- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-09-25
جريدة الراية: الصراع على ثروات أفريقيا عبر ممر لوبيتو
يكتسب ممر لوبيتو أهمية استراتيجية كبرى؛ فهو خط سكة حديد بنته بريطانيا عام 1902، وطوله 1800 كلم، يمتد مسافة 1300 كلم من ميناء لوبيتو الأنغولي على ساحل الأطلسي إلى مدينة لوآو الأنغولية على الحدود الشمالية الشرقية لأنغولا مع الكونغو الديمقراطية وعلى مقربة من شمال غرب زامبيا، ويمتد مسافة 400 كلم إلى مدينة كوليزي داخل الكونغو الديمقراطية، و100كلم إلى مناجم النحاس داخل زامبيا. وتوقف الخط منذ عام 1975 بسبب الحرب الأهلية في أنغولا.
وقامت الصين بتجديد الخط عامي 2006-2014 وسلمته لأنغولا عام 2019، وبذلك عزز وجودها في أفريقيا لأهميته. وهي تسعى لتعزيز وجودها في أفريقيا، وقد عقدت قمتها معها يومي 4-2024/9/6 والتي تعقد كل 3 سنوات لتطوير علاقاتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية معها. وتعهد الرئيس الصيني شي في القمة بأن تقوم الصين بتدريب 6 آلاف عسكري أفريقي مع 1000 شرطي، ودعوة 500 ضابط شاب لزيارة الصين. وتمكنت من إقامة قاعدة عسكرية بجيبوتي ومفارز عسكرية في العديد من الدول الأفريقية لتدريب قواتها وحماية أنظمتها الحاكمة وحماية شركاتها. وبهذه العلاقة تمكنت من إقناع الدول الأفريقية بقطع علاقاتها بتايوان.
وأعلنت الصين يوم 2024/8/14 أن حجم التبادل التجاري مع أفريقيا خلال الأشهر 1-2024/7 بلغ 166,48 مليار دولار. فتشتري المواد الخام منها وتصدر إليها ولغيرها سلعا مصنعة لتكسب الأرباح الطائلة. وتستثمر ببناء الموانئ والطرق والسكك الحديدية ومرافق الطاقة والبنية التحتية والمناجم وتقدم القروض الربوية لدولها، حيث بلغت 134 مليار دولار عام 2022. وتشغل مئات الآلاف من الصينيين فيها، حيث بلغ عددهم بأنغولا وحدها 170 ألف عامل صيني. وتنتقد في هذه النقطة، إذ تجلب شركاتها عمالها معها ولا تشغل الأفريقيين إلا في الأشغال الشاقة كعادة الدول الاستعمارية.
ويكتسب الممر أهمية لأمريكا لتطويق نشاط الصين التي بدأت تسعى لتأمين نفوذ لها بأفريقيا، وقد يصعب التغلب عليه إذا تركز، لأنها لم تنجح في سياستها لاحتواء الصين.
ولهذا وقعت أنغولا التابعة لأمريكا مع تحالف "لوبيتو الأطلسية" للسكك الحديدية عام 2022 عقد امتياز لمدة 30 عاما لتشغيل الخط على طول الممر، ويضم الشركات؛ ترافيجورا السويسرية، موتو إنجيل البرتغالية، وفيكتوريوس البلجيكية.
أبدت أمريكا على لسان رئيسها بايدن اهتمامها بالممر في القمة الأمريكية الأفريقية التي عقدت عام 2023، وأصدرت قانون الفرص والاستثمار الذي يسمح لأربعين دولة أفريقية بتصدير منتجاتها إليها بدون رسوم. وفي 2024/8/24 أعلنت اهتمامها بمشروع توسعة الممر، ويشمل سلسلة من الطرق والجسور والاتصالات والطاقة والزراعة، وخطط لاكتماله عام 2029. وتريد تمديده إلى تنزانيا للوصول إلى المحيط الهندي وإعادة بناء سكة حديد بنغيلا التي استخدمت لتصدير المواد والمعادن إبان الحقبة الاستعمارية. وستشارك بتمويل قدره 250 مليون دولار من مؤسستها الدولية للتمويل الإنمائي، بجانب الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية الأفريقية وأنغولا والكونغو الديمقراطية وزامبيا.
وأهميته تكمن بنقل المعادن التي تحويها هذه البلاد إلى الدول الصناعية، مثل الكوبالت والليثيوم والنحاس والألمنيوم والمنغنيز، وتعتبر ضرورية للصناعات التي تعتمد على التكنولوجيا، وخاصة إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية وما يلزم لتأمين المعادن الاستراتيجية التي تحتاجها أنظمة الأسلحة المتطورة وتكنولوجيا الطاقة المستدامة، ويرتبط الممر بدول هذه المعادن الحيوية والمواد الكيمائية وموانئ الدول المطلة على المحيطين لحاجاتها للتصدير.
وللممر أهمية لأمريكا في صراعها مع بريطانيا وفرنسا صاحبتي النفوذ العريق بأفريقيا. ولقد أثارت التحركات الأمريكية في كل من زامبيا والكونغو الديمقراطية وتنزانيا التابعة للنفوذ الأوروبي تساؤلات متعددة، وهي تعمل على جعل الخط يمتد إلى تنزانيا حتى لا يعتمد على منفذ واحد في حالة تفجر صراع جديد داخل أي بلد من هذه البلاد تحدثه الدول الاستعمارية بعضها ضد بعض. ومن السهل إحداثه بسبب تبعية الحكام وبسبب التركيبة القبلية حيث تثار النعرات بينها.
ولهذا تصاعد الانتقاد لرئيس رواندا بول كاغامي عميل أمريكا في ظل تنامي نشاطه في المنطقة لحساب أمريكا، ويتهم بدعم المتمردين في شرق الكونغو الديمقراطية. حتى إن الرئيس الفرنسي ماكرون في زيارته للكونغو الديمقراطية يوم 2023/4/23 حذر رواندا من هذا الدعم. ومؤخرا طلب رئيس الكونغو الديمقراطية تشيسيكيدي من فرنسا دعمه عسكريا لمحاربة المتمردين لعدم تمكنه من هزيمتهم، بل وتقدمهم نحو معاقل أخرى داخل بلاده، والتقى الرئيس الفرنسي في باريس يوم 2024/4/30، وركزا على تطوير التجارة والاستثمار ضمن المنتدى الاقتصادي الفرنسي الكونغولي والتعاون الأمني. ولا تمانع بريطانيا في ذلك للوقوف في وجه أمريكا.
والكونغو الديمقراطية تحتل موقعا استراتيجيا بوسط أفريقيا، فتشترك في الحدود مع 9 دول منها زامبيا وأنغولا، بجانب توفر مواد خام هائلة كالنفط والغاز والذهب والألماس والكوبالت والنحاس وأكبر احتياطي عالمي من الليثيوم، وأكبر منتج من الكوبالت بنسبة 70% من الإنتاج العالمي.
وتستعين بريطانيا بتابعتها الإمارات في الاستثمارات بالمنطقة، ومنها الكونغو الديمقراطية حيث تقوم شركة موانئ دبي العالمية ببناء ميناء بنانا عند التقاء نهر الكونغو بالمحيط الأطلسي وتخطط الشركة لإنفاق 2 مليار دولار على المشروع خلال 3-5 سنوات، وتشارك بريطانيا الشركة بنحو 35 مليون دولار!
وكانت القارة الأفريقية حكرا على الدول الأوروبية الاستعمارية التي عقدت مؤتمر برلين الأول عام 1884 لتقاسم بلاد أفريقيا بينها لحاجتها للمواد الأولية لصناعاتها. فبدأت هذه الدول تنهب ثروات أفريقيا بالتوافق بينها وبقتل الملايين من أهلها. إلى أن قررت أمريكا منذ عام 1946 التخلي عن العزلة ودخول العالم القديم ومنه أفريقيا. فبدأ الصراع بينها وبين إخوتها الأعداء الأوروبيين. واستعانت بالاتحاد السوفيتي الذي كان يرفع شعار محاربة الاستعمار لتصفيتهم من أفريقيا. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي استعانت بالصين لتنافسهم. وهي تستخدم روسيا التي لها مطامع سياسية واقتصادية ضدهم حيث تعلم أن نفوذ روسيا يبقى سطحيا ومحدودا كما هو ملاحظ لأنه مرتبط بعملائها، ولأن روسيا وهي مبدئية على عهد الاتحاد السوفيتي لم تنجح في إيجاد نفوذ إلا قليلا، وسرعان ما تبخر.
وهكذا تستمر الدول الاستعمارية في استعمارها بأشكال أخرى وخاصة الاقتصاد، تحت مسمى الاستثمار والتجارة. فتنهب ثروات البلاد ولا تنهض بها وتبقيها عالة عليها وفي حالة صراع داخلي يمزق أهلها ويقتلهم بطريقة أخرى على أيدي أهلها بعدما كانت تقتلهم مباشرة على عهد استعمارها. وليس لهم مخلص سوى الإسلام الذي يسود أغلب القارة الأفريقية، ولكن ذلك لا يتم إلا بوجود دولة له تقام على أراضيهم أو تمتد إليها لتشمل كافة البلاد الإسلامية، بل لتخلص العالم كله من شرور الدول الاستعمارية.
بقلم: الأستاذ أسعد منصور
المصدر: جريدة الراية