- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2023-09-27
جريدة الراية: الصراع الدولي على أفريقيا
لا شك أن أفريقيا بما تملكه من عناصر القوة المادية والموارد الهائلة التي يسيل لها لعاب الشركات العالمية والدول الطامعة وهي الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا، تجعل هذه الدول تدخل في صراع حتمي حدّ كسر العظم ولا يقبل القسمة على اثنين إلا في حالة واحدة وهي حالة الضعف التي تنتاب المستعمرين والتي هي من السنن الإلهية الحتمية، ومحاولة أهل الأرض استعادة حقوقهم ومكانتهم بين الأمم ونظرتهم لهؤلاء المستعمرين، ما يستدعي من الدول الاستعمارية حتى لا تفقد مكتسباتها في هذه الكعكة الأفريقية أو في أي مكان في الأرض، حينها تلجأ للمهادنة والاقتسام فيما بينها وربما تزيد حصة الفتات الذي كانوا يعطونه لهم، ولكن هذه الحالة دائماً تكون مؤقتة وليست دائمية.
أفريقيا تعرضت لموجات استعمارية من الأوروبيين على مر خمسة قرون مضت، وتعرضت شعوبها للاضطهاد والتهجير والاستعباد والنهب المستمر، ولم يستثن شبر واحد من أفريقيا إلا وغزته جحافل الأوروبيين واستعمرته، وركزت شركاتهم في تلك الأرض التي يحتوي باطنها على مليارات الأطنان من كل المعادن (البترول والغاز والمنغنيز واليورانيوم والتيتانيوم والبوتاس والفوسفات والحديد والزنك والذهب والألماس وما لم يكتشف بعد)... خيرات لا يعلم بوفرتها إلا الله سبحانه وتعالى، لو استَغلت القارة السوداء عُشر ما فيها فقط لعاش سكانها رغد العيش ولاستغنوا عن شعوب الأرض، ولكنها تجري على شعوب هذه القارة ما يجري على غيرها من سننٍ إلهية لم تأخذ الشعوب بها، وهي أن تأخذ زمام المبادرة باستعادة إرادتها والتضحية في سبيل ذلك، لكن تلك الشعوب سلمت إرادتها لقيادات وأحزاب فاسدة صنيعة المستعمر وربيبته على مر العصور، ولا زالت هذه القيادات تتغير وتتلون مع ارتباطها بالمستعمرين تتسيد المشهد السياسي فتجري مسرحيات هزلية في النفير الشكلي وغير الحقيقي بما يتناسب مع سياسات المستعمرين، والشعوب تتقلب في تلك المسرحيات والسيناريوهات ظناً منها أن القادم أفضل وخير وما هو إلا سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء!
إن الانقلابات التي جرت ولا زالت تجري في أفريقيا في معظمها هي نتيجة حتمية لصراع القوى الكبرى على هذه القارة السمراء، وقد اشتد في الآونة الأخيرة ومنذ عشر سنوات في مالي وبوركينافاسو والنيجر والغابون، أي دول الإكواس التي ترأستها نيجيريا الدولة الكبرى في هذا التجمع الاقتصادي، والذي تم التعديل بميثاقه بحيث يحق له التدخل في حالات الانقلابات على القانون وتعرض هذه المجموعة للاضطراب وعدم الاستقرار والشرعية المنتخبة ديمقراطياً كما يحلو لهم أن يقولوا.
ما جرى أخيرا في النيجر والغابون من انقلابين عسكريين نجد أنهما تشابها في طبيعة الانقلابيين وهم الذين انقلبوا على رئيسين تم انتخابهما واستلامهما السلطة بعد عملية انتخابية لم تمكنهما من الجلوس على كرسي السلطة، والثانية أن الذين قاموا بالانقلاب يعتبرون من داخل القصر الرئاسي أي الحرس الجمهوري، لكن الاختلاف في طبيعة الانقلابين؛ ففي النيجر كان الانقلاب داخليا بين رجال أمريكا ولصالحها طبعا، لذلك نجد أنها معه وليست ضده وإن كانت مطالباتها بالعودة للديمقراطية والدستور، وخلال مدة قصيرة والضغط على دول الإيكواس بالجلوس للحوار مع الانقلابيين وعدم استخدام القوة، وهو ما لا تستطيعه هذه الدول للانقسام بينها في طريقة التعامل مع انقلاب النيجر، ثم للإجراءات التي اتخذها الانقلابيون حيث دفعوا الشارع للتحرك ومحاصرة القاعدة الفرنسية ووضعها تحت الحصار الشديد ومطالبة السفير الفرنسي والقوات الفرنسية بالرحيل، وما مماطلة فرنسا بالرحيل إلا أملا في أن تأتي فرصة سانحة تمكن من إلغاء الانقلاب أو التفاوض معه للمشاركة في كعكة النيجر، ولكن المؤشرات تدلل أن الانقلاب ماضٍ بكنس فرنسا نهائياً من النيجر، فقد ألغى الانقلابيون الاتفاقيات الموقعة من حكومات النيجر مع فرنسا. على خلاف انقلاب الغابون حيث لم تحرك دول الإيكواس ساكناً كما فعلت من التهديد بالتدخل العسكري وفرض العقوبات على دولة النيجر بل على العكس من ذلك فقد استقبل قائد الانقلاب في الغابون السفير الفرنسي ووعد كما وعد انقلابيو النيجر بالعودة للديمقراطية خلال فترة ليست بالطويلة، لذلك يلمح من هذا الانقلاب أنه عملٌ استباقي من فرنسا لانقلاب محتمل كما حصل في النيجر تكون هي الخاسر الأكبر.
إن الصراع الأمريكي الأوروبي على أفريقيا ستشتد وتيرته في قادم الأيام، فأمريكا تستغل الضعف والانقسام الأوروبي على زعامة أوروبا ما بين ألمانيا وفرنسا، ما يجعل عملية التغيير في القارة السمراء أسهل على أمريكا، ولِما للصورة القاتمة للاستعمار الفرنسي التي يتم ترسيخها وكشفها، ما يجعل الشعوب الأفريقية التواقة للتغيير والتخلص من هذا الكابوس الفرنسي الحلم الأفريقي.
ولكن التغيير الحقيقي المنشود ليس باستبدال قيادات باهتة عفا عليها الزمن والإتيان بقيادات لا تختلف عنها، وإنما بتسليم الأمور لقيادات حقيقية صاحبة مشروع الإسلام الخالد والهادف لإقامة الخلافة على منهاج النبوة إن أرادت هذه الشعوب العزة والكرامة وامتلاك إرادتها الحقيقية.
بقلم: الأستاذ سالم أبو سبيتان (أبو صهيب)
المصدر: جريدة الراية