- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الكتاب: كيف ننتصر؟
قال تعالى: ﴿بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾، آية عظيمة في سورة القصص يبين الله عز وجل فيها لموسى وأخيه هارون عليهما السلام، أن الغلبة والنصر سيكونان لهما لا محالة، نعم سيغلبان وينتصران لا محالة على فرعون وملئه وجيشه. وهنا يتبادر للذهن، ولكن كيف؟ كيف سينتصر رجلان أعزلان لا يملكان شيئا يذكر من أسباب النصر المادية من عدة وعتاد واستعداد وجنود ومنجنيق وغيرها من سبل العدة المادية؟ كيف سينتصران ويغلبان فرعون وملأه وجيشه الجرار وجنده الكثيرين وآلته الحربية وثرواته التي لا تنضب؟
تجيب الآية الكريمة على هذا التساؤل وتلك الحيرة بكلمة واحدة فقط ﴿بِآيَاتِنَا﴾، نعم كلمة واحدة فقط يتلخص فيها سبب النصر، كلمة واحدة، ﴿بِآيَاتِنَا﴾ تلك الكلمة التي من شأنها أن تجعل النصر حليف الضعفاء والمضطهدين والمظلومين، بآيات الله عز وجل يعز الذليل، ويقوى الضعيف، وينتصر المغلوب، ويتبدل الحال من ضعف وهوان ومن ذل وعبودية، ومن فقر وضنك، ومن جهل وتردٍّ، يتبدل الحال بكلمة واحدة إلى عز وقوة وغلبة وأنفة وارتقاء وإنشاء، وتطور ورخاء، واستقلال وقرار وسيادة وعمار... نعم بآيات الله يحصل كل ذلك. فالتزام المؤمنين في كل عصر بآيات الله عز وجل يؤدي إلى نتيجة نوعية فورية مؤثرة تحير العقلاء وتدهش المتابعين والمراقبين.
بكلمة واحدة فقط ﴿بِآيَاتِنَا﴾ اختصرت الآية العديد من البحوث ورسالات الدكتوراة التي ينسجها الأخصائيون، اختصرت كثيرا من الأطروحات التي يقدمها الاقتصاديون والخبراء وعلماء الاجتماع، وعلماء النفس وعلماء التكنوقراط في كل العالم من أجل المنافسة من أجل الحصول على مقعد الدولة الأولى في العالم قوة وعلما واقتصادا واجتماعا ... بآيات الله أيها المؤمنون ستحصلون على كل ذلك، إن أنتم التزمتم بها سيتحقق لكم كل ذلك وأكثر، بل وستكونون المفلحين في دار القرار أيضا يوم القيامة، ﴿بِآيَاتِنَا﴾ ستكونون أصحاب الدنيا والآخرة، هذا وعد من رب العزة القادر على كل ذلك.
بكلمة واحدة فقط ﴿بِآيَاتِنَا﴾ حل لكل المشاكل التي أعيت الحكومات الفاشلة في دولنا، ﴿بِآيَاتِنَا﴾ حل لكل المعضلات الاقتصادية التي نعاني منها، ﴿بِآيَاتِنَا﴾ حل للتخلص من العبودية لدول الاستعمار، ﴿بِآيَاتِنَا﴾ حل لتحرير فلسطين وكل بلاد المسلمين المحتلة، ﴿بِآيَاتِنَا﴾ حل للتخلص من تسلط البنك الدولي وصندوق النقد العالمي ومؤسسات الأمم المتحدة الظالمة الجائرة المستغلة لثروات المسلمين وجهدهم وعرقهم، ﴿بِآيَاتِنَا﴾ سبيل للتخلص من عملاء الغرب من حكام المسلمين الذين يمعنون في تقسيم الأمة وتمزيقها في أكثر من خمسين كياناً وطنياً هزيلاً، ﴿بِآيَاتِنَا﴾ خلاص من حدود سايكس بيكو ومن الجوازات والتأشيرات التي فرضها علينا الاستعمار بعد هدم دولة الخلافة العثمانية 1924م، ﴿بِآيَاتِنَا﴾ يمكننا نحن المسلمين أن نستعيد خلافتنا التي هدمها الغرب. نعم، كل شيء يحل بكلمة واحدة مذكورة في الآية؛ ﴿بِآيَاتِنَا﴾.
لقد كانت هذه الكلمة سببا لانتصار موسى وهارون عليهما السلام وبني إسرائيل على فرعون وجيشه وجنده وملئه، وبهذه الكلمة انتصر رسول الله ﷺ وصحبه الكرام على أكبر إمبراطوريات العالم؛ الفرس والروم، وبهذه الكلمة نستطيع اليوم أن نستعيد خلافتنا ونرجع أسياداً في هذه الدنيا من جديد. نعم بآيات ربنا يمكننا فعل كل ذلك. ونحن مؤمنون بذلك والله تعالى يؤكد ذلك في أكثر من موضع في كتابه الكريم، لا يتسع المقام لذكرها كلها ولكن نذكر منها واحدة ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً﴾ فآيات الله عز وجل شفاء لهمومنا وحل لكل مشاكلنا وقضايانا على الصعيد الفردي وعلى صعيد الأمة، وفي الوقت نفسه هي حلول مريحة ففيها رحمة وهداية، وهذا دلالة على أن الشقاء والضلال هما في ترك هذه الآيات وترك كتاب الله والتولي عنه والعياذ بالله.
ولذا على من ينشد التغيير الصحيح ومن يرنو للحصول على الغلبة والنصر أن يتوجه بكل طاقته وعزمه إلى هذه الآيات لتدله وتهديه وتقوده للنصر والغلبة والتغيير الصحيح، عليه أن لا يتوجه لطلب الحلول من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا وغيرهم، عليه أن لا يتوجه إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، عليه أن لا يتوجه لطلب القروض من البنك الدولي وصندوق النقد العالمي، تلك القروض الربوية التي تكبل العباد والبلاد للدول الكبرى وتزيد من تبعية البلدان للدول الكبرى المستعمرة، بل عليه أن يتوجه إلى آيات الله ليجد الحل والرحمة معا، ليجد الطمأنينة والحلول الميسرة، نعم عليه أن يتوجه إلى كتاب الله ليجد الحلول والمعالجات.
على السائرين في طريق التغيير، وعلى الثائرين على حكوماتهم وأنظمتهم أن يتسلحوا بآيات الله ليجدوا الحلول الصحيحة لإيصال ثوراتهم إلى المكان المطلوب، فليست القضية إبدال عميل بعميل وحكومة بحكومة أخرى ويبقى الفساد والبلاد على حالهما، وإنما المطلوب هو تغيير الحكومات والأنظمة والدستور كله بآيات الله عز وجل، المطلوب تحرير البلاد والعباد من دساتير الغرب وقوانينه التي هي حبال الغرب التي يسيطر بها وبحكام بلادنا علينا وعلى بلادنا وعلى كل شرايين الحياة فيها، المطلوب أن نتحرر من هذه الدساتير الغربية ومن تلك الأنظمة ومن أولئك الحكام واستبدال آيات الله وشرعه بهذه الدساتير. وبذلك فقط يكون النصر والغلبة لنا، نعم بتلك الكلمة التي قالها الله لموسى وهارون ﴿بِآيَاتِنَا﴾.
لقد وضع حزب التحرير يده على مكمن المشكلة منذ عام 1953 وكان ذلك بعد دراسة واستقراء لآيات الله وسنة نبيه، وحدد أن مشكلتنا تكمن في غياب الإسلام عن الحكم وفي غياب دولة الخلافة وفي غياب الخليفة. إذ كيف ستكون آيات الله فاعلة ومطبقة ونافذة إذا لم تكن هناك دولة تتبناها وتطبقها وتحملها رسالة للعالمين؟ ولهذا كله بين الحزب في ثقافته أن غايته استئناف الحياة الإسلامية من جديد بإقامة الخلافة إذ بدونها لن نستطيع تفعيل وتطبيق آيات الله في الحياة بالصورة الصحيحة التي أوجبها الله على المسلمين، والتي بها تتم هداية غير المسلمين ونشر الدعوة وحملها لهم.
﴿بِآيَاتِنَا﴾ انطلق حزب التحرير يدعو الأمة بكل أطيافها: جيوشها وعامتها وعلمائها ومفكريها وسياسييها وخطبائها، فكلهم معنيون لأنهم مسلمون ولأنهم يتوجب عليهم تغيير حال الأمة والعودة بأمتهم إلى آيات الله التي تدعو إلى الوحدة في دار عز، وتطبيق شرع الله وآياته لتحل مشاكل المسلمين الواحدة تلو الأخرى.
لم يبلغ حزب التحرير غايته بعد بإقامة دولة الخلافة الراشدة القادمة قريبا بإذن الله، لم يتمكن بعد من إقامتها، ليس من أجل الوصول للحكم، بل من أجل إيصال آيات الله ودستور الإسلام للحكم، لم يتمكن حزب التحرير إلى الآن من بلوغ هذا الهدف وهو يسعى بجد ودون كلل ولا ملل لبلوغه بإذن الله.
ومن المعلوم أن هناك جهوداً مضادة لعمل حزب التحرير وغايته من جهة أعداء الله الكفرة وأدواتهم حكام المسلمين، وبعض علماء السلطان، وأصحاب الأقلام المسمومة من الكتاب والمفكرين، فهؤلاء هدفهم منع حزب التحرير من إيصال آيات الله عز وجل للحكم.
وهناك، للأسف، الكثير من علماء المسلمين وشباب المسلمين الذين ما زالوا متخلفين عن الركب، وقرروا الوقوف على الحياد وآثروا التفرج والترقب، واختاروا النأي بأنفسهم عن هذا الصراع الذي يخوضه حزب التحرير وشبابه وعلماؤه مع أعداء الله وحكام المسلمين!
إن هذا الصراع مستمر حتى يتمكن الحزب من إيصال آيات الله إلى الحكم لتكون دستور الأمة الجديد بإذن الله قريبا في دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فهذه الدعوة ستنتصر، لأنها انطلقت من كتاب الله عز وجل وآياته، وتعمل على هديها، وغايتها هي إيصالها إلى الحكم لتتفعل وتطبق على مستوى الدولة، ولذا فهذه الدعوة حتما ستنتصر لأن الآية وعدت بالنصر لمن يتشبث ويتمسك بآيات الله، قال تعالى: ﴿بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾.
يا من تتخلفون عن ركب هذا الصراع، يا من تبطئون عن اللحاق بدعوة الخلافة التي يقودها حزب التحرير: أسرعوا باللحاق بهذا الركب فتكونوا ممن عمل وسعى لإيصال آيات الله لسدة الحكم وعمل وسعى لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة، وعمل وسعى لتحقيق مراد الله، فليس من سعى لإيجاد دولة الإسلام كمن سيعيش في ظل هذه الدولة دون جهد وسعي وتضحية لإيجادها، فهل من الممكن أن يكون أجر المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم كأجر غيرهم من المسلمين الذين لم يبنوا ويشاركوا ويسعوا لإقامة الدولة الإسلامية الأولى في المدينة؟ وهل سيكون أجر العاملين اليوم لإقامة الخلافة القادمة الثانية على منهاج النبوة نفس أجر من حصل عليها بكل أريحية بعد إقامتها؟ ليس الأمر كذلك، فالله تعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا﴾ والرسول ﷺ يقول: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» إذ كيف يعيش المسلم ويموت ولم يعمل لتحقيق مراد الله بأن يكون للمسلمين دولة وخليفة، وتطبق أحكام الشرع وتنفذ قوانين الله عز وجل؟! فالأمر ليس على الخيار، بل لا بد لكل المسلمين أن يهتموا ويسعوا ويجدّوا لتحقيق هذا الأمر الجلل الذي هو تاج الفروض والذي يرتبط به العمل بكتاب الله وسنة نبيه وتطبيق شرع الله الذي سيؤدي بنا إلى الغلبة والنصر لا محالة.
اللهم لا تحرمنا أجر العمل لنصرة دينك لبلوغ الخلافة ولتحكيم آياتك لنحصل بها على النصر الذي وعدتنا به، اللهم اجعل لنا سهما في هذه الدعوة ولا تجعلنا ممن يتخلفون ويتقاعسون عنها وعن نصرتها وعن هذا الصراع لنصرة دينك، اللهم هيئ وعجل باستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. فرج ممدوح