الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

المصائب في بلاد المسلمين بين قضاء الله وسوء الرعاية

 

تتوالى المصائب على المسلمين تترى، فمن مصائب تَلحق بهم بقضاء الله وحده، وهي التي تقع في دائرة لا يملكها إلا الله سبحانه وتعالى، مثل زلزال أو فيضان يحدث مثل ما حصل في المغرب وليبيا في الأيام المنصرمة، وهذه المصائب والابتلاءات لا يملك أحد أن يدفعها عن نفسه، ومنها المصائب التي تلحق بالمسلمين من فعل أيديهم حتى تأخذ بطريقها الكبير والصغير وذلك مثل ما يحصل في الشام واليمن وليبيا وغيرها، وهذا مصداق قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً﴾. سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها النبيَّ عليه الصلاة والسلام: أنَهْلِكُ وفينا الصَّالحونَ؟ قالَ: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ»، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا...

 

وتناوُل القضاء من زاوية عقدية فقط لا ينفي تناول الأمر من زاويته الأخرى، ألا وهي الزاوية التي يقع فيها التقصير في رعاية مصالح الناس، فمثلاً: إن الناظر في المناطق التي ضربها الزلزال في المغرب أو التي ضربها الفيضان في ليبيا يرى سوء الرعاية وعدم الأخذ بالأسباب التي من شأنها أن تجعل الرعاية في أفضل حالاتها، فالبيوت في المغرب التي ضربها الزلزال ليست بأفضل حالاً من البيوت التي أتى عليها الفيضان في ليبيا، وليبيا مثلاً قد انشغلت عصاباتها الذين يتكادمون على الكراسي والعمالة تكادم الحمير عن البنية التحتية المتهالكة حتى إذا نظرت للأحياء التي تضررت في درنة والقرى التي تبدلت بفعل الفيضانات فكأنك تنظر إلى طرقات مكة قبل الإسلام، وكأن ألفاً وأربعمائة عام من المدَنية وأموال النفط التي هي من الملكية العامة لم تكف لتغير حياة الناس، ولا حول قوة إلا بالله!

 

إن الإيمان بقضاء الله لا يعني أن تترك الناس بغير رعاية، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخشى أن يسأله ربه سبحانه وتعالى عن بغلة عثرت ولم يعبّد لها الطريق! وهذا حفيده عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد بكى حتى أشفق عليه أهل بيته لما تذكر أن الأمة ستكون خصيمه إن هو قصر في حقها ولم يحطها بنصحه ورعايته! فالرعاية الحقة التي طلبها الله هي التي تجعل صاحبها يبعد الأمة عن كل هلكة ويذود عنها كل ما من شأنه أن يشق عليها، ولا يظنن ظان أن ذلك يصرف القضاء أو يبعده، ولكنه حكم شرعي علقه الله بمن ولي للمسلمين أمراً فهو بين أن يرفق بهم أو يشق عليهم.

 

إن الأندلس أو شبه الجزيرة الإيبيرية كما كانت تسمى قد فتحها المسلمون في خلافة بني أمية وبقي فيها المسلمون ما يزيد على ثمانية قرون رعاها خلفاؤهم حتى كان فيها نظام للصرف الصحي ما زال أهلها للآن ينعمون بما فعله أجدادنا من الفاتحين الأُوَل، بل إنه قد قيل إن الماشي في كل بلاد الأندلس ولكثرة الأنهار لا يعوزه أن يسير أكثر من فرسخين إلا ويجد الماء، ففيها أكثر من أربعين نهراً، هذا فضلا عن أن شوارعها كانت مضاءة بالكامل، ولا ننسى نظام الرعاية الصحية الذي جعلت الدولة فيه لكل مريض مرافقاً يمشي معه مثل ظله، وكل هذا وغيره لأن من كان يتولى شؤون الناس كان يتقي الله ويخاف جنبه.

 

إن الايمان بقضاء الله لا يعني التفريط بحق الناس في الرعاية، والقصة المعروفة في طاعون عمواس والكلام الذي حصل بين عمر وأبي عبيدة رضي الله عنهما ترينا عظم فهم الصحابة للقضاء، فالإيمان بالقضاء لا يعني أن تترك الناس هملاً بلا رعاية، بل يجب دائماً صرفهم عن مواطن الهلكة وكل ما من شأنه أن يأتي عليهم بالمصائب حتى إذا وقع البلاء أو المصيبة تقبّلها المسلم بصدر رحب وصبر على قضاء الله، لأنه سبحانه وحده هو الذي قضاه.

 

إن قضاء الله سواء بما اقتضاه نظام الوجود أو مما لا يقتضيه نظام الوجود ولكنه حصل من الإنسان أو عليه جبراً عنه ولم يكن له قِبَل بدفعه، هو من أركان الإيمان وأسسه الثابتة، وعدم الإيمان به كفر، ولكن مع هذا فإن هذا الإيمان محله القلب مثل الإيمان بالملائكة ومثل الإيمان بالرسل، وكونه في القلب فإنه لا يكاد يُلاحظ في أعمال الجوارح، فكون الرزق من عند الله فإنه كذلك مطلوب من المكلف السعي، وكون النصر من عند الله لا يصح معه أن تترك الأعمال التي من شأنها أن يأتي النصر بها ومعها، وكذلك فإن الإيمان بأن الآجال مكتوبة وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك فإن كل ذلك وغيره لم يمنع من إحسان الرعاية، فالسدان اللذان في ليبيا لم تقم الدولة الليبية بصيانتهما ما أدى إلى انهيارهما عند أول فيضان ما زاد من بلاء الناس وتدمير بيوتهم وتشريد عشرات الآلاف في الشوارع، وكذلك الحال في المغرب فما كاد الزلزال يهز المنطقة حتى وقعت البيوت الطينية على رؤوس أصحابها، وكل هذا من سوء الرعاية.

 

وأخيراً فإننا نخاطب ورثة الأنبياء من العلماء الربانيين الذين لم ينبس أحدهم ببنت شفة ليتحدث عن سوء رعاية الحكام، بل إنهم لم يزيدوا عن الصبر والاحتساب للمصابين والترحم على من قضى من المسلمين في الزلزال والفيضان، فكان كلامهم درساً في العقيدة وكأن الحكام لا وظيفة لهم إلا سرقة الناس وأخذ أموالهم حتى إذا وقعت مصيبة وانتشر بلاء أطل علينا ممن ينتسب للعلم ليحدثنا عن فضائل الصبر وعظم أجر الصابرين فيعطينا درساً في العقيدة ولا يجرؤ أن يقول للحاكم اتق الله في هذه الأمة!!

 

إن الشريعة لا يقوم بها إلا من أحاطها من جميع جوانبها، وإن الإخلاص في تبليغ الشريعة يقضي بتناول الحكم الشرعي من كل زواياه وجوانبه، فلا يقال بحرمة الربا والخمر ويُتغافل عمن بسط للناس البنوك والخمارات، ولا يقال للمقتول ظلماً إن موعدك الجنة ويترك من قتله، كذلك لا يقال لمن يُنتقص من أكله وشربه بفعل الفساد والسرقات ثم ندعوه لربط الحجر على معدته ليتأسى بالنبي ﷺ، فليس الإيمان بقضاء الله ينتقض عند أهله إذا قيل إن هناك تقصيراً في رعاية الناس، وأن الله سائل كل من تولى مصلحة من مصالح الناس ولم يؤدها حقها أو قصَّر فيها، وليس الأمر فقط يتوقف عند الحكام بل من تهيّب أن يقول للظالم إنك ظالم، وهذه وظيفة العلماء الذين ورثوا ميراث النبوة، وأي شرف وأي فضل أعظم من أن يُقسم لك من ميراث النبوة كفلٌ ونصيب ثم تَرمي به بعيداً وتضعه في غير مكانه وموضعه، فمن اصطفاه الله لِيُعلم الناس الخير وأُخذ عليه العهد والميثاق أن يبين الحق ولا يكتمه فإنه والله سيُسأل هل أدى الحق الذي عليه في العلم، فليُعِدّ ورثة الأنبياء جواباً لمثل ذلك اليوم، نسأل الله السلامة والرشد والسداد.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أبو المعتز بالله الأشقر

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع