الإثنين، 23 محرّم 1446هـ| 2024/07/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

Al Raya sahafa

 

2023-09-20

 

 

جريدة الراية: ﴿وَلَكِنَّ اللَّه أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾

 

 

 

لما كان المسلمون كيانا واحدا تحت راية واحدة ودولة واحدة كانت كلمتهم واحدة وقرارهم واحدا، يصدرون رأيهم بوصفهم أمة ويتمثلون قول النبي عليه الصلاة والسلام: «إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»، ولذلك لم يكن عجبا أن يقوم الخليفة في بغداد بفتح عمورية لأن امرأة استغاثته وطلبت نجدته، وليس طارئا أن يأتي رجل مثل صلاح الدين من حلب وحمص ليقود جيشا فيحرر فلسطين من دنس عباد الصليب، فالأمة أمة واحدة، وعقيدتها ودينها ونبيها عامل جمع لا عامل فرقة.

 

إلا أن الكافر المستعمر لما أدرك هذه المعادلة أراد أن يجعل قيمة الوطن وحب الوطن والدفاع عنه أعلى من قيمة وحدة الأمة، بمعنى أنه أراد جعل الرابطة الوطنية أعلى من الرابطة العقدية، وأنشأ لذلك جماعات لتكون ناطقة باسم الوطن وأهله، فالدفاع عن الوطن محصور بهذه الجماعات، والمفاوضات والتنازلات محصورة بها أيضا. ولنأخذ مثلا لذلك قضية فلسطين؛ فقد جعلتها بريطانيا ومن بعدها أمريكا قضية أهل فلسطين بحيث أراد الكافر المستعمر أن يجعل الرابطة التي يجتمع عليها أهل فلسطين هي الرابطة الوطنية مع أنه لما أخذ فلسطين مثلا لم يأخذها من أهلها بل تسلمها من حكام المنطقة وجرى التنازل عنها من غير أهلها، بل ممن لا يملك من فلسطين شيئا، فهو أي المستعمر لما أراد تسليم فلسطين ليهود تسلمها بتواطؤ من دول جوار فلسطين وليس من أهلها، ولما أراد المسلمون الدفاع عنها وتحريرها جعل القضية برمتها قضية أهل فلسطين.

 

إن المسلمين لا يصح أن يتصرفوا إلا بوصفهم أمة، وإذا تخلوا عن هذا الوصف كانوا كغثاء السيل لا وزن لعددهم ولا لعتادهم، تنتقص بلادهم من أطرافها، ويكون كيان هش مثل كيان يهود دولة تؤثر في الموقف الدولي، وما ذلك إلا لأن كيانهم يتصرف بوصفه دولة، والمسلمون لا يكاد يجمعهم شيء.

 

قبل 75 عاما، أي مع تسليم الجزء الأول من فلسطين، قامت أمريكا بإنشاء ما يسمى لجنة التوفيق وهي لجنة تابعة للأمم المتحدة هدفها التوفيق بين الدول العربية ويهود، قامت حينها أمريكا بإنشائها بمعاونة فرنسا وتواطؤ تركيا، مدعية أن هدف اللجنة في النهاية إقامة دولة فلسطينية وجعل القدس تحت حماية دولية، والحماية هنا ليس المقصود منها إلا أن تعود القدس تحت حكم الصليب، وهذا الأمر لا يكون إذا بقيت القدس عند الأمة الإسلامية قضية أمة، لذلك قامت أمريكا وأنشأت ما يسمى منظمة التحرير لهذا الغرض، فمن جهة تريح الحكام على الأقل أمام شعوبهم وتجعل الناطق الحصري باسم فلسطين والقيّم على أهلها هي هذه المنظمة، ومن جهة أخرى تكون قد انتزعت القضية من وصفها الأصيل كونها قضية إسلامية إلى قضية وطنية فصائلية.

 

لقد حرص الغرب الكافر بعد أن هدم الخلافة على إبقاء الأمة ممزقة مشاعريا فوق كونها ممزقة جغرافيا وأبقى كل ملف يفتحه بيد أهله أو جزء من أهله، فإذا استعمر الجزائر أو ليبيا فإن أهلها هم المعنيون بتحريرها، وإذا استعمر فلسطين فكذلك الأمر، فالقضية قضية أهل فلسطين بل قضية الفصائل التي أنشئت لهذا الغرض، وإذا استوت القضية وحان توقيع أي هدنة أو اتفاق انبرت هذه الفصائل للتوقيع، وحينها يقال إن أهلها هم من وقع أو تنازل!

 

إن الأمة الإسلامية يجب أن تتناول كل قضاياها بوصفها أمة إسلامية فتعتبر قضية فلسطين قضيتها لا قضية لدولة جارة، ومع أن هذا حاصل على الحقيقة إلا أن من جيء بهم من الحركات والمنظمات تصرف الأمة عن العمل الحقيقي لتحرير فلسطين، فنحن عندما نخاطب الجيوش لتقوم بواجبها تجاه الأقصى وفلسطين، يقوم ناعق القوم ليقول لا حاجة لنا بالجيوش فإن أهل فلسطين والفصائل المقاتلة في فلسطين تستطيع تحريرها! ولا أدري كيف تستطيع تحريرها وهي تحت رحمة الاستعمار! وليس لهذا الكلام من تفسير إلا كون هذه الحركات الوطنية أنشئت لفصل الأمة مشاعريا عن قضاياها كما جرى فصلها جغرافيا بعد هدم الخلافة باتفاقيات سايكس بيكو.

 

إن الأمة اليوم وهي تتعرض لهجمة شرسة على دينها وعقيدتها ووحدة أفكارها ومشاعرها نراها والحمد لله قد عادت واحتوت مشاعرها وأفكارها وبدأت تتلمس طريق النهضة من جديد لتعود سيرتها الأولى، ولم يبق إلا أن تعود تحت كيان واحد ودولة واحدة فتحكّم القرآن في كل شؤون حياتها وليس ذلك إلا بالخلافة، وإن عمل الحكام فيها لم يزدها إلا قوة وصلابة، فهي اليوم أصبحت تعتبر قضاياها واحدة فقضية الشام هي قضية أهل الأردن وأهل مصر والجزائر، وقضية فلسطين هي قضية كل مسلم موحد في أقاصي الأرض. وبخاصة بعد أن تبين للناس عقم الحلول التي يقدمها الغرب الكافر وأذنابه، وإن عظم البلاء الذي يلف الأمة من كل جانب قد ميز الخبيث من الطيّب والغث من السمين، فتحقق فيهم قوله سبحانه: ﴿لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾، وبالنسبة نفسها يفرق الله بين أهل الكفر فتراهم يضرب بعضهم رقاب بعض فيقتتلون في أوكرانيا، وينقلب بعضهم على بعض في أفريقيا حتى اقتربوا من حرب كسر عظم ربما قادتهم إلى حرب فعلية، فما كادوه لهذه الأمة في ليلهم ونهارهم سينقلب عليهم، والكأس الذي أسقوه لأمة الإسلام سيشربون منه لا محالة وإن غدا لناظره قريب.

 

 

بقلم: الأستاذ أبو المعتز بالله الأشقر

 

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع