- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2022-06-29
جريدة الراية: العمل السياسي بين مبدئية الإسلام
وتنازلات المبدأ الرأسمالي
نشأت فكرة التسوية (التنازلات) بعد صراع دموي طويل في أوروبا، انتهى بتسوية تاريخية منعت الحسم بين حكم الدين وحكم الإلحاد، حيث تمت الاستعاضة عنهما بالعقيدة العلمانية، ومن العلمانية نشأت فكرة أن يشرع الشعب لنفسه، فدخل الرأسماليون إلى الحكم وسيطروا عليه تمام السيطرة.
وبهذا نشأ المبدأ الرأسمالي والنظام الرأسمالي (الحل الوسط) والعقيدة العلمانية، وصارت فكرة التسوية نمطاً أساسياً في التعاطي مع عقد الحياة، سيما في حل النزاعات. وأصبحت التنازلات من المسلمات عند أهل النظام الرأسمالي وعملائهم، بل يرونها ضرورة من ضروريات العمل السياسي، ففي 18 نيسان/أبريل 2021 صرح القيادي بحركة النهضة التونسية عبد اللطيف المكي للشرق الأوسط، استعداد حزبه لتقديم تنازلات لحل الخلافات المتواصلة بين رأسي السلطة التنفيذية والأفرقاء السياسيين في البلاد، في إطار ما يتفق عليه المجتمع السياسي وأركان الدولة التونسية، وقال المكي إن الاتفاق بين مختلف الأطراف السياسية لن يكون إلا عبر تنظيم الحوار الوطني. كذلك عندما وصل الإخوان المسلمون في مصر إلى سدة الحكم بعد قيام ثورة 25 كانون الثاني/يناير، وفي أول خطاب لمحمد مرسي كما أوردت بوابة أخبار اليوم، أكد فيه للعالم كله أن مصر ملتزمة بجميع الاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية كامب ديفيد، فبعد أن كان شعارهم (خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود) اعترفوا بهذا الكيان المسخ ليعيشوا معه في سلام دائم شامل كما جاء في اتفاقية كامب ديفيد!
إن أمر التسوية والتنازلات يظهر جليا عندنا في السودان، فحمدوك بعد الانقلاب عليه عاد رئيسا للوزراء تحت ظل حكم عسكري، وها هم قوى الحرية والتغيير الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بخيانة العسكر، وولوغهم في دماءِ الشهداء، وانقلابهم على حكم ديمقراطي، فقالوا في العسكر ما لم يقله مالكٌ في الخمر، وأنهم لن يضعوا أياديهم في أيدي العسكر، فلا حوار ولا تفاوض ولا شراكة، مع القتلة، كان هذا شعارهم وقد صرح وجدي صالح، المتحدث الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، في مقابلة مع قناة الجزيرة في 2022/01/10 وهو من المشاركين اليوم في المفاوضات مع العسكر، بجانب ياسر عرمان، والواثق البرير طه عثمان من الشق المدني، قال بالحرف الواحد: "لن نفاوض بجانب الانقلابيين لإقامة شراكة جديدة فهذا غير ممكن"، ولم يقتصر ذلك على الشق المدني فحسب، بل حتى عسكر السودان، ومنهم محمد حمدان دقلو نائب رئيس المجلس العسكري، فقد أورد موقع عربي بوست في 2021/09/25 تصريحا له يقول فيه: "لن نجلس معهم أي المكون المدني بمجلس السيادة، في اجتماع مرة أخرى".
هذا هو حال السياسيين الذين يتبنون النظام الرأسمالي الذي لا وجود فيه للمبدئية والثبات، بل يتشكلون حسب الواقع فيعيشون حالة فوضوية دائمة، أما في الإسلام فالمبدئية واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وقد ضرب رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام أروع الأمثلة في ذلك الثبات، فقد وعدته قريش بكثير من المغريات لكنه رفض أية مساومة وأية تسوية، فقد جاء إليه عتبة بتفويض من قريش وعرض عليه: "إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد به شرفاً سوّدناك علينا، حتى لا نقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا؛ وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه". وحوصر في شعاب مكة فلم يفت ذلك في عضده ولا قيد أنملة، وكذلك أسيادنا الصحابة الكرام أمثال بلال وعمار وأمه سمية والكثير غيرهم رضي الله عنهم أجمعين، تعرضوا لأذى عظيم من قريش ولكن لم يتنازلوا ولم يقبلوا بأية مساومة مهما كان الثمن فهؤلاء قد تربوا على المبدئية وعدم التنازل.
وقد أورد المؤرخون أن أول اتصال بين هرتزل رئيس الجمعية الصهيونية، والخليفة عبد الحميد الثاني رحمه الله، بعد وساطة قام بها سفير النمسا في إسطنبول، في 19 أيار/مايو 1901، وعرض هرتزل على عبد الحميد توطين اليهود في فلسطين، وفي المقابل سيقدم اليهود في الحال عدة ملايين من الليرات العثمانية الذهبية كهدية ضخمة له، وسيقرضون الخزينة العثمانية مبلغ مليوني ليرة أخرى، وقد كانت الدولة العثمانية وقتذاك مثقلة بالديون وكانت خزانتها شبه خاوية، ورغم ذلك كان رد عبد الحميد الثاني قاطعاً لا هوادة فيه ولا تنازل، فقد أشار المؤرخون إلى أنه رد قائلا: "انصحوا هرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين، فهي ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية، ولقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت دولة الخلافة يوما فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن ولكن التقسيم لن يتم إلا على أجسادنا".
واليوم ها هم شباب حزب التحرير يلقنون الحكام وزبانيتهم دروسا بالغة في الثبات على الحق، رغم ما يلاقونه من تعذيب أفضى إلى الموت أحياناً، وبعضهم يسجنون بالسنين الطوال، ولا يفت ذلك في عضدهم، بل لا يزيدهم هذا البلاء إلا ثباتا ورسوخا وإقداما... هذه هي مواقف العزة التي يصنعها الإسلام لأنه يملك عقيدة عقلية تجعل من يعتنقها ثابتا راسخا رسوخ الجبال الراسيات.
فلا شك أن العمل السياسي على الأساس الرأسمالي هو الذي يشل حركة الأمة الإسلامية ويقعدها عن النهوض، ويبقيها تدور في حلقة مفرغة، ترهن قرارها وإرادتها وثرواتها ومستقبلها لعدوها الكافر الغربي الرأسمالي المستعمر. أما العمل السياسي على أساس مبدأ الإسلام العظيم فهو ضمانة التغيير والتحرير والنهضة، بل وإشعاع الخير للإنسانية جمعاء، فهلم أيها المسلمون لخيري الدنيا والآخرة.
بقلم: الأستاذ عبد الخالق عبدون علي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
#بالخلافة_نقتلع_نفوذ_الكافر
المصدر: جريدة الراية