السبت، 28 محرّم 1446هـ| 2024/08/03م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!
جريدة الراية: روسيا ومتاهة البحث عن المجد المفقود

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

Raya sahafa

 

2017-01-25

 

جريدة الراية: روسيا ومتاهة البحث عن المجد المفقود

 

 

 

منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وحتى الآن لم تتوانَ روسيا عن خوض محاولات مضنية لإيجاد موطئ قدم دولي لها إلى جانب أمريكا لملء المقعد الشاغر الذي خلّفه غياب السوفيات، لكنّ ساستها لم يُدركوا حقيقة أنّ روسيا الاشتراكية هي غير روسيا الرأسمالية، فالأولى كانت صاحبة مبدأ وإنْ كان فاسداً، بينما الثانية مجرد دولة مجرورة تتبع الرأسمالية العالمية مهما حاولت أنْ تتمايز عنها.

 

لقد حاول الرئيس بوتين أنْ يجمع الروس حول الرابطة الوطنية الروسية باعتبارها البديل الحقيقي عن الفكر الشيوعي، وسعى لإظهار روسيا كإمبراطورية كبرى تُناطح أمريكا دون الالتفات إلى المبدأ، ولكنّه لم يُفلح في ذلك، فروسيا تتكون من عشرات القوميات غير الروسية، وكثير من شعوبها من أصول تركية وإسلامية ولا تمتّ بصلة للروس ولا لروسيا، وقد تراجع عدد سكان روسيا خلال العقد الماضي بحوالي 10 ملايين نسمة، وإذا استمرت الحال على هذا المنوال فإنّ نسبة الروس الأصليين ستتناقص بحدّة وبالتالي فمن المُتوقع أنْ تكون الأغلبية السكانية في روسيا من غير الروس.

 

وروسيا بعد فقدانها للمبدأ الشيوعي لم يعد لديها شيء تُقدّمه للبشرية، والرأسمالية التي عندها هي نموذج مسخ ومتخلف عن الرأسمالية الغربية، فلا تصلح للتصدير، وأمّا اقتصادها فهو في حالةٍ يُرثى له، فهي لا تملك قدرات اقتصادية مُتميزة، أو سلعاً وخدمات يحتاجها الآخرون، أو فائضاً من الأموال يُساعدها في إيجاد نفوذ سياسي لها في الدول الأخرى.

وقد أظهر تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" كيف قصمت أسعار النفط المتدنية والعقوبات الغربية ظهر الاقتصاد الروسي، ما دفع البنك الدولي في نيسان/أبريل الماضي إلى التحذير من أن معدل الفقر في روسيا يتصاعد بحدة، متوقعاً وصوله إلى 14.2% في 2016.

 

وتعتمد روسيا بشكل كبير على عائدات النفط التي تقلصت منذ بدء موجة النزول في أسعار النفط منتصف العام 2014، ففي 2015 شكلت صادرات النفط والغاز حوالي 43% من إيرادات الحكومة الروسية، من جهةٍ أخرى فقد أدّت العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بسبب القرم في 2014 إلى إلحاق الضرر بالقطاع المالي وقطاعي الطاقة والدفاع في روسيا.

 

وهوى الاحتياطي الروسي الذي يفترض به أن يحصن البلاد في زمن الأزمات بـ 45% منذ أيلول/سبتمبر 2014، نتيجة العجز المتواصل الذي تسجله الحكومة، حتى إن وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف أعلن أن احتياطي البلاد يتآكل شيئا فشيئاً، محذّراً من أنه قد ينفد كلياً بحلول عام 2017، وكشف المسؤول الروسي أن بلاده قد تلجأ إلى السحب من احتياطيات مالية أخرى كصندوق الثروة السيادي المخصص بشكل رئيسي لتغطية المعاشات، والذي تزيد قيمته عن 73 مليار دولار، حيث بدأت الحكومة فعلياً باستخدام أمواله في الإنفاق على مشاريع البنية التحتية وتدخلاتها لإنقاذ البنوك المحلية من الإفلاس.

 

أما العملة الروسية (الروبل) فقد هوت بحوالي 50% مقابل الدولار منذ آب/أغسطس 2014، وهذا الوضع الاقتصادي الصعب أوجد ضغوطاً أثّرت على مستوى المعيشة في سائر روسيا، لأنّ الروبل الضعيف يعني تكلفة أعلى للواردات، هذا بالإضافة إلى إنفاق روسيا أموالاً إضافية على المجازر التي ارتكبتها في سوريا، فبحسب نيويورك تايمز صرفت روسيا 482 مليون دولار حتى الآن لدعم نظام الأسد عسكرياً.

 

الشيء الوحيد الذي تبقّى لروسيا من أيام الاتحاد السوفياتي هو القوة العسكرية، وهو الشيء الوحيد الذي بمقدورها أنْ تُتاجر فيه، أو تستخدمه في تحقيق أهداف سياسية لها أو لغيرها كما هو حاصل في سوريا اليوم، فروسيا قبلت أنْ تكون مُتعهداً عسكرياً لأمريكا في سوريا للحفاظ على نظام الطاغية بشّار التابع لأمريكا، وهي تُدرك أنّ سوريا منطقة نفوذ أمريكي، وتُدرك بالتالي أنّها تعمل فيها لتحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة.

 

إن حلم روسيا بأن تعود دولة كبرى لها تأثيرها في الساحة الدولية جعلها تقبل بأنْ تعمل على تحقيق مصالح أمريكا وتنفيذ سياساتها من دون تدبر ولا تفكير، فما تقوم به روسيا من تأمين لمصالح الدولة الأولى بدلاً من تهديدها يُعتبر انتحاراً سياسياً وغباءً سياسياً في آنٍ واحد، فساسة روسيا لم يُدركوا بعد خطورة استخدام أمريكا لهم لتحقيق مصالحها، فظنّوا مخطئين أن روسيا بهذا العمل قد عادت بقوة إلى الساحة الدولية، وأنّ نجاحها في سوريا قد يفتح الباب أمامها للعمل في مناطق أخرى تابعة للنفوذ الأمريكي كليبيا واليمن ومناطق شرق آسيا، بينما أمريكا التي من طبعها أنها لا تحترم من يخدمها، لمْ تُلقِ بالاً لهذه الخدمات الروسية، فأوباما قد فرض على روسيا في أواخر حكمه المزيد من العقوبات، ووصف اقتصادها بأنّه لا يتطور، فلا يوجد ما يدل على أنّ أمريكا تحترم روسيا لفعلها هذا، بل لا يوجد ما يدل على أنّ ترامب قد يُكافئ روسيا على خدماتها لها بأكثر ممّا فعله أوباما، فأمريكا دولة مؤسسات وتعاملها مع الخارج لا يختلف بين رئيس ورئيس، فسياسات أوباما الخارجية تُمهّد لإدارة ترامب لإكمال ما لم يتمّ إنجازه.

 

وهكذا نجد أنّ بحث بوتين عن مجد روسيا المفقود هو نوع من البحث الأسطوري يُشبه البحث عن خاتم سليمان السحري في زمنٍ بطل فيه السحر!

 

بقلم: أحمد الخطواني

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع