حلولا جاهزة تهبط عليه من السماء، وبعضهم ينتظر أن يأتي المهدي ليحل كل هذه الأزمات والقضايا، فانزووا في زوايا العبادة يدعون ويستغيثون ويتمنون على الله الأماني أن يعجل لهم بالحلول دون أن يخطر ببالهم طرح سؤال ما هو دوري كمسلم إزاء حل هذه المعضلات والقضايا؟ ما الذي فرضه الله علي في حال وقوع أزمة أو مشكلة أو مصيبة؟ ما دوري في حل هذه القضايا التي تثقل كاهل المسلمين وتجعل الكافرين يتحكمون في مصيرهم ورزقهم وبلادهم وخيراتهم ودساتيرها وأنظمتهم؟
وهناك قسم ليس بقليل من المسلمين بات يراقب هذه القضايا من باب العلم بالشيء، تماما كما يعمل الصحفيون، يعرفون القضية، والأطراف اللاعبين فيها، والغالب والمغلوب، والظالم والمظلوم، ولكن بصورة محايدة أو بصورة مشاعرية تعاطفية فقط دون أن يكون له أي دور في محاولة إيجاد حل لهذه القضايا والأزمات، وكأن قضايا المسلمين التي هي خارج الكيان الوطني الذي يعيش فيه لا تعنيه البتة أو تعنيه بشكل عاطفي ومشاعري، ولكن هو على قناعة بأنه لا يجب عليه التدخل في شؤون غيره من المسلمين وأن الأمر غير مرهون بهم بل بغيرهم من المسلمين، أو لأن عليه احترام خصوصيات المسلمين في كياناتهم الوطنية المتعددة وعدم التدخل في شؤونهم، أو لأن الأنظمة القائمة في هذه الكيانات الوطنية لا تستسيغ ولا تجيز تدخل رعاياها المسلمين في شؤون رعايا غيرها من المسلمين. وبغض النظر عن الحجج والأسباب صار هذا القسم من المسلمين متابعا ومتفرجا ومراقبا لقضايا غيره من المسلمين من باب الفضول والعلم بالشيء وبصورة محايدة مع بعض التعاطف وقد يتجاوز الأمر إلى الدعاء لإخوته بالفرج والحلول السحرية.
وبهذا يكون سبب غياب الحلول لقضايانا ومشاكلنا التي نحياها نحن المسلمين اليوم هو غياب السؤال المهم والأساسي عند كل مسلم، ألا وهو: ما دوري أنا كمسلم وبغض النظر عن مكان وجودي أو لغتي أو لوني، ما هو دوري أنا كمسلم في حل هذه القضايا جميعها؟
لا شك أن الشرع الحنيف قد بين وفصل وأرشد المسلمين لطرق مفصلة ومبينة لحل قضاياهم ومشاكلهم حلا صحيحا شرعيا، ولا شك أن دين الله عز وجل فيه من الحلول والمعالجات ما يكفي ويشفي من كل مرض وعلة. فما على المسلم إلا أن يعرف دوره الذي بينه الشرع له وينهض ليضطلع بأعبائه والتزاماته. ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾، والناظر لسيرة رسول الله ﷺ يدرك أن الإسلام هو فكرة وطريقة، فليس الإسلام عقيدة روحية خاوية من الحلول والمعالجات، بل هو دين يحتوي معالجات لكل صغيرة وكبيرة من شؤون الحياة. فديننا الإسلامي يعالج علاقة الفرد بربه وعلاقته بغيره وعلاقته بنفسه، فلا فصل للدين عن الحياة.
إن كتاب الله هو شفاء ورحمة ومعالجات لمشاكل المجتمع وأمراضه وآفاته. قال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾، ولقد أمر الله سبحانه المسلمين بالاحتكام لدين الله حين التخاصم ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ وأمر المسلمين بتحكيم الدين في الحياة وتطبيق الإسلام وحده على المسلمين ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾ وحرم الحكم بغير ما أنزل الله ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾.
ولذا فإن السؤال المهم الذي يجب أن يطرحه كل مسلم تجاه الأزمات وقضايا المسلمين هو: ما دوري في حل هذه الأزمة؟ ما الذي ينبغي علي فعله من ناحية شرعية؟ فنحن المسلمين أمة من دون الناس؛ سلمنا واحدة وحربنا واحدة وتتكافأُ دماؤنا، وقضايانا واحدة وهمومنا واحدة وغايتنا واحدة. وكان هذا من جملة ما قاله وبينه النبي ﷺ في الوثيقة بين المهاجرين والأنصار بعد أن أقام دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة، قال رسول الله ﷺ: «... وَإِنَّ سِلْمَ الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدَةٌ، لَا يُسَالَمُ مُؤْمِنٌ دُونَ مُؤْمِنٍ فِي قِتَالٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إلَّا عَلَى سَوَاءٍ وَعَدْلٍ بَيْنَهُمْ، وَإِنَّكُمْ مَهْمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ، فَإِنَّ مَرَدَّهُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِلَى مُحَمَّدٍ ﷺ...». وقال ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوٌ مِنْهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْأَعْضَاءِ بِالْحُمَّى، وَالسَّهَرِ».
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. فرج ممدوح