السبت، 21 محرّم 1446هـ| 2024/07/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
جريدة الراية: الوضع في ليبيا: لم تحسمه خطة ليون، لماذا؟ وما الذي يحسمه

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

 

 

 

 

Raya sahafa

 

 

2015-11-04

جريدة الراية: الوضع في ليبيا: لم تحسمه خطة ليون، لماذا؟ وما الذي يحسمه

نبدأ مما انتهت إليه آخر المستجدات المتعلقة بمصير صاحب الخطة مبعوث الأمم المتحدة برناردينو ليون لنبقى مواكبين للأحداث ساعة بساعة لنعطي الرأي فيها، بل نعمل على استباقها بتصور ما ستؤول إليه حسب وقائع محسوسة وليس ضربا في الخيال لإيجاد الوعي التام لدى أمتنا حتى نتمكن من تحريرها من براثن الدول الاستعمارية.


فقد نقلت (وكالة رويترز) يوم 2015/10/31 أن "بان كي مون الأمين العام المتحدة أخطر اعتزامه استبدال المبعوث الدولي الحالي برناردينو ليون وتعيين الدبلوماسي الألماني مارتن كوبلر مكانه". ونقلت الوكالة عن دبلوماسي كبير في الأمم المتحدة "أنه من المقرر حاليا أن يترك ليون منصبه يوم 2015/11/6 ولكن قد يتم تمديد ذلك إذا حدثت انفراجة مفاجئة في جهود الوساطة التي يقوم بها". كل ذلك يدل على فشل ليون الذي عمل بأقصى جهده لتنفيذ خطته التي أصبحت اتفاقا وقع عليه بالأحرف الأولى بمدينة الصخيرات بالمغرب يوم 2015/7/11 يتضمن "تشكيل حكومة وطنية توافقية، واعتبار برلمان طبرق الهيئة التشريعية، وتأسيس مجلس أعلى للدولة، ومجلس أعلى للإدارة المحلية، وهيئة لإعادة الإعمار، وأخرى لصياغة الدستور، ومجلس الدفاع والأمن".


لقد بذل ليون كل جهده حتى يحقق هذا الاتفاق لكونه مبعوثا أوروبيا بالأصل ويعمل لصالح أوروبا بالدرجة الأولى، وساعدته المغرب التابعة للغرب الأوروبي وهي الدولة المستضيفة للمفاوضات وكذلك قوى أخرى بالضغط على الأطراف، وخاصة الاتحاد الأوروبي الذي هدد بفرض العقوبات على الذين يرفضون الاتفاق ويطلق عليهم صفة المعرقلين للسلم والمصالحة. فسخر كل إمكانياته لإنجاح المفاوضات واستعمل كل أساليبه وخاصة التهديدات بالعقوبات على المعرقلين بإحالة الملف إلى مجلس الأمن واستعان بكل القوى حتى ينفذ هذا الاتفاق الأولي.


فمن هنا نفهم أن أوروبا وخاصة بريطانيا صاحبة النفوذ في ليبيا والمغرب، وباقي دول شمال أفريقيا زائد دول خليجية وخاصة قطر الفاعلة لحساب بريطانيا حيث تمول أطرافا معينة لتتخذ من هذا التمويل وسيلة ضغط عندما يراد من هذه الأطراف تنفيذ سياسة معينة أو التوقيع على اتفاقية معينة. حيث تستخدم سلطتها على الأطراف التي تقع تحت تأثيرها نتيجة ذلك. فقطر لعبت دورا ظاهرا في ليبيا لصالح بريطانيا واستخدمت مسألة التمويل ومد المساعدة لمن يقبلها وقامت باحتضان رجالها أو تسهيل عملهم والترويج لهم عبر وسيلتها الإعلامية "الجزيرة"، وتفعل مثل ذلك في كل مكان.


حدد ليون تاريخ 2015/9/20 موعداً نهائياً لتوقيع الحل النهائي بين الأطراف، ولكن قبيل ذلك بيوم قام حفتر بعملية عسكرية في بنغازي مما جعل ليون ينتقد هذا العمل كأنه مقصود للاستفزاز ولعرقلة الوصول إلى الحل، وهذا ما كان، فتم وضع موعد نهائي آخر يوم 2015/10/20! ومعروف أن حفتر مدعوم أمريكيا، وحكومة طبرق واقعة تحت تأثيره، وهي تفاوض، وحفتر يعرقل التفاوض. فتستخدمه أمريكا لعرقلة الحل حتى تصل إلى مبتغاها.


لقد أظهر رئيس أمريكا أوباما قلقه وامتعاضه من الوضع في ليبيا أثناء خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة يوم 2015/10/1. وكان قد وجه اتهامات يوم 2015/4/18 (الإذاعة البريطانية) "لبعض الدول الخليجية بتغذية لهيب الصراع في ليبيا وحث هذه الدول على المساعدة في تهدئة الوضع السياسي الفوضوي فيها" وقال: "سيتعين علينا أن نشجع بعض الدول داخل الخليج التي أعتقد أن لها نفوذا على الفصائل المختلفة داخل ليبيا حتى تصبح أكثر تعاونا".

فأمريكا تواجه تحديا أوروبيا قويا في ليبيا بأدوات محلية وإقليمية. وقد عبر أوباما عن ذلك برسالة بعثها للكونغرس يوم 2015/2/23 قال فيها: "إن الوضع في ليبيا ما زال يمثل تهديدا غير عادي واستثنائيا للأمن والسياسة الخارجية للولايات المتحدة".


فأمريكا تدرك أن الوسط السياسي في ليبيا إنجليزي، ولذلك بذلت الوسع في عدم استقرار الوضع السياسي فيها إلى أن تتمكن من إنشاء طبقة سياسية تنازع الطبقة السياسية الأوروبية لتزيحها إن استطاعت أو تشاركها السلطة بفاعلية، فلجأت إلى خلط الأوراق عسكرياً، وكانت الخطوة الأولى أن تكلف رجلاً عسكريا بالتحرك بما يشبه الانقلاب ضد الوضع القائم الذي يهيمن عليه المؤتمر الوطني حيث الغالبية فيه لرجال أوروبا. وهكذا تحرك حفتر وسيرة حياته تنطق بولائه لأمريكا حيث أمضى حوالي عشرين عاما في ولاية فرجينيا الأمريكية، حيث "تدرب" على أيدي وكالة المخابرات المركزية، ولم يعد إلى ليبيا، إلا بعد ثورة 17 شباط/فبراير 2011، حيث لعب دوراً فيها خصوصاً في مدينة بنغازي معينا، ثم تحرك حفتر يوم 2014/5/16 فشن هجوما على مجموعات مسلحة وصفها بالإرهابية في بنغازي باسم عملية عسكرية أطلق عليها اسم كرامة ليبيا واستمر في مناوشاته وفق السياسة الأمريكية. ثم استمر بتعطيل أي وضع سياسي مستقر في ليبيا إلا بعد أن يكون له ولسيدته أمريكا، وقاومت بريطانيا لتحافظ على نصيبها الأكبر.


وهكذا أصبح في البلد حكومتان وبرلمانان! البرلمان الليبي في طبرق والمؤتمر العام في طرابلس، وكل منهما له قوة عسكرية! واستطاع حفتر أن يفرض نفسه على برلمان طبرق ليعتمدوه قائداً عاماً للجيش الليبي برتبة فريق، فأقسم رسمياً يوم 2015/3/9، وبذلك فإن حكومة طبرق تهيمن عليها أمريكا. لقد بدأ الاهتمام الأمريكي المباشر بما يجري في ليبيا مع إعلان حفتر لأول تمرد له يوم 2014/2/14 حيث صرح جون كيري في رسالة وجهها للشعب الليبي قائلا "كما تدعم الولايات المتحدة أيضاً جهود الجيش الليبي وهو يدرب مجندين جدد ويعمل على خلق جيش حديث يمثل ويحمي جميع الليبيين.. إن الولايات المتحدة توجه رسالة قوية حول أهمية شراكتنا مع ليبيا".


وأما المؤتمر العام وحكومة طرابلس فإن المؤثرين فيه يسيرون مع أوروبا وبخاصة الإنجليز، وشيء من فرنسا، ومع هؤلاء يوجد في المؤتمر رجال مسلمون بعيدون عن الإنجليز ولكن ينقصهم الوعي السياسي الكافي ما يجعل من السهل على الأطراف الأوروبية أن تأخذهم إلى الجهة التي تريد!


بعد صرف النظر عن التدخل العسكري بقرار من مجلس الأمن بسبب معارضة أوروبا القوية لذلك حيث صرح وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند في مؤتمر صحافي في الجزائر يوم 2015/2/19 "لا نعتقد أن عملا عسكريا يمكن أن يؤدي إلى تسوية المشكلة في ليبيا"، فقد وافقت أمريكا وأوروبا على القرار بالعمل على الحل التفاوضي لإيجاد حل سياسي للأزمة كل على طريقته! فأوروبا تريد من المفاوضات أن تنتج حلاً سياسياً بالسرعة الممكنة لأن الوسط السياسي في غالبه معها؛ فأي حل يديره الوسط السياسي سيكون في صالحها، وأما أمريكا فهي قد وافقت على المفاوضات لأنها لم تستطع أن توجد مدخلاً للتدخل العسكري، ولأنها تفتقر إلى الوسط السياسي في ليبيا، لهذا فهي تعمل على ابتداع أساليب للتعطيل، فإذا اقتربت المفاوضات من الوصول إلى حل فإنها تفسدها بأعمال عسكرية كغارات من الطيران أو استعمال المضايقة الاقتصادية مثلما حدث عندما طلبت حكومة طبرق من الشركة الوطنية للنفط عدم تحويل عائدات النفط إلى البنك المركزي كما نشر يوم 2015/4/6. وجميع هذه الأمور تؤثر سلبياً في استمرار المفاوضات بشكل منتج، ومن ثم توفر مهلة إلى حفتر ليوجد مرتكزاً مؤثراً له يمكنه من تشكيل وسط سياسي فاعل. وهكذا تنتقل المفاوضات من الصخيرات إلى جنيف، وبالعكس دون حسم، وذلك لأن الحوار ليس بين أهل ليبيا، بل حقيقته بين الاستعمار القديم والاستعمار الجديد وفق مصالحهم هم دون اكتراث بمصالح أهل البلد!


إن الطرفين الأمريكي والأوروبي مستمران في لعبة شد الحبل، فهما كفرسي رهان لم يستطع أي منهما حسم الأمر لصالحه بل يحتاجان إلى مناورات خبيثة لاحقة يتنافسان فيها على امتصاص دماء أهل ليبيا وثرواتهم مستخدمين عملاء محليين وإقليميين لا يخشون الله ورسوله والمؤمنين.


ونقلت رويترز عن دبلوماسي أوروبي قوله "العقوبات عادت إلى جدول الأعمال. خيار عقوبات الأمم المتحدة سيكون أفضل لكن إذا لم نتمكن من تنفيذ هذا يمكننا عمل ذلك من خلال الاتحاد الأوروبي. سنضطر في مرحلة ما لبحث من الذي تنطبق عليه الشروط لفرض العقوبات.." وقال "نحن في وقت أزمة ونحتاج لأن تتخذ القيادة السياسية قرارات سياسية حتى ينجح الوفاق الدولي، الذين يمنعون هذا من الحدوث يجب أن يروا أنه ستكون هناك عواقب" وقد بحث الدبلوماسيون الأوروبيون على مستوى الاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم 2015/10/20 فرض عقوبات على المعرقلين لتنفيذ خطة ليون، ومن المرجح أن يبحث وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم 2015/11/15 هذا الموضوع. ولهذا سيلجأ الاتحاد الأوروبي إلى فرض العقوبات على أطراف يعتبرها معرقلة للحل، ولن يتوقف عن محاولاته لفرض الحل، سواء بواسطة ليون أو القادم من الأمم المتحدة الذي سيستأنف من حيث انتهى ليون، والطرفان قد وافقا على الحل السياسي وقد استبعد الحل العسكري. ولهذا ستستمر أمريكا في كسب الوقت لكسب المزيد من العملاء حتى تتوقف عن عرقلته بطرقها التي ذكرناها فتوجد لها طبقة سياسية قادرة على مسك السلطة منفردة أو مشاركة بفعالية على الأقل فتقبل بتطبيقه. وأوروبا ستستمر في لعبتها بالإسراع بتطبيق الحل والمحافظة على نفوذها في ليبيا وتعزيزه بواسطة العملاء المحليين والإقليميين.


ولكن أهل ليبيا جلهم مسلمون وقد كسروا حاجز الخوف وثاروا على عميل الغرب الطاغية القذافي، فسوف ينقضون على هؤلاء العملاء عندما يزداد الوعي لديهم ويدركون مدى حجم التآمر عليهم من قبل الدول الاستعمارية والإقليمية التابعة لها، وقد خدعتهم بذريعة التدخل للتخلص من القذافي التي انتهت صلاحيته لديها وما تدخلت إلا للحفاظ على النفوذ الغربي فيها ومنع تحرر ليبيا من قبضته ومن ثم بذريعة استعادة الأمن والسلم وتحقيق المصالحة والاتفاق بواسطة خطة ليون. وسوف يعودون بإذن الله للمطالبة بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة المنقذة لهم من دوامة الصراع التي وقعوا فيها.

بقلم: أسعد منصور

 

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع