- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-07-17
جريدة الراية: الموجة الثانية لثورة الشام وعي وثبات وسعيٌ لتتويج التضحيات
يُعتبر ما حدث في السابع من أيار/مايو 2023 حدثاً مفصلياً من أحداث ثورة الشام، والذي أطلق شرارة جديدة من الاحتجاجات والمظاهرات في المناطق المحررة إثر قيام جهاز الأمن التابع للجولاني بحملة اعتقالات همجية استهدفت عدداً كبيراً من شباب حزب التحرير في ولاية سوريا، وما رافق ذلك من أسلوب وحشي باقتحام للبيوت، وتسور للأسوار، وكشف على حرمات المسلمين، وترويع للآمنين من النساء والأطفال.
نعم، هذا الحدث لم يكن حدثاً عادياً، فقد أكد للناس أن بلطجة أمنيات الجولاني تحاكي إجرام نظام الطاغية بشار وقمعه لكل من هو ثائر على تشبيحه وبلطجته، فما كان إلا أن انفجرت المظاهرات في مناطق إدلب وريف حلب الغربي وامتدت إلى مناطق ريف حلب الشمالي من عفرين وصولاً إلى مدينة الباب بحكم أن روح الثورة واحدة، وبلغ عدد نقاط التظاهر العشرات؛ شبابٌ غاضب ثائر ضد الظلم والتجبر، وحماسٌ لإعادة الثورة سيرتها الأولى، مع نشاطٍ واضح مؤثر للحراك النسائي الذي أفقد الجولاني وعصابته صوابهم، فبدأوا بالتعرض للنساء، محاولين التضييق عليهن ومنعهن من الوصول إلى نقاط التظاهر، كما حاولت أمنيات الجولاني بكل ما أوتيت من قوة قمعَ تحرك الرجال، واستخدموا في سبيل ذلك أساليب عدة بلغت حد إطلاق الرصاص الحي، مع استمرار حركة الاعتقالات التي كانت تستهدف شباب حزب التحرير بهدف إخماد الحراك بأي طريق ممكنة.
كانت مطالب المتظاهرين واضحة منذ البداية، حيث طالبوا بإسقاط الجولاني ومحاسبته على جريمة اقتحام البيوت، كما خاطب المتظاهرون المجاهدين المخلصين في هيئة تحرير الشام بأخذ دورهم ووجوب نصرتهم للمظلوم والأخذ على أيدي الظالمين ومنعهم من الاستمرار في اعتقال أحرار الأمة الساعين لنهضتها والعاملين لتحقيق أهداف ثورتها، وطالبوا بالإفراج الكامل عن جميع المعتقلين فوراً ودون تأخير أو شروط مسبقة.
لم تمنع أعمال جهاز الأمن العام التشبيحية والقمعية المتظاهرين من الاستمرار في مظاهراتهم اليومية. وبدأت هيئة الجولاني تتقهقر، وبدأت بالإفراج عن بعض المعتقلين في محاولة بائسة منها للتخفيف من حدة الحراك، ولكنها لم تفلح، وبدا موقف الجولاني وعصابته الأمنية حرجاً، خاصة بعد فتح ملف العملاء والحديث عن خلايا كبيرة منهم داخل الهيئة.
وبعد عشرة أشهر من الحراك المتواصل برز ملف جديد من الملفات الساخنة، ألا وهو ملف المعتقلين الذين قضوا نتيجة التعذيب الوحشي في سجون الجولاني، وذلك بعد تكشف قضية أبو عبيدة تلحدية التابع لجيش الأحرار الذي يعتبر جزءاً من هيئة تحرير الشام، والذي مات تحت التعذيب في زنازين سجون الجولاني المظلمة.. إلى أن انفجرت موجة جديدة من الاحتجاجات والمظاهرات، ودخلت مدن وبلدات جديدة على الخط وانخرطت في الحراك ووُضعت ثوابت للحراك سُطرت في بنود تم أخذها من مطالب حراك أيار 2023 وهي: إسقاط الجولاني ومحاسبته، وحل جهاز الأمن العام ومحاسبته، وتبييض السجون من جميع المعتقلين المظلومين، واستعادة قرار الثورة وفتح الجبهات لإسقاط النظام.
هنا أحس الجولاني وجوقته أن الأمور بدأت تتفلت من أيديهم وأن الزخم الشعبي للحراك يزداد يوماً بعد يوم، فكان أن حركوا جميع أوراقهم دفعة واحدة في فترة زمنية قصيرة وحرقوا أوراقهم مجتمعة في محاولة يائسة وبائسة لإنهاء الحراك أو التخفيف من حدته، فقد طرحت مبادرات إصلاحية ترقيعية التفافية ممن حاولوا حرف الحراك إلى منزلق التفاوض والرضا بالحلول الترقيعية التي تضمن بقاء الجولاني وزبانيته، فتم رفضها مباشرة، وحاول الجولاني القيام بجريمته الكبرى وهي جر العسكريين لقمع أهلهم ولإرهاب الحاضنة ففشل في ذلك خاصة مع أخبار عن رفض العسكريين قمع أهلهم من المتظاهرين السلميين، كما رفضوا أن يقوموا بالدور التشبيحي الذي تقوم به أمنيات الهيئة، التي قامت بفض اعتصام إدلب وحاولت دعس المتظاهرين في بنش بالمصفحات، فانفجر المحرر بمزيد من المظاهرات.
ثم حاول عبثاً أن ينسب بعض أعمال القتل والتخريب للحراك فكانت كذبة مفضوحة متهافتة!
وآخر ما قام به هو شن حملة اعتقالات طالت شخصيات بارزة لها تأثيرها في تحريك الناس في كل من إدلب وبنش وجسر الشغور وقورقانيا وغيرها، ثم اضطر تحت الضغط الشعبي للإفراج عنهم جميعاً في أقل من شهر، ما أظهر قوة تأثير الحراك وشدة ضعف الجولاني وتخبطه في مواجهة الحراك المبارك.
إن ما تمر به ثورة الشام من مطبات وأخطاء يوجب على الثائرين الاستفادة منها وعدم تكرارها، والسعي لضبط البوصلة من جديد وتصحيح المسار، خاصة مع وجود حزب سياسي دائم النصح والتوجيه والتحذير من الفخاخ السياسية التي يواجه بها الطغاة أيّ حراك شعبي يهدف لاقتلاعهم.
وإن التمسك بثوابت الحراك وعدم الحيد عنها مهما عظمت الضغوط له دورٌ بارز في ثبات القائمين على الحراك واستمرار جذوته وبدء تساقط جدار الخوف الذي بنته المنظومة الفصائلية في عموم المحرر.
هذا وقد برزت في عموم المحرر تأكيدات أن مطلب إسقاط الجولاني يشمل أيضاً كل قادة الفصائل المرتبطين، وأن الغاية هي إسقاط منظومة الارتباط والتبعية لأعداء الثورة، وليست القضية فقط إسقاط أشخاص واستبدال غيرهم بهم، ممن يحمل نفس عقلية الارتباط والتفريط بالثورة وتضحيات أهلها.
إن موجة الثورة الجديدة في أرض الشام تبشر بخير عظيم، مع التذكير بضرورة أن تكون لها قيادة سياسية تحفظ تضحياتها وتستثمر طاقاتها وتحصنها من المنزلقات ومكر الأعداء المتربصين بأهل الثورة، فذلك هو السبيل الكفيل لنجاح هذا الحراك المبارك في تحقيق أهدافه وتتويج تضحياته، وهذا يوجب التمسك بحبل الله وحده والثبات على ثوابت الثائرين، مع توسيد الأمر لأهله سياسياً وعسكرياً، لعل ذلك يحدث التأثير المطلوب في صادقي عناصر المنظومة الفصائلية، فينحازوا لحراك أمتهم ويسعوا مع الصادقين من أبناء الأمة لكسر القيود وتذليل العقبات لفتح الجبهات والزحف من جديد نحو العاصمة لإسقاط النظام المجرم وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه، ففي ذلك وحده الفلاح والنجاح بإذن الله، ونسأل الله أن يكون ذلك قريباً.
بقلم: الأستاذ أحمد الصوراني
المصدر: جريدة الراية