- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
العمل للتغيير، الصائب والخالص لله تعالى، نتيجته النصر ولو بعد حين
القرآن الكريم والسيرة النبوية تزخران بالأدلة على أن نصر الله قادم للمؤمنين ولو بعد حين، فهذا أمر عقدي لا مِراءَ فيه عند كل من يؤمن بالله عز وجل. ففي نقاش مع أستاذ لي من حملة الدعوة الأفاضل ذكر جملة قد لفتت انتباهه كان قد قرأها في أحد كتب السيرة النبوية مفادُها (ولما أراد الله تعالى نصرة عبده ساق إليه نفرا من المدينة...)
ما أبلغها من جملة تلخص الكثير من الأمور والمواضيع والهموم والقلق لدى حملة الدعوة خاصة والأمة الإسلامية عامة. إنها جملة وردت في أحد كتب السيرة النبوية: (ولما أراد الله تعالى نصرة عبده ساق إليه نفراً من المدينة...)
فالله تعالى قرر موعد ومكان النصر لنبيه عليه الصلاة والسلام فساق إليه نفرا من أهل المدينة لينصروا دينه. فسبحان الناصر والمعين والممكّن لدينه في الأرض ولو بعد حين. من كان يظن أن النصر سيأتي من المدينة؟ ومن كان يخطر بباله أن الأوس والخزرج، القبيلتين اللتين كانتا قد شارفتا على إفناء بعضهما بعضاً لكثرة ما كانا يقتتلان فيما بينهما، من كان يظن أن النصر لدين الله سيأتي على يد هاتين القبيلتين؟ فالله تعالى هو من حدد وقت النصر ومكانه وعلى يد من سيكون، فساقه للنبي وللمهاجرين سوقاً.
إن الناظر لحال المسلمين اليوم ينتابه الحزن والأسى والألم. فالمسلمون بلا دولة وهم كاليتامى بلا أم ولا أب، لا راعي لهم ولا حامي ولا معين ولا نصير، وهذا مصداق قوله ﷺ: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ». فحال المسلمين اليوم هو أصدق بيان لهذا الحديث في أرض الواقع، حيث إن بلاد المسلمين محتلة ومستباحة وخيراتهم منهوبة، ولا يملك المسلمون قرارهم، وسُلِّط عليهم الظلمة والمنافقون والكفرة والمستعمرون، وعم الفقر والجهل والبلاء في ربوع أمّة الإسلام، ومزقت بلادهم إلى قرابة ستين دويلة، لا تقدر أيٌّ منها على حماية نفسها ورعيتها، إذ كيف يكون ذلك وحكام هذه البلاد كلهم إما تابع أو متواطئ مع المستعمرين؟!
ورغم أن واقع المسلمين اليوم مرير ومحزن ويجلب الغم والهم والكدر، إلا أن هذا الواقع نفسه يجب أن يكون باعثا على العمل الجادّ الدَؤوب لتغيير حال الأمة الإسلامية. فالمسلمون يختلفون عن باقي الأمم والشعوب، فهم لا ييأسون ولا يقنطون، لأن اليأس والقنوط صفتان من صفات الكفر التي لا تتفق مع الإيمان. فقد قال الله تعالى في سورة يوسف: ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾. فواقع المسلمين السيئ ليس مدعاة للقنوط واليأس، بل هو مدعاة للتغيير والعمل الجاد لتحويل هذا الواقع لما يرضي الله ورسوله. وما يميز أمة الإسلام عن غيرها أيضا أن لديها ديناً يبين لها طريق التغيير الصحيح ويقودها لعز الدنيا والآخرة معا.
فالمسلمون مأمورون بالعمل للتغيير وليسوا مسؤولين عن النتائج، فالنتائج كالنصر والغلبة والتمكين كل ذلك بيد الله سبحانه، وهو من يهبه ويحدد وقته وزمانه وعلى يد من يكون. كل ذلك يحدده الله ويختاره. وهنا تكمن أهمية ذلك التعبير وتلك الجملة التي ذكرت في البداية: (ولما أراد الله تعالى نصرة عبده ساق إليه نفراً من المدينة…) فالله يفتح قلوب من يشاء من عباده لنصرة دينه ويسوقهم لهذا الأمر الجلل سوقا، ويحدد موعد النصر، ومكانه، ويحدد كيفية التمكين ونوعه. كل ذلك بعلم الله وحده؛ لأن النصر بيد الله وحده. أما نحن المسلمين فواجبنا هو القيام بالعمل على التغيير الصحيح، والأخذ بالأسباب، وعدم اليأس والقنوط، ووجوب دوام الإيمان بأن نصر الله للمؤمنين ولدينه حاصل في الوقت الذي يشاء وعلى يد النفر الذي يشاء من أمة محمد ﷺ.
وبمعنى آخر: إن الواجب على المسلمين هو العمل لنصرة دينه، بينما النصر والتوفيق والتمكين لهم في الأرض وعد ومنة من الله لعباده المؤمنين العاملين. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، وقال: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ وقال سبحانه: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
وما أكثر الآيات التي تقوي الإيمان وتشحذ العزائم وترسخ اليقين بنصر الله، فالله وعدنا بنصره وتمكينه ما دمنا آمنا به ووهبنا حياتنا لنصرة دينه.
فها هو ﷺ وصاحبه رضي الله عنه وهما في الغار مُطاردان تتنزل آية تؤكد لهما نصر الله ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
وها هو موسى عليه السلام وقومه يطاردهم فرعون وجنوده حتى أوشكوا اللحاق بهم فظنوا أنهم مغلوبون، فيطمئنهم موسى عليه السلام بكل يقين ﴿قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ فكانت النتيجة أن انفلق البحر عن طريق سهل يعبرونه إلى أرض النجاة، بينما يهلك فرعون فأعلن إيمانه الذي جاء بعد فوات الأوان!
ويظل القرآن يبشرنا بمعية الله لنا إن شاء الله ما دمنا أسلمنا أمرنا له والتزمنا شرعه. قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ وقال سبحانه: ﴿وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ وقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾.
وخلاصة القول: إن الله عز وجل قد بين لنا في عشرات الآيات أن النصر والعزة والتمكين والتوفيق لحملة الدعوة ولأمة الإسلام أمرٌ قادم لا محالة، وأن كل ما علينا هو العمل للتغيير ولنصرة دينه، فنكون ممن يسوق الله النصر على أيديهم، وإن ذلك لكائن قريباً إن شاء الله ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. فرج ممدوح