- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-05-29
جريدة الراية: أبعاد توصية المدّعي العام لمحكمة الجنايات الدولية بتوقيف نتنياهو وغالانت
أحال المُدّعي العام لمحكمة الجنايات الدولية كريم خان طلباً بإصدار مذكرة اعتقال إلى قضاة المحكمة تشمل رئيس وزراء كيان يهود بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يؤاف غالانت، بالإضافة إلى ثلاثة من قادة حماس وهم رئيس الحركة إسماعيل هنية وقائدها العسكري محمد الضيف ورئيس الحركة في قطاع غزة يحيى السنوار، وقال بأنّ مُذكرة الاعتقال تُطابق تفاصيل المشتبه بهم، ووصف جريمتهم، والأسس القانونية لإصدارها وفقاً لــ"نظام روما الأساسي" المؤسّس للمحكمة الجنائية المُنضمة لها 124 دولة، وهي الدول الأعضاء في المحكمة والتي تكون ملزمة بالتعاون مع المحكمة لتنفيذ مذكرات الاعتقال. واستند المُدّعي العام في قراره طلب استصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى كونهما يتحملان المسؤولية الجنائية عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في قطاع غزة خلال حرب كيان يهود المتواصلة على القطاع منذ 8 شهور، وتشمل جرائم الحرب المُتهم بها نتنياهو وغالانت: تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، وتعمّد إحداث معاناة شديدة لهم، أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة، والقتل العمد أو القتل، وتعمّد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين، أما الجرائم ضد الإنسانية فتشمل الإبادة أو القتل العمد وتشمل كذلك الموت الناجم عن التجويع والاضطهاد، وأفعالاً أخرى ضد الإنسانية، وأوضح المُدّعي العام أنّ: "مكتبه يدفع بأن جرائم الحرب قد ارتكبت في إطار نزاع مسلح دولي بين (إسرائيل) وفلسطين، ونزاع مسلح غير دولي بين (إسرائيل) وحماس، كما يدفع بأن الجرائم ضد الإنسانية التي وُجّه الاتهام بها قد ارتُكبت في إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد السكان المدنيين الفلسطينيين عملا بسياسة الدولة". وفيما يتعلق بقادة حماس قال المُدّعي العام كريم خان للمحكمة إنّهم يتحمّلون المسؤولية عن (المجزرة) التي وقعت يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وقال في بيان صادر عن مكتبه بأنّه يتقدم بامتنانه وشكره العميق لذوي المخطوفين (الإسرائيليين) الذين قدّموا إفاداتهم على مسمع العاملين في مكتبه، وعليه فهو يطالب بالإفراج عن المختطفين، وإعادتهم إلى ديارهم وفق ما يقتضيه القانون الإنساني الدولي، على حد زعمه.
وفي حال أصدرت المحكمة الجنائية بالفعل مذكرات الاعتقال فسيتعرض المشمولون بالمذكرة للاعتقال من قبل هذه الدول الـ124، وقال مدّعي عام المحكمة الجناية الدولية إنّه "يعوّل على كل الدول الأطراف في نظام روما الأساسي في أن يتعاملوا مع هذه الطلبات والقرار القضائي الذي سيترتب عليها بالجدية نفسها التي أبدوها في الحالات الأخرى، وأن يُوفوا بالتزاماتهم"، وقال: "لا أحد فوق القانون".
على أنّ كيان يهود وأمريكا ليسا عضوين في المحكمة الجنائية الدولية، بينما تُعتبر الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 مشمولة بأحكام المحكمة ولها ولاية عليها، كون السلطة الفلسطينية انضمت إليها منذ العام 2015، وحتى وإن كانت دولة يهود ترفض وجود مثل هذه الولاية، وهو ما يجعل المحكمة من ناحية قانونية قادرة على محاكمة مسؤولين ارتكبوا جرائم في الأراضي الفلسطينية مهما كانت جنسياتهم.
ورد رئيس وزراء كيان يهود بنيامين نتنياهو بعنجهية بالغة فقال بأنّ قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية طلب إصدار مذكرة اعتقال بحقه (عبثي)، وأنّها خطوة غرضها استهداف (إسرائيل) بأكملها، وأضاف: "أرفض مقارنة المدعي العام في لاهاي المثيرة للاشمئزاز بين (إسرائيل) الديمقراطية والقتلة الجماعيين بـ(حماس)"، وأمّا رئيس الكيان إسحاق هرتسوغ فقال مُتعجرفاً: "إنّ قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية السعي لإصدار مذكرتي اعتقال لرئيس الوزراء ووزير الدفاع في (إسرائيل) أكثر من شائن، وإنّه سيُشجّع الإرهابيين في جميع أنحاء العالم"، واستنكر هرتسوغ ربط "أي محاولة للمقارنة بين هؤلاء الإرهابيين الوحشيين وحكومة (إسرائيل) المنتخبة ديمقراطياً" على حد زعمه.
ومن جهتها قالت حركة حماس على لسان سامي أبو زهري: "إنّ قرار المحكمة الجنائية الدولية طلب إصدار مذكرة اعتقال بحق ثلاثة من قادة الحركة الفلسطينية هو مساواة بين الضحية والجلاد، وانّ قرار المحكمة يشجع (إسرائيل) على الاستمرار في حرب الإبادة".
وتوصف المحكمة الجنائية الدولية بأنّها هيئة قضائية مستقلة تُخضع لاختصاصها الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وتأسّست المحكمة في 1 تموز/يوليو 2002 تحت مُسمّى قانون روما الأساسي.
وكانت المحكمة قد أصدرت خلال الفترة القريبة الماضية مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي بدعوى مسؤوليته عن جرائم حرب في أوكرانيا، كما أصدرت قديماً أحكاماً على أفراد من يوغوسلافيا السابقة ورواندا على جرائم ارتكبوها ضد الإنسانية، ومن المعلوم أنّه ليس للمحكمة قوة شرطة خاصة بها لتعقب واعتقال المشتبه بهم.
وردّت أمريكا على هذه الخطوة بقيام نواب أمريكيين في الكونغرس بإعداد مشروع قانون لمعاقبة كل من يتعاون مع قرارات محكمة الجنايات الدولية ضد مسؤولين في كيان يهود، وتهديد المحكمة بوقف التمويل الأمريكي عنها، ومنع دخول أعضاء المحكمة للأراضي الأمريكية.
أمّا الاتحاد الأوروبي فدافع عن قرارات المحكمة وطالب جميع الأطراف بقبول واحترام قراراتها، وكذلك فعلت فرنسا وألمانيا اللتان دعتا إلى احترام قرارات المحكمة مهما كانت نتائجها.
إنّ عنجهية أمريكا وكيان يهود وبريطانيا في التعامل مع أي قرارات للمحاكم الدولية ضد أفراد أو مصالح تابعة لدولهم يعكس مدى العنصرية والتعالي والغطرسة التي يوصف بها المسؤولون في هذه الدول الاستعمارية المُجرمة، لدرجة أنّ كريم خان نفسه قال بأنّ مسؤولين من هذه الدول اتصلوا به، وأبلغوه بأنّ محكمة الجنايات الدولية إنّما وُجدت لتحاكم أشخاصاً من أفريقيا ودول العالم الثالث، ولتحاكم أيضاً حكاما مُستبدين آخرين كالرئيس الروسي بوتين، ولكن ليس من مسؤولياتها مُحاكمة أفراد في كيان يهود أو في الدول الغربية الديمقراطية المُتحضّرة!
وحاول المدّعي العام أنْ يُلطّف من فحوى مُذكراته ضد كيان يهود لكي تكون توصياته لقضاة المحكمة مقبولة عالمياً، وجعلها تتعلق فقط برجلين من كيان يهود وهما رئيس الوزراء ووزير جيشه، وتجاوز عن جرائم قادة الجيش الكبار نفسه كرئيس الأركان وقادة الفرق، وذلك لعدم المس بصورة جيش يهود الاحترافية! ومُراعاة للهالة التي يُراد إبقاءها حول هذا الجيش (الذي لا يُقهر) ولا يُمس في صورته (الأخلاقية)! وذلك من أجل إبقاء صفة الهيبة والاحترام لجيش كيان يهود أمام العالم أجمع، ولإثبات أنّ المشكلة تكمن فقط في رجلين من السياسيين، ولتبقى صورة جيش الكيان ناصعة أمام العالم وكأنّها صورة لبقرة مُقدّسة لا يجوز المساس بها دولياً.
وبناء على ذلك فالمرجّح أنْ لا تستطيع محكمة الجنايات الدولية، حتى ولو أصدرت مُذكرة توقيف ضد نتنياهو وغالانت، أنْ تُنفّذ أحكامها، وذلك لعدم وجود آلية عملية للتنفيذ من ناحية، ولمظنة عدم تعاون الدول الأعضاء مع المحكمة من ناحية أخرى، خوفاً منها من أمريكا التي ما فتئت تُهدّد المحكمة، وتُهدّد كل من يتعاون معها في تنفيذ تلك الأحكام.
فأحكام محكمة الجنايات الدولية إذاً لا تشمل الأقوياء قطعاً، ولا تُنفّذ إلا على الضعفاء، فهذا هو النظام الدولي، وهذه هي طبيعته، فهو أشبه بنظام بلطجة دولي يُستثنى منه المُجرمون الكبار من أصحاب الغلبة والاستكبار، وتأثيره الوحيد المحدود يبقى معنوياً، ويتم من خلاله كشف الوجه القبيح لأمريكا وكيان يهود أمام الرأي العام العالمي.
بقلم: الأستاذ أحمد الخطواني
المصدر: جريدة الراية