الجمعة، 20 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

Al Raya sahafa

 

 

2023-12-27

 

جريدة الراية: صراع الحضارات في حرب غزة

 

 

يقول سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً﴾. فريقان من الناس يتقاتلون في هذه الأرض: أناس يقاتلون من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، وحين تكون كلمة الله هي العليا تسود في الأرض طريقة العيش التي يرضاها ﷻ للناس، والتي تنهض بهم، وتؤدّي بهم إلى سعادة الدارين. وفريق آخر يقاتل من أجل الطاغوت، وكلّ شريعة وكلّ حضارة وكلّ طريقة عيش اخترعها الإنسان وابتدعها من عند نفسه، مُعرِضاً عن أمر الله تعالى، معرضاً عن دينه، معرضاً عن الشريعة التي شرعها للناس، كلّ هذا من الطاغوت الذي يؤدّي إلى شقاء البشرية. ولا يجوز مطلقاً أن يقول المؤمنون: لنا حياتنا التي نقتصر بها على أنفسنا ولهم حياتهم التي نتركهم وشأنها. وإنّما أمر الله سبحانه وتعالى بأن يشمّر المؤمنون عن سواعد الجدّ والصراع من أجل أن ينشروا الإسلام لينشروا طريقة العيش التي تليق بالإنسان. فإن تنكَّبَ المسلمون عن غزو أعدائهم بحضارتهم وثقافتهم وطريقة عيشهم وشريعتهم كانت النتيجة الحتمية أن يغزوهم أعداؤهم بحضاراتهم وثقافاتهم وشرائعهم، وأن يجبروهم على الخضوع لطرائق عيشهم. لذلك قال تعالى: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾.

 

ما يجري اليوم على أرض غزّة هو في سياق صراع الحضارات، وبالتحديد في سياق الصراع بين الإسلام وحضارة الغرب. فليس ثمّة صراع مع حضارة (إسرائيلية)، ولا مع حضارة يهودية، ولا مع حضارة تلمودية، ولا مع حضارة صهيونية. فهؤلاء لطالما كانوا شراذم مشتّتين في الأرض، هم شذّاذ آفاق أتوا إلى أرض فلسطين من كلّ أنحاء العالم، مشتّتون لا حضارة لهم، ولا مجتمع يجمع شملهم منذ حوالي ثلاثة آلاف سنة. هؤلاء كانوا من الذين ضُربت عليهم الذلّة والمسكنة أينما ثقفوا، بل إنّ كيانهم هذا الذي أقيم لهم في أرض فلسطين إنّما هو مكيدة غربية، كان من أهمّ دوافعها أن تتخلّص شعوب أوروبا من هذه الأجسام الغريبة التي لطالما سبّبت إزعاجاً وأذى ونكداً للمجتمعات الغربية. فلا يحسبنّ أحد أنّنا اليوم نخوض صراعاً مع حضارة تقوم على أرض فلسطين. الحضارة التي نخوض معها صراعاً على أرض فلسطين، إنّما هي حلقات متسلسلة مع حلقات متوازية في أرجاء الأمّة الإسلامية في سلسلة الصراع الحضاري بين الأمّة الإسلامية والغرب، منذ أن انتصبت هذه الحضارة الجديدة على أرض أوروبا، وبدأت تقارع الأمّة الإسلامية، بعد أن قارعت الأمّةُ الإسلامية الحضاراتِ مئات السنين، وكانت الحضارةَ المتغلّبةَ والمتفوّقةَ قروناً من الزمان، أتى اليوم الذي تنتصب فيه حضارة جديدة لتقارع المسلمين بثقافتها وتشريعاتها وطريقة عيشها، وللأسف هُزمت الأمّة أمام هذه الحضارة، وما زالت تتجرّع الكؤوس المرّة جرّاء هزيمتها. فهي ما زالت تتجرّع مرارة كأس الاحتلال والهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والأمنية…

 

وما زال الغرب يصارع الإسلام، على الرغم من أنّ المسلمين قد خرجوا من حياتهم الإسلامية، وتوارت حضارتهم من الوجود. وما استمرارهم هذا في مصارعة الإسلام إلا بسبب قوة الحضارة الإسلامية التي يشعر الغرب بخطرها الماثل، حتّى وهي متوارية عن الأنظار، غائبة عن أرض الواقع، حتّى وهي مشروع يتحفّز للنهوض من جديد. هذا الغرب الذي استخدم وسائل وأساليب من أجل أن يُخضع الأمّة الإسلامية ويقضي على حضارتها، ويقضي على دولتها، ابتدع من بين الأساليب التي ابتدعها كيان يهود. فكيان يهود ليس سوى أداة من الأدوات التي بسط الغرب من خلالها سلطانه على بلادنا. فهو أداة، كما أنّ الدولة القُطرية الوظيفية التي أقامها في بلادنا أداة، وكما أنّ الأنظمة العميلة هي أداة، وكما أنّ الأحزاب السياسية التي تحمل أفكار الليبرالية والاشتراكية والعلمانية هي أدوات، وكما أنّ الأحزاب التي حملت إلى المسلمين لوثة القومية والوطنية هي أدوات، وكما أنّ الجمعيات التبشيرية في الماضي، وما يسمّى بجمعيات المجتمع المدني الآن، كالنسوية وغيرها أدوات...

 

فكيان يهود ليس سوى أداة من هذه الأدوات التي يستخدمها الغرب من أجل الحؤول دون نهوض الأمّة الإسلامية من جديد واستئناف الحياة الإسلامية، وللحؤول دون عودة الحضارة الإسلامية، ولحماية مصالحه في بلادنا، ولحماية سيطرته على ثرواتنا، ولإبقاء هيمنته على عقولنا، ومن أجل أن يدرأ خطر قيام الحضارة الإسلامية من جديد، الحضارة التي يُتوقّع لها حينئذ أن تغزو عقول الأوروبيين لتعود الأمّة الإسلامية لتستأنف سالف مجدها، بأن تكون هي المبادرة في صراع الحضارات، ولا تكون في حالة الدفاع كما هي منذ قرنين من الزمان. لذلك، فإنّه لا يجوز للمسلمين مطلقاً أن ينظروا إلى الصراع على أرض فلسطين مع كيان الاحتلال على أنّه قضيّة منفصلة بذاتها، بل بوصفها جزءاً من صراع الأمّة مع عدوّها، الصراع الذي يجب أن يؤدّي إلى التحرّر من هيمنة الكافر المستعمر، من خلال القضاء على أدواته في بلادنا، وإسقاط العروش التي كانت هي الأدوات الأفعل، أفعل من كيان يهود، بل هي التي حرست كيان يهود في فلسطين، وهي التي كبّلت الأمّة، وهي التي منعتها من أن تقاتل، ومن أن تحيا حياتها الإسلامية، ومن أن تجسّد حضارتها. فما الصراع مع كيان يهود إلّا جزء من الصراع مع الحضارة الغربية، وهيمنتها على بلادنا. وبالتالي فإنّ الطريق إلى تحرير فلسطين هو الطريق نفسه إلى تحرير كلّ أرض احتُلّت من بلاد المسلمين، وهو الطريق نفسه إلى تحرّر الأمّة من هيمنة الكفّار عليها وتحرّرها من الغزو الفكري على عقولها، وتحرّرها من مناهج التعليم التي لوّثت عقول أبنائها، وتحرّرها من الهيمنة الاقتصادية.

 

فالمشكلة أنّ الأمة مكبّلة بأدوات الغرب في بلادنا، وأبرزها الأنظمة التي حكمت بلاد المسلمين، وبالتالي فإنّ الطريق إنّما يكون بأن تتحرّر الأمّة الإسلامية أوّلاً، من هيمنة الكافر المستعمر، وذلك بكسر القيود التي تكبّل المسلمين، وهي الأنظمة الوظيفية التي تهيمن عليهم وتمنع حركتهم وتكبت توقهم إلى التغيير والتحرير وإلى الحياة الإسلامية. إنّها الأنظمة التي تسجن الجيوش في ثكناتها ولا تسمح لها بالخروج من ثكناتها إلّا لتقمع الشعوب، ومن أجل أن تشنّ الحروب الداخلية بين الدول الوظيفية، لشلّ قدرات هذه الأمّة. فإن تمكّنت الأمّة من كسر هذا القيد، واستعادة جيوشها، واستعادة زمام أمورها وتولّي حكمها واستعادة سلطانها، وبالتالي تستعيد هويتها بتطبيق الإسلام فكراً ونظاماً وشريعةً وطريقةَ عيش، حينئذ سوف تتمكّن من حلّ مشكلاتها جميعاً. ولن تكون قضيّة تحرير فلسطين أصعب مهامّ الأمّة الإسلامية حينئذ، بل قد تكون أسهل المهامّ التي ستتمكّن من إنجازها، وأكبر دليل على ذلك الملحمة التي رآها العالم أجمع في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، حيث ثلّة من المجاهدين الذين يحملون الأسلحة الفردية، تمكّنوا من زلزلة هذا الكيان ومن بثّ الرعب في قلوبه، فكيف لو أنّ المجاهدين انطلقوا من الجهات الأربع التي تحيط بفلسطين من أجل أن يزلزلوا هذا الكيان، بل من أجل أن يجتثّوه ويشدخوا نافوخه في لحظة من التاريخ؟!

 

إنّ الأمّة الإسلامية قادرة على أن تبيد خضراء هذا الكيان في لحظة، لو أنّها استعادت زمام أمورها، وبعد ذلك ستلتفت إلى مهامها العظام؛ ستلتفت إلى إحياء حضارتها من جديد، وإلى بناء اقتصادها، وإلى جمع شملها، وإلى قطع دابر الاستعمار ونفوذه من بلادنا، وإلى حمل الإسلام رسالة إلى العالم، لتكون الحضارة الإسلامية من جديد في دور المبادرة، لا في دور الدفاع عن النفس.

 

هذه حقيقة الصراع الحضاري في غزّة وفي فلسطين وفي العالم الإسلامي كلّه. إنّه صراع مع حضارة الغرب التي أفسدت البلاد والعباد وأفسدت الحجر والشجر والبشر، ونشرت الفساد في البر والبحر. هذه هي حقيقة الصراع. وما تتعرّض له وما تقع فيه غزة اليوم من الخذلان بعد مضي ما يقرب من شهرين ونصف الشهر على المجازر والدمار، بسبب تواطؤ حكّام المسلمين، وعجز المسلمين عن القيام بأيّ حركة لإغاثة إخوانهم، كلّ هذا دليل على أنّ هذه الأمّة لن تتمكّن من القيام بأداء مهامّها حتى تستعيد سلطانها، وتجتثّ هذه العروش التي هي حارسة كيان يهود، حارسة نفوذ الغرب في بلادنا. فهلمّي أيّتها الأمّة الكريمة، من أجل أن تحقّقي هذا الهدف العاجل والسريع، لتصلي بعد ذلك إلى تحقيق غايات الإسلام العظمى. الآن، الآن أيّها الناس، حثّوا أهل القوّة ليجتثّوا هذه العروش ولينسفوها نسفاً، لتقوم على أنقاضها دولة للإسلام، فتزيل كيان يهود من أرض فلسطين في ساعة من نهار.

 

 

بقلم: الأستاذ أحمد القصص

 

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع