- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2015-11-18
جريدة الراية: نظرة على تفجيرات الضاحية الجنوبية لبيروت
لا بد من نظرة هادئة واعية للوقوف على أبعاد التفجيرين في الضاحية الجنوبية لبيروت المعروفة بمعقل حزب الله. من السهل الانجرار وراء التنديد والاستنكار لقتل المدنيين "الأبرياء" كما من السهل التبرير لمن قام بالتفجير بأنه يأتي من باب "السن بالسن والبادئ أظلم"، وأنه لولا ولوغ حزب الله في دماء المسلمين الأبرياء في سوريا لما وقعت هذه التفجيرات.
الوقائع تنطق بأن حزب الله اصطف إلى جانب بشار الأسد في قمع انتفاضة الشعب في سوريا المطالب بإنهاء الحكم البعثي النصيري العلماني الذي سام البلاد والعباد أصناف العذاب والقهر والقمع فضلا عن حكمه بشرائع الكفر، فهو ليس له أدنى صلة لا بكربلاء ولا بالحسين ولا بما يسمى بمحور المقاومة والممانعة بعد سقوط النظام الإيراني في وحل الاتفاق النووي مع الشيطان الأكبر.
والوقائع تنطق بأن هناك توجهاً عند غلاة المتنطعين الذين لا يبالون بتكفير هذا وذاك من المسلمين ليس فقط على مستوى الأفراد بل على مستوى الجماعات والطوائف سنة كانوا أم شيعة، بمن في ذلك بعض الفصائل التي كانت بالأمس القريب من "إخوة المنهج" قبل أن ينقلبوا إلى "مرتدين" و"صحوات" أهدرت دماؤهم بعد رفضهم الدخول في طاعة الأمير المبايع.
ومع أنه من السهل الانزلاق في متاهات التفاصيل إلا أن القبض على حقائق الأمور يقتضي توضيحها أولا. ولقد سبق أن صدر عدد من التصريحات للقادة والساسة الأمريكان أقروا فيها بأن منظومة "سايكس بيكو" استنفدت أغراضها وفقدت مفاعيلها، وهي التي وضعت أصلا لخدمة مصالح فرنسا وبريطانيا، وأن الحاجة ماسة إلى فرض مزيد من التفتيت العرقي والطائفي والقومي للقضاء على أي فرصة بقيام دولة الخلافة التي تجمع شمل المسلمين وتستعيد قوتهم بوحدتهم. وأفضل سبيل لفرض هذا الواقع الجديد هو بجعل أهل المنطقة يطالبون به، وهذا يقتضي إشعال سلسلة طويلة من النزاعات والحروب والخصومات التي تستولد الأحقاد والكراهية، وطبعا تحت شعارات تضفي "الشرعية" عليها.
وقد كرر المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية مايكل هايدن هذه السياسة الأمريكية مرتين الأولى في مقابلة مع صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية في تموز 2015 والثانية في مقابلة مع قناة العربية في آب 2015 ومما جاء في تصريحاته مع لوفيجارو: "لنواجه الحقيقة: العراق لم يعد موجودًا ولا سوريا موجودة، ولبنان دولة فاشلة تقريبًا، ومن المرجح أن تكون ليبيا هكذا أيضًا". إن اتفاقيات سايكس بيكو التي ظهر بمقتضاها هذان البلدان لم تقسم المنطقة وفقا لواقعها الطائفي والعرقي، وإن المنطقة بما تشهده من أحداث عنف وحروب مأساوية، تتجه ذاتيا إلى الانقسام وفقا لهذا الواقع الذي كان على الدول الأوروبية واضعة اتفاقية سايكس بيكو أن تتنبه إليه في الحين. وختم بخلاصة هي: أن الأحداث الجارية الآن تؤكّد حقيقة فشل اتفاقية سايكس بيكو في تقسيم المنطقة على نحو "سليم" ومستقرّ، في إشارة إلى أن التقسيم كان ينبغي أن يكون على أساس طائفي وعرقي، حتى لا تنفجر مثل هذه الصراعات المحتدمة اليوم، ويعتبر أن خارطة سايكس بيكو بحاجة إلى تغيير بخارطة جديدة أساسها طائفي أو عرقي وذلك لمنع مزيد من الاقتتال والاحتراب في الشرق الأوسط. وأوضح أن المنطقة ستبقى في حالة عدم استقرار في السنوات العشرين أو الثلاثين القادمة، معتقدا أن السياسة الهادفة إلى إحياء هذه الدول لن تكون مجدية". (راجع العدد 39 الراية - 2015/08/19).
وهكذا نفهم ليس فقط فصل جنوب السودان عن شماله، بل العمل الجار على فصل دارفور وكردوفان عنه، كما نفهم الحاجة إلى صب الزيت على نار الاقتتال بين الأكراد والأتراك، وبين السنة والشيعة، وبين العرب والكرد، وبين الحوثيين والقبائل، وبين رايات شتى تُصطنع حيث يلزم في ليبيا ومصر ولاحقا تركيا والخليج بل وإيران (كما سمعنا مؤخرا عن تحرك القومية الآذرية التركية ضد القومية الفارسية). وبينما يسبح المسلمون في دمائهم، إن كان في اقتتالهم فيما بينهم أو على أيدي التحالف الاستعماري الدولي، فإن يهود قابعون مطمئنون يدنسون مسرى النبي ﷺ دون أن يعكر صفوهم شيء اللهم إلا حجارة وسكاكين الأحرار في بيت المقدس.
في 2012/12/16 توجه نصر الله بالخطاب للقاعدة محذرا من أن الأمريكيين والدول الأوروبية وبلادا عربية وإسلامية نصبت فخا للتنظيم في سوريا، حيث فتحت له ساحة قتال كي يأتي مقاتلوه من أنحاء العالم ليلقوا حتفهم ويقتلوا بعضهم البعض. ولكنه، وبعد التكليف الشرعي الذي وجه إليه من قادة طهران، قرر الانخراط في "الفخ" إلى الآخر وطبعا تحت شعارات لبيك يا حسين ولبيك يا زينب وغيرهما، ولم يتوقف ولا للحظة أمام حقيقة أن نظام بشار هو الذي فرض "الحل الأمني" وعمل على "عسكرة" الانتفاضة الشعبية السلمية.
ففي 2012/12/17، وضع فاروق الشرع النقاط على الحروف في مقابلته مع جريدة الأخبار اللبنانية حين ذكر أنه "في بداية الأحداث كانت السلطة تتوسل رؤية مسلح واحد أو قناص على أسطح إحدى البنايات"، وأن إصرار الأسد على "رغبته بحسم الأمور عسكرياً حتى تحقيق النصر النهائي، وعندها يصبح الحوار السياسي ممكناً على أرض الواقع". كان وراء إلغاء هيئة الحوار الوطني التي كلف الشرع من خلالها بالبحث عن حل سياسي، "الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى الإجهاز على الحوار السياسي وفتح الباب على مصراعيه لحوار الرصاص والمدافع".
نعم آن الآوان أن ندرك أن حقيقة الصراع الدائر في المنطقة هو إصرار الأمة على الانفكاك من قيود التبعية للاستعمار الغربي بتحطيم قيود سايكس بيكو وهدم النظم التي فرضتها أوروبا لا للإتيان بنظم عميلة لأمريكا وإنما للعودة إلى استئناف الحياة الإسلامية تحت كيان الخلافة الإسلامية الراشدة على منهاج النبوة التي تجمع شمل المسلمين جميعا فتوحد صفوفهم في حياتهم اليومية تماما كما توحد صفوفهم في صلاتهم وصيامهم وحجهم حين يتوجهون إلى رب واحد على صعيد واحد وقبلة واحدة وشريعة واحدة وكتاب واحد ونبي واحد، مهما تباينت الاجتهادات الفرعية ضمن هذا الإطار، فلا يضيرهم تعدد الاجتهادات الفقهية التفصيلية متى توحدت عقيدتهم في أساسها القطعي، القائم على ما هو قطعي الثبوت وقطعي الدلالة الذي لا جدال فيه، وليس في اجتهادات ظنية تفتح الباب للتكفير والتفسيق وهدر دماء المسلمين التي شدد رسول الله ﷺ على عظم حرمتها في خطبة حجة الوداع بقوله «لا تَرْجِعُوا بَعْدي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ». متفق عليه.
طال الزمن أم قصر لا مناص من العودة إلى هذه الحقيقة القطعية فنعمل جميعا على الاعتصام بحبل الله عازمين على تطبيق شريعته ونبذ شرائع الطواغيت أيا كانت، مع الوعي التام على خطط الاستعمار الهادفة إلى تحطيم الأمة والإمعان في سفك الدماء، والسبيل إلى ذلك يكون أولا بنبذ الحكام العملاء وأدواتهم من القادة السياسيين الذين يعقدون الصفقات مع قادة الاستعمار ثم يوعزون لأذنابهم من الجهلة ليوجدوا المبررات للسير في تنفيذها.
﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾
بقلم: عثمان بخاش
مدير المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المصدر: جريدة الراية