- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
هل يعوَّل على الاحتجاجات في الدول الغربية أن تحل مشاكل المسلمين ومنها فلسطين؟
أشاد مفتي عُمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، بما وصفها بـ"انتفاضة" الطلاب في الولايات المتحدة وأوروبا دعما لأهالي قطاع غزة الذين يواجهون حربا (إسرائيلية) منذ نحو 7 أشهر. جاء ذلك وفق منشور لمفتي عمان، عبر حسابه الموثق بمنصة إكس، وسط تواصل الاحتجاجات الطلابية بعدة جامعات أمريكية وأوروبية. وقال مفتي عمان "نحيي انتفاضة الطلاب والمدرسين في الجامعات الأمريكية والأوروبية استنكارا للإبادة الجماعية التي تمارسها سلطات الاحتلال في قطاع غزة". وأضاف الخليلي: "نرجو أن تعم (تلك الانتفاضة) جميع الجامعات. وفي هذا عبرة لمن يؤثرون سياسة الانبطاح، ويسارعون إلى التطبيع مع العدو المحتل"، في إشارة لـ(إسرائيل). (الجزيرة، 28/04/2024م)
إن ما يقع من مظاهرات في الدول الغربية عند الأوساط الطلابية هناك لهو دليل على تشكيك شريحة كبيرة فيها بالروايات الرسمية الصادرة عن دولهم حول حقيقة ما يجري في العالم من أحداث وبالأخص ما جرى في غزة والأرض المباركة فلسطين قبل وبعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023م ويعبر عن رفض تلك الشرائح لانحياز دولهم إلى جانب كيان يهود في قتلهم للمدنيين. وهذا النوع من المظاهرات هو تعبير عن حالة فكرية لدى تلك الشرائح، وهي تذكرنا بنص جاء في كتاب التفكير الذي أصدر حزب التحرير: "فالتفكير بالحقيقة هو تطبيق الفكر على الواقع الذي يدل عليه فإن انطبق عليه كان حقيقة، وإن لم ينطبق عليه لم يكن حقيقة. والتفكير بالحقيقة أمر لا بد منه للناس جميعاً من أفراد وشعوب وأمم، ولا سيما من يتحملون مسؤوليات مهما كانت صغيرة لأن الأفكار كثيراً ما تكون سببا للخطأ، وسببا للضلال فلا يصح أخذ الفكر أي فكر على أنه حقيقة بل يؤخذ على أنه فكر فقط ثم يجري تطبيقه على الواقع الذي يدل عليه فإن انطبق عليه كان حقيقة، وإلا لم يكن حقيقة وإن كان فكراً. فالتفكير بالحقيقة سواء أكان ابتداءً مثل القيام بالعملية العقلية للوصول إلى الفكر ثم تطبيق هذا الفكر على الواقع حتى ينطبق عليه فإذا انطبق عليه كان حقيقة وإلا فيجب أن يجري البحث عن الحقيقة، أي عن الفكر الذي ينطبق على الواقع الذي يدل عليه أو لم يكن ابتداءً وإنما كان عن طريق أخذ الأفكار الموجودة والبحث عن الحقائق منها. مثل القيام بتطبيق الأفكار الموجودة على الواقع، للوصول إلى الحقيقة. وهنا لا بد من لفت النظر إلى أمرين: أحدهما المغالطات التي تحصل في الحقائق، والثاني المغالطات التي تصرف عن الوصول إلى الحقائق. أما المغالطات التي تحصل عن الحقائق، فإنها تحصل من جراء التشابه الذي يحصل بين الحقائق أو الأفكار فيتخذ هذا التشابه أداة لطمس الحقائق، أو يكون باستعمال حقيقة من الحقائق لطمس حقيقة أخرى، أو يكون بالتشكيك في حقيقة من الحقائق، من أنها ليست حقيقة أو كانت حقيقة في ظرف وتغير هذا الظرف، إلى غير ذلك من الأساليب. فمثلاً كون اليهود أعداء للمسلمين حقيقة وكون اليهود أعداء لأهل ما يسمى فلسطين حقيقة، وهاتان حقيقتان متشابهتان أو متداخلتان ولكن المغالطة جعلت حقيقة العداء بين اليهود وأهل فلسطين هي البارزة بل هي الملاحظة فاتخذ هذا التشابه أو التداخل أداة لطمس حقيقة العداء بين اليهود والمسلمين. وكون فكر أن الحرية موجودة عند أمريكا حقيقة وكون فكر أن أمريكا إنما يختار رؤساءها الرأسماليون حقيقة وهما فكران متشابهان من حيث إن كلاً منهما يدل على واقع أمريكا. ولكن اتخذت حقيقة الحرية أداة لطمس حقيقة كون الرأسماليين هم الذين يختارون رؤساء أمريكا. فطمست هذه الحقيقة وصار المعروف أن الذي ينجح رئيساً في أمريكا هو من له شعبية أكثر. ومثلاً كون إنجلترا ضد الوحدة الأوروبية حقيقة وكون إنجلترا تريد تقوية نفسها بأوروبا الموحدة حقيقة. فاتخذت الحقيقة الثانية أداة لطمس الحقيقة الأولى، وبذلك دخلت إنجلترا السوق المشتركة. ومثلاً كون الإسلام قوة لا تغلب حقيقة ولكن جرى التشكيك في هذه الحقيقة حتى أصبح الرأي بأن هذا ليس حقيقة أو كان حقيقة في أول الإسلام ثم تغير الزمن فلم تعد حقيقة. وهكذا تجري المغالطات في الحقائق فتطمس إما بحقائق أخرى أو بالتشكيك في تلك الحقائق. وهذا ما حذق فعله الغرب في الحقائق الموجودة عند المسلمين. وأما المغالطات التي تصرف عن الحقائق فإنها تحصل بإيجاد أعمال تصرف عن الحقائق أو إيجاد أفكار تصرف عن الحقائق. فمثلاً كون الأمة لا تنهض إلا بالفكر حقيقة، ولكن لصرف المسلمين عن الفكر شجعت الأعمال المادية من مظاهرات واضطرابات وثورات لصرف الناس عن الفكر، وانشغالهم بالعمل، فطمست حقيقة أن الأمة لا تنهض إلا بالفكر وحل محلها أن الأمة لا تنهض إلا بالثورة. وكذلك لصرف المسلمين عن حقيقة النهضة وجدت أفكار أن النهضة تكون بالأخلاق وأن النهضة تكون بالعبادات وأن النهضة تكون بالاقتصاد إلى غير ذلك من الأفكار. وهكذا تجري المغالطات لصرف الناس عن الوصول إلى الحقائق. ولذلك لا بد من الانتباه للمغالطات ولا بد من التمسك بالحقائق والقبض على الحقيقة بيد من حديد، ولا بد من العمق في الفكر والإخلاص في التفكير للوصول إلى الحقائق" انتهى الاقتباس من كتاب التفكير ومعه يلفت النظر إلى الأمور التالية:
أولا: التنويه أن المظاهرات التي تجري في الدول الغربية من جانب الشعوب الغربية حاليا ضد انحياز دولهم إلى جانب كيان يهود ليست لصرف النظر عن الفكر بل هي نوع من أنواع التعبير عن عملية فكرية رافضة لمواقف النخب الحاكمة من قبل طلاب وأساتذة جامعات. وإن عملية التفكير هذه ستبقى ناقصة ما لم تقر حقائق حول أصنام الديمقراطية والحريات وكذلك حول فساد النظام الرأسمالي في حل مشاكل الإنسان وفي حل العقدة الكبرى عن أسئلة الوجود حلا صحيحا أي عن وجود الكون والإنسان والحياة وما قبلها وما بعدها وعلاقتها جميعها ببعضها، حلا صحيحا يقنع العقل ويملأ القلب طمأنينة وتنبثق عنه جميع النظم لبني الإنسان. ناهيك عن فهم واقع وحقيقة نشوء كيان يهود على يد بريطانيا وأنه كان احتلالا لأرض إسلامية وأن الدول الغربية أمريكا وبريطانيا وغيرها وكذلك عملاء الدول الغربية من حكام بلاد المسلمين يعملون على تكريس هذا الاحتلال.
ثانيا: ضرورة السعي لرفع مستوى التفكير عند الأمة الإسلامية بكافة شرائحها حتى تجد طريقا منتجا لحل مشكلة فلسطين وباقي قضايا المسلمين وأن يكون هذا التفكير جديا كما جاء في موضع آخر من كتاب التفكير: "فإن الجدية تقضي بأن يعمل لتحقيق ما يقصد إليه، وأن يكون عمله في مستوى ما يقصد إليه. فإذا لم يعمل لتحقيق ما يقصد إليه ولو الوصول إلى فكر معين أو يعمل أعمالاً هي دون ما يقصد إليه، فإنه ليس جاداً في تفكيره. فقول المرء إنه جاد في تفكيره لا يكفي لأن يكون جاداً، واصطناعه أحوالاً أو مظاهر أو حركات فكرية كانت أو مادية لا يكفي لأن يكون جاداً، ولا يكفي للدلالة على الجدية بل لا بد من القيام بأعمال مادية، وأن تكون هذه الأعمال في مستوى ما يفكر به حتى يكون جاداً، أو حتى يستدل على أنه جاد في تفكيره. فالقيام بالأعمال المادية، وأن تكون هذه الأعمال في مستوى ما يفكر به أمر ضروري حتى توجد الجدية في التفكير، أو حتى يستدل على وجود هذه الجدية في التفكير. والأمم والشعوب المنحطة، والأفراد الكسالى أو الذين يتجنبون الأخطار أو الذين يتملكهم الحياء أو الخوف أو الاعتماد على الغير، فإن هؤلاء جميعاً غير جادين فيما يفكرون به. لأن الانحطاط يجعل المرء يستهوي الأسهل، فلا يعني نفسه بالأشق الأصعب، والكسل يتنافى مع الجدية، واتقاء الأخطار يصرف عن الجدية، والحياء والخوف والاعتماد على الغير يحول دون الجدية. ولذلك لا بد من رفع الفكر والقضاء على الكسل وحب اقتحام الأخطار، والتفريق بين الحياء وبين ما يجب أن يستحيى منه، والشجاعة وجعل الاعتماد على النفس سجية من السجايا، حتى توجد الجدية في الأفراد والشعوب والأمم. لأن الجدية لا توجد بشكل عفوي بل لا بد من اصطناع إيجادها. أما ضرورة وجود الجدية في التفكير، فهو أنه ليس القصد من التفكير هو إيجاد الفكر فحسب، بل يجب أن يكون التفكير من أجل الانتفاع بهذا الفكر أي انتفاع. وبالتالي لا بد أن يكون التفكير من أجل العمل". ثم يقول في موضع آخر من الكتاب نفسه: "والجدية في التفكير لا تستلزم قصر المسافة بين الفكر والعمل ولا تقتضي طولها. لأن العمل هو نتيجة للفكر، فقد يفكر المرء بالذهاب إلى القمر وقد تطول المسافة بين هذا التفكير وبين الوصول. وقد يفكر بالأكل وقد تطول المسافة بين التفكير وبين القيام بالأكل. وقد يفكر بإنهاض أمته وقد تقصر المسافة بين تفكيره وبين وجود النهضة. فالمسألة ليست بطول المسافة أو قصرها، لأن المسافة بين التفكير والعمل، لا ضرورة لأن تكون قصيرة أو طويلة، بل قد تكون قصيرة وقد تكون طويلة. بل المهم هو أن يوجد عمل من جراء التفكير، سواء أوجده نفس المفكر أو أوجده سواه. فالتفكير يجب أن ينتج عملاً سواء أكان كلاماً كالشعراء والأدباء أو كان أعمالاً كالعلماء في العلوم التجريبية، أو كان خططاً كعلماء السياسة وعلماء الحرب. أو كان فعلاً مادياً كالحرب والأكل والتعليم وغير ذلك من الأفعال. وعليه فإن التفكير حتى ينتج النتيجة التي فكر بها، لا بد أن يكون جدياً سواء أنتج بالفعل أم أخفق في الإنتاج. فالجدية أمر ضروري في التفكير. وبدون الجدية يكون التفكير عبثاً في عبث أو لهواً ولعباً، أو رتيباً يسير على وتيرة واحدة بحكم العادة وبحكم التقليد. والتفكير الرتيب يستمرئ الحياة التي عليها المفكر والحياة التي عليها الناس، ويبعد عن الأذهان فكرة التغيير والتفكير بالتغيير". وفي موضع آخر من الكتاب نفسه: "والتفكير بالتغيير، سواء أكان تغييراً لنفوس الأفراد أو حالهم أو تغييرا للمجتمعات أو تغييراً لأوضاع الشعوب والأمم أو غير ذلك مما يحتاج إلى تغيير، يجب أن يبدأ بالأساس الذي يعيش عليه الإنسان وبالمجتمعات التي لا أساس لها أو تقوم على أساس خاطئ، أو الأوضاع التي تسير على طريق غير مستقيم. هذا الأساس الذي تقوم عليه الحياة هو الذي يرفع الحياة أو يخفضها، وهو الذي يسعد الإنسان أو يشقيه، وهو الذي يوجد وجهة النظر في الحياة وبحسب وجهة النظر هذه يخوض الإنسان معترك الحياة".
فلو كان التفكير المطلوب إيجاده في الأمة الإسلامية عند المستوى اللائق هل كان المسلمون سينتظرون من شعوب غير إسلامية أن تحل مشاكلهم؟ أم كانوا سيبادرون إلى حل مشاكلهم بأنفسهم، خاصة أن فلسطين الأرض المباركة محاطة بالمسلمين من كل جانب، سواء من مصر أو الأردن أو تركيا أو الشام عموما؟ ولو كان تفكيرهم جديا هل كانوا ليربطوا بين مظاهرات الشعوب الغربية وبين حل مشكلة فلسطين وباقي قضايا المسلمين، حلا يعيد البلاد الإسلامية لحمة واحدة ينصر قويهم ضعيفهم ويزيل احتلال يهود عن الخارطة نهائيا؟ أم كانوا سيبادرون في التفكير في الوسائل الموصلة إلى ذلك فعلا ولو كلفتهم إزاحة الحكام العملاء وزبانيتهم ونبذ ثقافة الكافر المستعمر من وطنية وقومية وغيرها وتحريك كل قوى الأمة للقيام كل منها بدورها المنوط بها؟ ولو كان تفكيرهم جديا هل كانوا سيبالون بما قد يصيبهم نتيجة تحركهم الصادق في وجه الحكام العملاء وهم يعلمون أن الأجل بيد الله وحده؟
قال الله سبحانه: ﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِّنكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَا هُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾. وقال سبحانه: ﴿الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نزار بن جمال