- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
افتضاح صنم الديمقراطية في عقر دارها
الجامعات الأمريكية والأوروبية مثال
إن تناقض سلوك الشخص مع مفهومه وفكره هو شذوذ منبوذ، ولكن إن كان الفكر لا واقع له (أي غير واقعي) فهنا يتبين زيف وضلال المبدأ الذي يخالف فيه سلوك قادته وساسته ومفكريه ومشرعيه فكر المبدأ ومفهومه. ولا يزال المبدأ الرأسمالي يوما بعد يوم يظهر لنا ما فيه من التناقض والنقصان، ما يثبت ضحالة أفكاره وعدم واقعيتها، تماما كما كان الحال في أصنام العجوة في الجاهلية التي كان يأكلها عبّادها حينما يجوعون وعند رغد عيشهم يخرون لها ساجدين!
ما أسخف عقل الإنسان عندما لا يتخذ وحي الله له مبدأ ولا أوامر الله ونواهيه له مقياسا! وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾.
غزة وما أدراك ما غزة، غزة الكاشفة الفاضحة المميزة بين الحق والباطل، المبينة زيف الشعارات البراقة والمصطلحات المنمقة من قبيل: حقوق الإنسان والشرعة الدولية وحقوق الطفل والمرأة والمنظمات الدولية والهيئات الأممية ومما لا يعد ولا يحصى، بل قل المبدأ الرأسمالي بقضه وقضيضه قد تحطمت جميعها عند صمود غزة؛ مئتا يوم بل تزيد من الإبادة الجماعية والمجازر الوحشية واتخاذ التجويع سلاحا على مرأى ومسمع العالم أجمع، وتجويع الحوامل والرضع والأطفال والنساء وكبار السن مما يليّن الصخور لو كانت القلوب صخورا ويفتت الأكباد لو كانت الأكباد حديدا صلبا.
خرجت جامعات أمريكا وجامعات أوروبا صارخة: كفى كفى... ما أقض مضاجعهم، فما لبثوا أن انقضّوا على ما بقي من حطام ديمقراطيتهم فنسفوا حرية التعبير وكمموا الأفواه وذبحوا حرية الرأي في مشهد ألفناه من عملائهم الجاثمين على صدر الأمة والمكبلين حتى على جيوش الأمة الرابضة في ثكناتها كأنما في أذنيها وقر وفي أعينها غشاوة! صم بكم عمي إلا على من ينصحهم ويدعوهم إلى الخير فيثبوا عليه وثبة الأسود وينقضوا عليه بدباباتهم ومدرعاتهم!!
لهؤلاء الجيوش الرابضة أقول: الأصل فيكم أنكم أبناء هذه الأمة المكلومة وقد أقسمتم على حمايتها والذود عنها، فهل هذه النياشين والرتب التي تزينون بها أكتافكم أخذتموها باستحقاق؟!
واعلموا أن لهذه الأسلحة التي في أيديكم والتي هي من أموال الأمة حق في أعناقكم، فهل أديتم حقها؟! وإن الله سبحانه سائلكم عنها يوم القيامة، فهل أعددتم للسؤال جوابا؟ هل تعلمون ما هو حقها؟
اسمعوا وعوا! في يوم أحد الذي كان في السنة الثالثة من الهجرة خرجت قريش بكل ما تقدر عليه من عدة وعتاد ورجال ونساء بلغوا ثلاثة آلاف مقاتل لقتال المسلمين، فلما علم رسول الله ﷺ بذلك أعلن الجهاد ووعد المؤمنين بنصر الله وثوابه وما أعده الله للشهداء، وسار ﷺ ومعه سبعمائة من أصحابه وعسكر بهم بجوار جبل أحد ثم قال وبيده سيف: «مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ؟» فَقَامَ إلَيْهِ رِجَالٌ، فَأَمْسَكَهُ عَنْهُمْ؛ حَتَّى قَامَ إلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ، أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ، فَقَالَ: وَمَا حَقُّهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «أَنْ تضْرَبَ بِهِ الْعَدُوَّ حَتَّى يَنْحَنِيَ»، قَالَ: أَنَا آخُذُهُ يَا رَسُولَ اللهِ بِحَقِّهِ، فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَكَانَ أَبُو دُجَانَةَ رَجُلاً شُجَاعاً يَخْتَالُ عِنْدَ الْحَرْبِ، إذَا كَانَتْ، وَكَانَ إذَا أُعْلِمَ بِعِصَابَةِ لَهُ حَمْرَاءَ، فَاعْتَصَبَ بِهَا عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ سَيُقَاتِلُ؛ فَلَمَّا أَخَذَ السَّيْفَ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَخْرَجَ عِصَابَتَهُ تِلْكَ، فَعَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ، وَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، حِينَ رَأَى أَبَا دُجَانَةَ يَتَبَخْتَرُ: «إنَّهَا لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللهُ، إلَّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ» سيرة ابن هشام.
وقد علمتم أيتها الجيوش الرابضة أن جيش رسول الله ﷺ كان سبعمائة وجيش قريش ثلاثة آلاف وأنتم اليوم عشرات الملايين وتحيطون بالعدو إحاطة السوار بالمعصم لو قدر أن بصق كل واحد منكم على العدو لغرق! فأجيبوني بالله عليكم، ألم تقشعر جلودكم بل ألم تنقلع قلوبكم لمجازر يهود؟! ألم يؤرقكم ويؤلمكم القتل بدم بارد لما يزيد عن ثمان وثلاثين ألفا من إخوتنا أغلبهم من الأطفال والنساء؟! ألم تروا ما يبث على الهواء مباشرة في وسائل الإعلام العالمية منها والإقليمية؟! ألم تروا الشبان الأربعة الذين قصفتهم المسيّرة فصيّرتهم أشلاء؟! والوحيد الناجي منهم ألحق بمسيّرة أخرى فصيرته أشلاء كرفاقه في وحشية لا تمت بأي صلة للبشر. ألم تروا ذلك الشاب المسكين الذي جاهد بكل ما أوتي من قوة لكي يرجع إلى أهله بكيس، الله أعلم بما فيه مما تلقيه الإنزالات المهينة، كيف أُمطر بالرصاص وتُرك للكلاب تنهش جثته؟! والله إنكم لمسئولون، حتى الجندي الأمريكي أحرق نفسه لعله يريح ضميره مما يرى كما يظن!
عبارة اقشعر لها جلدي ودمعت لها عيني سمعتها من مراسل قناة الجزيرة ينقل أحداث مظاهرات طلاب جامعة السوربون الفرنسية، تقول الطالبة: "نرفض أن نكون جيلا يسكت على الإبادة الجماعية في غزة".
هؤلاء طلاب وطالبات السوربون يرفضون هذه الدناءة والذلة وينأون بأنفسهم أن يكونوا سكوتاً على هذه المجازر الوحشية والإبادة الجماعية واتخاذ التجويع سلاحا ضد الأبرياء من الأطفال والنساء الحوامل والرضع، طالبات السوربون ومن قبلهن طلاب وطالبات الجامعات الأمريكية يرفضون وينأون بأنفسهم أن يكونوا جيلا يسكت على هذه الجرائم والمجازر الوحشية والإبادة الجماعية التي لم يسبق لها مثيل، فكيف بنا نحن المسلمين الذين يفترض أننا ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾، هل هذه سبيلنا؟!
يا هيئات كبار العلماء في بلاد المسلمين قاطبة، يا هيئة كبار العلماء في الأزهر: اتقوا الله، فوالله إنكم لمسئولون. يا رؤساء وعمداء الجامعات والمعاهد العليا: اتقوا الله فوالله إنكم لمسئولون. يا طلاب الجامعات والمعاهد العليا: اتقوا الله فوالله إنكم لمسئولون. يا أمة الإسلام: فلنتق الله فوالله إننا لمسئولون، وها هو العدو حين أمن أن لا أحد يردعه يهدد باجتياح رفح بكل صلف وقبح.
«اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي، وَقِلّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ! أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي، إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك».
إن التغيير حتمي وهو قادم لا محالة، أكاد أجزم أن العالم كله اليوم قد أجمع على وجوب التغيير.
إن صنم الديمقراطية وبحمد الله من يوم أن نحت لم يكن للبلاد الإسلامية منه نصيب، واليوم نراه يتهاوى في عقر داره؛ فلا المؤسسات الدولية ولا الهيئات الأممية ولا المنظمات التابعة لها، لها اليوم من قدسية ما كان لها من قبل، فقد سقطت الأقنعة عن وجهها الكالح القبيح، ولم تعد ترقيعات الرأسمالية تجدي نفعا، فقد ضاقت الدنيا بما رحبت على البشرية. وعلى المضبوعين بالغرب المبهورين بمدنيته أن يفيقوا، فإن عجلة الزمان لن تدور إلى الوراء، وإن الله سبحانه قد بين لنا أن الأرض يرثها عباده الصالحون، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.
فهلم إلى رحمة الله للعالمين واحملوا مبدأ الإسلام العظيم الذي هو الرحمة للعالمين فإنه سيبلغ ما بلغ الليل والنهار، وعد الله الذي لا يخلف وعده، وبشرى رسوله ﷺ، عن تميم الداري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ؛ عِزّاً يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلّاً يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ» رواه أحمد.
يا شيخ الأزهر: طالبات الجامعات الأمريكية والأوروبية خرجن منتفضات وصرخن منتقدات حكومات بلدانهن مطالبات بوقف المجازر الوحشية والإبادة الجماعية، ليس في أوكرانيا هذه المرة بل في غزة، نعم في غزة حيث تتطاير أجساد أطفالنا ونسائنا أشلاء. والله إنني في حيرة من أمري ولا أدري ما أكتب، ولا أجد ما أقول! كل العبارات تقاصرت وكل الكلمات تناثرت؛ طالبات السوربون ينتفضن رفضا منهن أن يكنّ جيلا يسكت على الإبادة الجماعية والمجازر الوحشية في غزة! هكذا والله سمعتها من مراسل الجزيرة ينقل الأحداث مباشرة من اعتصام طالبات السوربون.
يا شيخ الأزهر: ما الذي يمنعك أن تصلي الجمعة في الجامع الأزهر وتكون أنت خطيبها وتشحذ الهمم وتستنصر الجيوش وتحرض الناس على النزول إلى الشوارع استنصارا واستنفارا لإنقاذ أطفالنا ونسائنا في غزة الذين أنهكتهم آلة الحرب التي لا ترحم على ما يزيد عن مئتي يوم؟!
نحن أمة الإسلام، يا شيخ الأزهر، نحن الذين نزل فينا قوله سبحانه: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾، ونحن الذين قال فينا رسول الله ﷺ: «مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِماً فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِماً فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ» رواه أحمد وأبو داود.
يا شيخ الأزهر: لعلها ساعة إجابة الأمة لدينها وإجابة ربها لجهدها فتولد دولة الإسلام من رحم هذه الفاجعات وهي سنة الله.
﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
صادق محمود – ولاية مصر