- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الفاشر ومعركة كسر العظم
هنالك نقاط مهمة تساعد الإشارة إليها، في تفسير ما يجري، وفهم ما سيجري في مدينة الفاشر بدارفور:
* إن الحرب الضروس التي تدور رحاها في السودان، هي حرب ثلاثية الأبعاد؛ فهناك بعد داخلي مهمته تنفيذية، وهناك بعد إقليمي دوره وظيفي، أما البعد الدولي، فهو واجهة من واجهات الصراع الدولي على السودان.
* فبعد الحرب العالمية الثانية، طرأت تحولات كبيرة على الموقف الدولي، حيث تراجعت الدول الأوروبية، وسقطت بريطانيا عن مركز الدولة الأولى، وحلت أمريكا مكانها.
* سعت أمريكا لتمديد نفوذها الاستعماري على حساب الاستعمار القديم، بأساليب ووسائل مطورة، فاستخدمت صناديق المال العالمية التي أنشأتها، وكذلك استخدمت الانقلابات العسكرية وسيلة لإزاحة أوروبا، وبخاصة بريطانيا، وفرنسا، من مستعمراتهما القديمة.
* أفريقيا كلها مسرح لهذا الصراع الدولي، والانقلابات التي جرت في غرب أفريقيا، في الشهور الأخيرة، هي نموذج مثالي لهذا الصراع.
* السودان ليس بحالة استثنائية مما جرى، ويجري في أفريقيا، وما نشهده اليوم من احتراب ليس بخارج عن هذه المسرحية الدولية.
* إن حجم الثروة الظاهرة والباطنة في السودان، تجعل هذا الصراع أمرا حتميا مهما كانت كلفته؛ من قتل، وتشريد، ونهب للممتلكات، وانتهاك للأعراض، وتدمير لمؤسسات الدولة ولو أدى إلى تمزيقها.
* إن الدول الرأسمالية درجت على تصوير نفسها أنها حامية للديمقراطية، وحقوق الإنسان، ولكن الأحداث أثبتت زيف هذه الشعارات الخداعة.
لقد فشل البرهان في محاولة فض الاعتصام، ومحاولة انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021م، في إبعاد الأحزاب السياسية عن مركز التأثير في القرارات السياسية، وقد كانت هذه الأحزاب تتقوى في صراعها مع المؤسسة العسكرية، بالسفارات الأجنبية وخاصة الأوروبية منها، وعلى وجه الخصوص السفارة البريطانية، وكان ذلك في وضح النهار، بل وصل الحال بحكومة حمدوك أن تأخذ رواتب الوزراء من الاتحاد الأوروبي، في سابقة فريدة من نوعها، وما زالت المنظمات الدولية المحسوبة على أوروبا هي التي تتولى الصرف على حركات، وسكنات، ومؤتمرات الحرية والتغيير "تقدم" حاليا، وذلك باعتراف الناطقة الرسمية باسم "تقدم"، وما ذلك إلا لعلمهم أن قيادة الجيش تقف من ورائها أمريكا، التي لا ترغب في وجودهم على سدة الحكم، وتريد دفعهم بعيداً عن مركز التأثير السياسي.
فأشعلت أمريكا هذه الحرب اللعينة، ونجحت إلى حد كبير، في عزل هذه الأحزاب عن جمهرة الشعب، الذين كانوا ظهيرا لها في عملية إسقاط حكومة الإنقاذ.
ولكي تكمل أمريكا مخططها في الانفراد بالحكم في السودان، والاستئثار بخيراته لوحدها، كان التوجه نحو دارفور، والتركيز عليها، وذلك بجعل الدعم السريع صاحب القدح المعلى في دارفور، الذي وضع يده في أربع ولايات من ولاياتها الخمس، في مسرحية تسليم وتسلم من قبل قيادة الجيش، فجاء دور الفاشر بوصفها المحطة الأخيرة في دارفور، والسيطرة عليها، وكسر شوكة الحركات المسلحة الدارفورية والمدعومة أوروبياً؛ بريطانيا وفرنسا، ومن هنا كان الاستقطاب الحاد من كلا الطرفين، والحشد غير المسبوق في الفاشر، فالقضية بالنسبة للحركات المسلحة قضية وجودية، فإما أن تثبت وتحمي الفاشر، وإما أن تصبح أثرا بعد عين.
وكذلك الأمر بالنسبة لبريطانيا، صاحبة النفوذ التاريخي في السودان، ومن شايعها من الدول الأوروبية، فإن معركة الفاشر تمثل قضية حيوية، فخسارتها تعني خسارة نفوذها في السودان، وربما إلى الأبد، لذلك فهي معركة كسر عظم.
أما أمريكا فإنها تعمل على تأجيل المفاوضات بين الدعم السريع، وبين الجيش، إلى ما بعد حسم هذه المعركة، حتى تتم المقايضة بالخروج من الخرطوم، والجزيرة، والنيل الأبيض، وسنار، وكردفان مقابل دارفور، وهذا ما يفسر عدم جدية قيادة الجيش في حسم المعارك في الخرطوم، والجزيرة، وكردفان، وغيرها، فكلما تقدم الجيش في محور من المحاور، لا يلبث إلا قليلا ثم يتوقف، أو يتراجع، كما هو مشاهد في أم درمان وفي الجيلي، وفي شرق مدني وغربها وجنوبها، وفي غيرها من المحاور.
إن أية محاولة لحل هذا المشكل السوداني، في إطاره المحلي، وبتوصيف أنه صراع على السلطة بين البرهان وحميدتي، أو تصنيفه بأن الأمر يتعلق بتقسيم السلطة والثروة، أو أنه صراع لإقامة دولة للعطايا، أو أن المشكلة في تركيبة دول 56، أو غيرها من التوصيفات، هو فهم قاصر، وما يبنى عليه من حلول، إن وجدت، لا تعدو أن تكون مجرد مسكنات لحظية.
إن القضية يجب فهمها على حقيقتها، على أنها جزء من الصراع الدولي، وإن كانت أدواته محلية وإقليمية، وهذا الصراع الدولي لا تستطيع أن تخوضه دويلات سايكس بيكو، التي صنعها الاستعمار نفسه، خصيصاً لتكريس الضعف، فكان حتما على أهل السودان، إقامة دولة على مستوى الصراع الدولي، الفكري، والسياسي، والاقتصادي، والعسكري، وهذا لا يتجسد إلا في كيان الأمة الإسلامية، التي أثنى عليها الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سماوات، والتي تظهر قوتها في وحدتها؛ في كيانها السياسي المتمثل في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي أمرنا الله تعالى بالعمل لها، بل ووعدنا بالنصر والتمكين، وبشرنا بها المصطفى ﷺ.
فالدرب من هنا وليس في الاقتتال، ولا في منبر جدة تحت رعاية الأمريكان.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس حسب الله النور – ولاية السودان