- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
ستة أشهر من الحرب على غزة، فماذا ننتظر حتى نتحرك؟!
ستة أشهر مضت على انطلاق عملية طوفان الأقصى، ولم يستطع كيان يهود بعد حصوله على كل أنواع الدعم السياسي والعسكري والاستخباراتي من قبل الدولة الأولى في العالم، وبعد كل المذابح والمجازر التي ارتكبها والدماء التي أهرقها، أن يستعيد ما خسره صبيحة 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 أمام فئة قليلة حطمت كبرياءه الزائف، وشوهت الصورة المثالية التي بناها لجيشه طوال سبعة عقود، ولا أن يحصل على صورة النصر التي ترضي غروره وتعيد هيبته المنكسرة، وقد تملّك جنون العظمة قادته السياسيين والعسكريين، حيث تأكد للقاصي والداني أن المرآة الزجاجية التي ينظر فيها هذا الكيان المسخ لنفسه يوميا متوهما أحقيته في الأرض المباركة وبأنه الأقدر على حماية شعبه قد تهشمت بالكامل على صخرة الصمود الأسطوري لأهل غزة وأبنائها المرابطين، وتناثرت أجزاؤها الصغيرة بين غزة والضفة، بشكل يستحيل معه تجميعها والنظر مجددا إلى تلك الصورة السابقة، لتتبخر كل أحلامه وأوهامه في دمج مجتمعه اللقيط بالمنطقة وفي جعل هذا الورم السرطاني الخبيث جزءاً من جسد الأمة الطاهر، وخاصة بعد أن استفاق العالم كلّه على حقيقة صلف يهود وغدرهم ونفاقهم وجبنهم وحجم تعطشهم للدماء، فبدأ قادة الغرب بالانسحاب والقفز من سفينة الدعم واحدا تلو الآخر، وصارت شعوب الغرب تتحرك ضد حكامها من أجل غزة حتى وصل الحال بأحد جنود أمريكا إلى أن يحرق نفسه أمام سفارة كيان يهود في بلده، وصارت دول الغرب جميعها تطالب بوقف إطلاق النار بعد أن ذُبحت منظومة حقوق الإنسان وسُلخت على مشارف غزة وخفت بريق حضارة الغرب الزائفة عالميا، فيما اتسع الخرق على الراتق داخليا وتعالت أصوات إسقاط حكومة الحرب التي يقودها مجرم الحرب نتنياهو، ما يعزز رغبته في الانتقام كسبيل وحيد للنجاة من المحاسبة. فهل يسير بذلك نحو حتفه؟
لقد أراد هذا الكيان من خلال تسوية قطاع غزة بالأرض وتدميره بالكامل أن يكسر إرادة أهلها وأن يفت في عضد أبنائها ومجاهديها وأن يقتل كل أمل في التغيير والتحرير بل كل أمل في الحياة، ليصبح بقاؤه أمرا واقعا بمنطق القهر والقوة والطغيان، مكتسبا شرعية ذلك من آلة الحرب المدمّرة. ولكن خروج النساء والأطفال من تحت الركام وهم يوحدون الله سبحانه ويصبّرون الناس من حولهم رغم حجم المأساة وهول المصاب، بل وهم يذكّرون الأمة بواجبها الشرعي تجاه فلسطين وما تمليه عليها عقيدتها، كل ذلك قد أعطى العالم نموذجا استثنائيا في الصبر والتضحية أثّر في العقول والقلوب، فحملوا البشرية جمعاء على اكتشاف طبيعة هذا الدّين العظيم الذي يعطي لأصحابه هذا الحجم من الثقة والطمأنينة وهذا القدر من الصبر والتسليم رغم عظم الابتلاء وعمق الجراح وحجم الخذلان، بما يصقل وعي الأمة ويشكل كيانها من جديد فينزع عنها الغثائية ويعيدها سيرتها الأولى، أمة جهاد واستشهاد.
واليوم بعد أن قالت غزة كلمتها في قضية فلسطين نيابة عن الأمة، وضربت أروع نماذج الصبر والتضحية بالنفس والمال والولد، لم يعد أمام كل متخاذل في هذه الأمة الواسعة حجة للوقوف على الربوة والاكتفاء بالمشاهدة وكأن الأمر لا يعنيه، مهما كان عذره وأيا كان منصبه، وخاصة أهل القوة، بل سيلاحق العار كل متنصل من مسؤوليته التاريخية في هذه المعركة الفاصلة وسيبوء بالخزي والإثم المبين.
فلا الشرع يُعفي من نصرة المستغيث زمن السلم، فما بالنا زمن الحرب، لقوله تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾، ولا الواقع يدل على أن من يدفن رأسه في التراب اليوم كالنعامة، سيسلم غدا من عاقبة التمادي والطغيان الذي يسير فيه كيان يهود لإشباع نزواته ونزعاته الدموية الاستئصالية الحاقدة، وقد أعلنها حربا وجودية ضد الإسلام والمسلمين فهدم الصوامع والمآذن ودنّس منبر رسول الله ﷺ.
فكل المؤشرات تدل على أن الحرب لن تقف عند هذا الحد، لأن إنهاء الحرب عند كيان يهود يعني الرضا والاستسلام بنتيجتها الحالية، دون تحقيق أي من أهدافها المعلنة (وفي مقدمتها إنهاء وجود حماس وضمان عدم تكرار سيناريو 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 واستعادة بقية المحتجزين)، وبالتالي الخسارة الفادحة التي تهدد وجود كيان يهود من أساسه، وتمهد للتجرؤ عليه مجددا قصد إزالته نهائيا.
ولذلك نجد أنفسنا اليوم أمام خيارين: إما أن تتحرك الأمة وتنتفض عن بكرة أبيها نصرة لغزة والأقصى المبارك، وإما أن تبقى مكتوفة الأيدي تشاهد تفرد هذا الكيان المتوحش بأهل فلسطين وكأنها تشاهد مباراة لكرة القدم، أو تمتص الأنظمة غضبها فتفقدها القدرة على التأثير في مجريات الأحداث، وعندها لن تسلم مصر ولا الأردن من بطش الكيان وجبروته، بل هي الخطوة التالية في خطته الحربية التي لم يعد يخفيها عن أحد، وهو الذي يخوض معركة البقاء فيهدد ويعربد في المنطقة دون رادع، ويوجه صواريخه وطائراته المسيرة إلى ما أبعد من دول الطوق، ويتحرش بالجوار وبمنطقة رفح ساعيا إلى طرد أهل غزة نحو سيناء وأهل الضفة نحو الأردن، وحالماً بدولة تمتد من النيل إلى الفرات كما رسمها على علمه.
ولا نقصد بالتحرك، تلك المظاهرات الخجولة المحتشمة التي تسير تحت سقف النظام ووفق شروطه، فتخطب ودّه للخروج في مسيرة تبيّض وجهه وتغطي خيانته وتعلي أسهمه في سوق المتاجرة الرخيصة بدماء الشهداء وفي معرض المزايدات التي تتقنها الأنظمة، في وقت أقام فيه "أبو عبيدة" الحجة على جميع الحكام المتخاذلين عن نصرة غزة وفلسطين، ولا تلك المظاهرات التي تفرغ شحنة الغضب ومخزون العاطفة في الشوارع وترفع رايات سايكس بيكو رمز فرقتنا، ثم يعود الناس أدراجهم دون غايات واضحة ورسائل محددة!
لا نقصد ذلك كلّه، وإنما نعني التحرك السلمي الواعي بطبيعة المعركة الحضارية بين الإسلام والكفر والذي يُحمّل الجيوش مسؤوليتها في نصرة الأرض المباركة فلسطين، ويخاطب منطقة الإيمان لدى أبنائها وقادتها، ويُذكرهم بالحل الشرعي من كونه حلّاً عسكريّاً عنوانه "الجهاد في سبيل الله" تواجه فيه الحرب بالحرب، وليس حلا تفاوضيا في هيئات الأمم المتآمرة على فلسطين أو تحت قبة مجلس الإرهاب الدولي. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. [التوبة: 38-39].
هذه التحركات الواعية إن رفضت، فهو دليل إضافي على جرم الحكام وخيانتهم للأمة واصطفافهم مع العدو وسفاراته، وهو ما يوجب كشفهم في كل منبر ومحاسبتهم على أساس الإسلام لقوله ﷺ: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ»، لأنهم بذلك يشكلون عقبة أمام تحرك الجيوش وتصبح أنظمتهم شريان حياة لكيان يهود على أمل بقائه، إن لم تكن هذه هي الحقيقة التي طفت على السطح وبرزت للعيان بعد ستة أشهر من الحرب، وما تحركات حكام دول الطوق الاستعراضية إلا محاولات للتغطية عن هذه الحقيقة الساطعة. فماذا ننتظر حتى ينطلق طوفان الأمة ونسير في الاتجاه الصحيح نحو التحرك الذي يُرعب كيان يهود ومن ورائه دول الكفر، ويعجل بزواله قريبا بإذن الله تحقيقا لوعد الآخرة، بدل الفرار من معركة حتمية قادمة لا محالة؟
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ».
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس وسام الأطرش