السبت، 21 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

رمضان شهر النّصر

 

(مترجم)

 

 

ها هو شهر رمضان المبارك، شهر الصيام والقيام، شهر القرآن، وشهر النصر.

 

في كل عام مع اقتراب شهر رمضان، يتزايد شوق الأمة الإسلامية ترقباً له. إنّ العلاقة الروحية القوية مع الله سبحانه وتعالى والرحمة والخير وبركات هذا الشّهر نشعر بها قبل أشهر من وصوله ونستقبله بجوٍ من الاستعداد والأمل. عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رواه البخاري ومسلم.

 

ومع ذلك، فإن وضع الأمة الإسلامية يصبح أكثر صعوبة عاماً بعد عام، ونشعر بصدق ذلك خلال شهر رمضان. لا يمكن لأحد أن يتجاهل الجرائم والفظائع التي ترتكب ضدّ المسلمين في جميع أنحاء العالم، ولا يمكن لأحد أن يتجاهل الإبادة الجماعية الصارخة للفلسطينيين بينما العالم ينظر.

 

ولكن ليس للمؤمنين أن ييأسوا مهما اشتدت العاصفة، فقد قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.

 

يقول الله سبحانه وتعالى إنّ الأمم السابقة زلزلت بشدة لدرجة أنّ الناس طلبوا في النهاية من رسلهم أن يستنصروا الله. يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، ويَدْعون بقُرْب الْفَرَجِ وَالْمَخْرَجِ، عِنْدَ ضِيقِ الْحَالِ وَالشِّدَّةِ.

 

قال الله تعالى: ﴿أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ﴾، كما قال: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾. كَمَا تَكُونُ الشِّدَّةُ يَنْزِلُ مِنَ النَّصْرِ مثلُها. (تفسير ابن كثير).

 

لذلك فإن اتّباع هذا الدّين لم يكن سهلاً على الإطلاق؛ إنها ليست مجرد مسألة إعلان إيمان المرء ثمّ الجلوس في راحة وطمأنينة. على العكس من ذلك، فإن الإقرار بالإيمان يتطلب دائماً من المرء أن يسعى جاهداً لترسيخ الدين الذي اعتنقه كعقيدة، كحقيقة حية، وألاّ يدخر جهداً في تقويض قوة الشيطان. ومن يسعى لمقاومتها. (تفسير الإمام المودودي)

 

لقد كانت هذه القناعة الممزوجة بروح رمضان هي التي مكّنت أجدادنا الصالحين من مواجهة التحديات التي كانت تبدو مستحيلة. لقد كان وقت الجهود الحثيثة. يقضون النهار في أداء مسؤولياتهم الدنيوية التي فرضها الله عليهم، والليل في الصلاة، داعين الله إلى القبول والرحمة والمغفرة. في الواقع، لم يكن المسلمون في الماضي ينزعجون من صعوبة ظروفهم، لأنّ الله قد وعد بالنصر كلما حلّت بهم الشدة، وقد شهد شهر رمضان العديد من هذه المواقف المستحيلة تتحول إلى انتصارات للإسلام والأمة الإسلامية...

في الواقع، لقد ترك أسلافنا العديد من الأمثلة المشابهة لنا لنستمد منها القوة.

 

  • ·    في 17 رمضان 2هـ، حققت معركة بدر انتصاراً رئيسياً للمسلمين بعد سنوات من التعذيب والاضطهاد. رفع النبي ﷺ يديه ودعا بجيش قوامه حوالي 300 ضد 1000 من المشركين «اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ» فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ.

ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾.

 

  • وبعد ست سنوات، في رمضان 8 هـ، اتّسع باب الإسلام بفتح مكة.
  • رمضان 15هـ، قاد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه المسلمين إلى النصر في معركة القادسية، ضدّ الإمبراطورية الفارسية التي لا تقهر. هزيمة لم ينتعش منها أبداً.
  • رمضان 92هـ، فتح طارق بن زياد الأندلس، وأسّس حكماً إسلامياً متواصلاً عليها لما يقرب من 800 عام.
  • 26 رمضان 648هـ، وحّد سيف الدين قطز جيش المسلمين والتقى بالمغول في عين جالوت وهزمهم وأعاد حكم المسلمين في المنطقة.

كل هذه الانتصارات كانت لحظات مفصلية ليس فقط في تاريخ الإسلام بل في تاريخ العالم، وكانت جميعها تبدو مستحيلة. ويشهد التاريخ على قدرة شهر رمضان على تغيير الأحوال وجلب النور والنهضة في الأوقات غير المتوقعة.

 

لقد عرف أسلافنا العظماء في الماضي أنّ رمضان ليس شهر العيد فحسب، بل هو شهر العمل. وكما نعمل بأمر الله بالصيام ونزيد جهودنا في عبادتنا وأعمالنا الصالحة لجني بركة هذا الشهر المبارك، كذلك ينبغي لنا أيضاً أن نعمل بأوامر الله سبحانه وتعالى الأخرى التي ستحصل على البركة نفسها إن شاء الله.

 

أخواتي العزيزات، اغتنموا هذا الشهر فقد لا تروا رمضان آخر. دعوا رمضان هذا يجددكم كعباد لله. ينبغي لروح رمضان أن تشجعنا أكثر وتجعلنا نقف على قناعة بأنّ الله سينصرنا حقا. دعونا لا نسعى فقط للانتصار على أنفسنا من خلال الاجتهاد في الصيام والعبادة فحسب، بل أيضاً من خلال القيام بتلك الأعمال التي في وسعنا والتي تساعد في إزالة أغلال الأمة حتى تتمكن من تطبيق جميع أحكام الله سبحانه وتعالى. فلتنهضوا ولتحملوا راية الإسلام من جديد، وذلك الفوز العظيم.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

حواء إسماعيل

 

 

                                                                                                                                                                    

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع