- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2023-12-06
جريدة الراية: الجيوش أداة التغيير والتحرير
فهل تعيها أذن واعية؟
إن الثروة الفكرية في أي أمة بحاجة إلى تطبيق ومحافظة وحمل، وبحاجة إلى القوة التي تستند عليها، وإن الجيوش في أي أمة أو دولة هي مكمن قوتها وسر ثباتها وأداة توسعها ونشر حضارتها وفكرها، وهي القوة اللازمة لإقامة أي نهضة وأي حضارة، وهي ضرورة لأي عزة. فالجيوش أداة لا يستغنى عنها في أي تغيير.
إن الجيش في أمريكا مثلا وقوته هو ما فرض أن تكون الدولة الأولى في العالم يوما ما، وهو ما جعل الاتحاد السوفييتي يتقاسم هذه المكانة مع أمريكا حينا من الدهر. وإن الجيوش هي التي جعلت الدولة الإسلامية تبلغ الآفاق، وجيش الدولة العثمانية الذي لا يقهر هو الذي جعل الإسلام يصل أوروبا، وجعل الخلافة العثمانية دولة عظمى مهابة الجانب يخافها الأعداء ويحسبون لها ألف حساب. والجيوش هي التي جعلت بريطانيا الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. والجيوش هي مالتين جعلت روسيا تقارع أوروبا اليوم في أوكرانيا...
هذا هو دور الجيوش وهذه أهميتها؛ فالجيوش وما تمثله من قوة هي أداة استراتيجية في عملية التغيير ورسم سياسة العالم. والدول التي لا تملك جيشا هي دولا تابعة بالتأكيد فاقدة لسيادتها وقدرتها على اتخاذ القرار والتأثير في محيطها، لأنها لا قوة تسندها ضد من يختلف معها أو يحاربها.
إن الإسلام قد جعل للجيوش والقوة دورا مهما في التغيير؛ فالرسول ﷺ كان يطلب النصرة في مظانها عند قبائل العرب القوية، فخرج إلى الطائف طلبا للنصرة، وكان يتقصد القبائل العربية القادمة للحج حتى يدعوها للإسلام ويطلب نصرتها لإقامة الدولة الإسلامية، فقد عرض ﷺ نفسه على القبائل بقصد طلب النصرة والحماية منها؛ استجابة لأمر الله له، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: حدثني علي بن أبي طالب، قال: "لما أمر اللهُ رسولَهُ أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج وأنا معه وأبو بكر إلى منى، حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب".
وهكذا حتى نصر الله الإسلام وآمن الأوس والخزرج وبايعوا الرسول ﷺ على الحرب وعلى النصرة والمنعة، فسماهم الله الأنصار، وكانوا صدقا أنصاراً لهذا الدين؛ أقاموا له دولته وجاهدوا في سبيل حمل رسالة الإسلام...
إن الجهاد كما قال ﷺ ذروة سنام الإسلام، وإن إعداد الجيوش وتحريكها هي طريقة الجهاد، فأصحاب القوة أهل الحلقة، أهل الحرب، هم القادرون على قلب موازين القوى ونصرة الحق وإزهاق الباطل.
وإن الأمة الإسلامية اليوم تزخر بالجيوش القوية والعتاد القوي والأعداد الهائلة من الجنود والضباط والمعدات ولكنها تفتقد للقرار الذي يأمرها بنصرة الإسلام والجهاد وتحرير الأرض المغتصبة في فلسطين المباركة وغيرها من بلاد الإسلام المحتلة. إن الجهاد فرض عظيم أمر الله به في مواضع عديدة في القرآن وعلى لسان رسوله ﷺ؛ قال تعالى: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾. وقال سبحانه: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً﴾ وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾. وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوِ الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا»، والمراد في سبيل الله، أي الجهاد، وهكذا فالإسلام جعل للجهاد مكانة عالية وأجراً عظيماً لا يناله إلا المجاهد، ومع هذا فقد ابتلينا بحكام عطلوا الجهاد في ظل احتلال بلاد المسلمين وسفك دمائهم ونهب ثرواتهم وسيادة أحكام الكفر في بلادهم...
إن الغرب اليوم يتحرك بكل جيوشه لحرب الإسلام والمسلمين، وقد رأينا هذا قديما وحاضرا؛ فغزوة الأحزاب والحروب الصليبية واحتلال العراق وأفغانستان والحرب على الثورة السورية، كل هذا وغيره توحد الغرب فيها وحشد قواته وجيوشه وعتاده وأمواله لحرب الإسلام والمسلمين، وفي المقابل بقي المسلمون متفرجين منعزلين وجيوشهم رابضة لا تبرح مكانها رغم ما تراه وتعايشه من مآس وآلام تمر بها الأمة الإسلامية، وهم يعلمون أنه لا حل لهذا الواقع إلا بأن تقف جيوش المسلمين إلى جانب دينهم وأمتهم لا إلى جانب الحكام وأسيادهم من دول الغرب!
إن احتلال فلسطين وغيرها من بلاد الإسلام لن ينتهي إلا بالجهاد عبر جيوش الأمة فنعيد سيرة خالد بن الوليد وصلاح الدين وقطز والظاهر بيبرس والقادة العظام الذين سجلوا مواقف عزة لله حفظها لهم التاريخ وخلدت أسماءهم في صحائف من نور، فمن يعيد سيرة أولئك ويقول أنا لها؟ من في جيش مصر الكنانة يقرر أن يكسر طاعة أولياء الغرب ويكسر حدود الاستعمار ويحرك قواته إلى فلسطين نصرة للمسلمين، وقبلها إلى حاكم مصر المجرم، ليعيد لمصر سيرتها الأولى في تاريخ الإسلام؟ ومن في جيش تركيا والأردن يعيدوا أمجاد العثمانيين حين كانوا يحمون بيضة الإسلام ويمنعون الأعداء عن بيت المقدس؟ ألا فلتعيدوا سيرة هؤلاء وتقيموا دولة الإسلام وتكونوا أنصاراً كأنصار رسول الله ﷺ فتفوزوا في الدارين.
إن تحريك الجيوش ممكن بل ضرورة لازمة للتغيير، ضرورة لازمة للتحرير، ضرورة لازمة لإعادة مجد الإسلام والمسلمين، والأمر ليس صعباً بل يحتاج فقط إلى الإرادة والإخلاص لله. فهذه هي أعمال الجيوش؛ فبدل أن توجه البندقية باتجاه المسلمين توجه باتجاهها الصحيح جهة أعداء الإسلام والمسلمين. إن الأمة الإسلامية اليوم في أمس الحاجة إلى جيوشها فالغرب قد تكالب عليها من كل اتجاه يسفك دماءها وينتهك مقدساتها ويسب رسولها ﷺ! وهذا حري بأن يحرك في جيوش الأمة إيمانها وحبها لدينها فتغلي وتنتفض في وجه الغرب وعملائه الحكام، ونحن اليوم نرى كيف أن طوفان الأقصى قد كشف هزال وضعف كيان يهود، وكيف أن ثلة قليلة مؤمنة أثخنت في العدو بدرجة كبيرة، فهذه فرصتكم يا جيوش الأمة يا من تحركتم إلى اليمن استجابة لنداء حكامكم تنفيذا لأوامر الغرب، ويا من تحركتم إلى السودان لتسفكوا دماء المسلمين، ويا من تحركتم إلى ليبيا في حرب فتنة بين المسلمين... هذا هو عدوكم الواضح اليوم يتربص بكم فأين أنتم منه؟! إن حزب التحرير يدعوكم للفوز بالدارين، يدعوكم لإقامة دولة الخلافة التي غابت فوق المائة عام فتنالوا الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، وذلك هو الفوز المبين.
بقلم: د. عمر عبد الله - ولاية اليمن
المصدر: جريدة الراية