الخميس، 19 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي"

 

جواب سؤال

الذهب والفضة هما النقدان اللذان ينبغي أن تعتمدهما الدولة في الإسلام

إلى Muhammad Ishak

السؤال:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

 

بارك الله لكم وحفظكم الله يا شيخنا...

 

السؤال: بعض المفكرين في بلادنا إندونيسيا يرفضون العودة إلى استعمال النقود الذهب والفضة ويقولون إن الشرع لا يأمر أن تستعمل نقود خاصة بدليل أن عمر بن الخطاب قد هم أن يجعل الدراهم من جلود الإبل، فهل هذا الرأي صحيح؟ جزاكم الله خيرا.

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

1- لقد بينا الأدلة الشرعية على كون الذهب والفضة النقدين اللذين ينبغي أن تعتمدهما الدولة في الإسلام، وفصلنا القول في ذلك في كتاب النظام الاقتصادي وفي كتاب الأموال في دولة الخلافة... وكذلك وضحنا الأمر في كتاب مقدمة الدستور الجزء الثاني في المادة "167" وشرحها... وأنقل لك ما جاء في مقدمة الدستور بهذا الخصوص لوضوحه وسلاسته:

 

(المادة 167: نقود الدولة هي الذهب والفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة، ولا يجوز أن يكون لها نقد غيرهـما. ويجوز أن تصدر الدولة بدل الذهب والفضة شيئاً آخر على شرط أن يكون له في خزانة الدولة ما يساويه من الذهب والفضة. فيجوز أن تصدر الدولة نحاساً أو برونزاً أو ورقاً أو غير ذلك وتضربه باسـمها نقداً لها إذا كان له مقابل يساويه تـماماً من الذهب والفضة.

 

الإسلام حين قرر أحكام البيع والإجارة لم يعين لمبادلة السلع أو لمبادلة الجهود والمنافع شيئاً معيناً تجري المبادلة على أساسه فرضاً، وإنما أطلق للإنسان أن يجري المبادلة بأي شيء ما دام التراضي موجوداً في هذه المبادلة، فيجوز أن يتزوج امرأة بتعليمها الخياطة، ويجوز أن يشتري سيارة بالاشتغال في المصنع شهراً، ويجوز أن يعمل عند شخص بمقدار معين من السكر، وهكذا أطلق الشرع المبادلة لبني الإنسان بما يريدون من الأشياء. بدليل عموم أدلة البيع وأدلة الإجارة: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ [البقرة: 275] لأي شيء بأي شيء، والحديث «أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» أخرجه ابن ماجه، أي أن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله، أياً كان نوع هذا الأجر. وأيضاً فإن هذه الأشياء التي يجري التبادل بها ليست أفعالاً حتى يكون الأصل فيها التقيُّد فتحتاج إباحتها إلى دليل، وإنما هي أشياء. والأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم، ولم يرد دليل يحرم هذه الأشياء، وعليه فيجوز إجراء المعاملات الشرعية عليها بيعاً وشراءً، وهبةً، ومبادلةً... إلا ما ورد نص بتحريم التبادل فيه. وبناء على هذا فإن مبادلة السلعة بنقد والنقد بسلعة كذلك مباحة مطلقاً إلا مبادلة النقد بالنقد فلها أحكام خاصة فهي مقيدة بتلك الأحكام. وكذلك مبادلة الجهد بنقد والنقد بجهد مباحة مطلقاً، إلا السلع أو الجهود التي ورد نص بتحريمها. وبناء على هذا فإن مبادلة السلعة بوحدة معينة من النقد وكذلك مبادلة الجهد بوحدة معينة من النقد مباحة أيضاً مطلقاً أياً كانت هذه الوحدة النقدية. فسواء أكانت هذه الوحدة ليس لها مقابل مطلقاً كالنقود الورقية الإلزامية، أم كانت هذه الوحدة لها مقابل نسبة معينة من الذهب كالنقود الورقية الوثيقة، أم كانت هذه الوحدة لها مقابل من الذهب والفضة مساو لقيمتها تماماً كالنقود الورقية النائبة، فكلها يصح فيها التبادل. ولهذا تصح مبادلة السلعة أو الجهد بأية وحدة معينة من النقد. فيصح للمسلم أن يبيع بأي نقد، وأن يشتري بأي نقد وأن يستأجر بأي نقد، وأن يكون أجيراً بأي نقد.

 

إلا أن الدولة إذا أرادت أن تجعل للبلاد التي تحكمها وحدة معينة من النقد تنفذ الأحكام الشرعية المتعلقة بالمال من حيث هو مال كالزكاة والصرف والربا وغير ذلك، أو الأحكام المتعلقة بالشخص المالك للمال كالدية ومقدار السرقة وغير ذلك، فإنها ليست مطلقة اليد تجعل أية وحدة معينة من النقد، بل هي ملزمة بوحدة معينة من النقد لا يجوز لها أن تجعل غيرها ولا بوجه من الوجوه. فإن الشرع قد عين وحدة معينة من النقد في جنس معين جاء النص عليه ألا وهو الذهب والفضة. فإذا أرادت الدولة أن تصدر نقداً فإنها مقيدة بأن يكون هذا النقد هو الذهب والفضة ليس غير. فالشرع لم يترك للدولة أن تصدر النقد الذي تريده من أي نوع تشاء، وإنما عين الوحدات النقدية التي للدولة أن تجعلها نقداً لها إذا أرادت أن تصدر نقداً بوحدات نقدية معينة هي الذهب والفضة ليس غير. والدليل على ذلك أن الإسلام ربط الذهب والفضة بأحكام ثابتة لا تتغير. فحين فرض الدية عين لها مقداراً معيناً من الذهب، وحين أوجب القطع في السرقة عين المقدار الذي يقطع بسرقته من الذهب، قال ﷺ في كتابه الذي كتبه إلى أهل اليمن: «وَأَنَّ فِي النَّفْسِ المُؤْمِنَةِ مِاْئَةً مِنَ الإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ أَلْفُ دِينَارٍ» ذكره ابن قدامة في المغني عما رواه عمرو بن حزم من كتاب رسول الله ﷺ إلى أهل اليمن. وفي رواية النسائي عن كتاب رسول الله ﷺ إلى أهل اليمن (وعلى أهل الذهب ألف دينار) بدل (أهل الورق). وقال ﷺ: «لا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلاَّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً». أخرجه مسلم من طريق عائشة رضي الله عنها. فهذا التحديد لأحكام معينة بالدينار والدرهم والمثقال يجعل الدينار بوزنه من الذهب والدرهم بوزنه من الفضة وحدة نقدية تقاس بها قيم الأشياء والجهود. فتكون هذه الوحدة النقدية هي النقد، وهي أساس النقد. فكون الشرع ربط الأحكام الشرعية بالذهب والفضة نصاً حين تكون هذه الأحكام متعلقة بالنقد دليل على أن النقد إنما هو الذهب والفضة ليس غير. وأيضاً فإن الله سبحانه وتعالى حين أوجب زكاة النقد أوجبها في الذهب والفضة ليس غير، وعين لها نصاباً من الذهب والفضة. فاعتبار زكاة النقد بالذهب والفضة يعين أن النقد هو الذهب والفضة. وأيضاً فإن أحكام الصرف التي جاءت في معاملات النقد فقط إنما جاءت بالذهب والفضة وحدهما، وجميع المعاملات المالية التي وردت في الإسلام إنما جاءت على الذهب والفضة. والصرف بيع عملة بعملة، إما بيع عملة بنفس العملة، وإما بيع عملة بعملة أخرى، وبعبارة أخرى الصرف بيع نقد بنقد. فتعيين الشرع للصرف ـ وهو معاملة نقدية بحتة ـ بالذهب والفضة وحدهما دون غيرهما دليل صريح على أن النقد يجب أن يكون الذهب والفضة لا غير، قال عليه الصلاة والسلام: «وَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْتُمْ» أخرجه البخاري من طريق أبي بكرة: وأخرج مسلم نحوه من طريق عبادة بن الصامت. وقال عليه الصلاة والسلام: «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِباً إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ» متفق عليه من طريق عمر. وفوق ذلك فإن الرسول ﷺ قد عين الذهب والفضة نقداً وجعلهما وحدهما المقياس النقدي الذي يرجع إليه مقياس السلع والجهود. وعلى أساسهما كانت تجري المعاملات. وجعل المقياس لهذا النقد الأوقية، والدرهم، والدانق، والقيراط، والمثقال، والدينار. وكانت هذه كلها معروفة ومشهورة في زمن النبي ﷺ يتعامل بها الناس. والثابت أنه عليه الصلاة والسلام أقرها. وكانت تقع بالذهب والفضة جميع البيوع والأنكحة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، فكون الرسول جعل النقد الذهب والفضة، وكون الشرع قد ربط بعض الأحكام الشرعية بهما وحدهما وجعل الزكاة النقدية محصورة بهما، وحصر الصرف والمعاملات المالية بهما؛ كل ذلك دليل واضح على أن نقد الإسلام إنما هو الذهب والفضة ليس غير.) انتهى النقل من كتاب مقدمة الدستور.

 

2- وهكذا نجد الأدلة الشرعية متضافرة في الدلالة على أن النقد الذي تتخذه الدولة في الإسلام هو الذهب والفضة وأنها لا تتخذ نقداً غيره، ومع أن إقرار النبي ﷺ هذين النقدين يكفي وحده لإثبات الحكم الشرعي في موضوع النقد في الإسلام إلا أن الشرع لم يقف عند حد إقرار الرسول عليه الصلاة والسلام للنقدين بل تجاوز ذلك إلى إقامة أدلة في باب الربا وباب الزكاة وباب الديات... إلخ، تدل على اعتبار النقدية شرعاً في معدني الذهب والفضة ما دامت هذه الأحكام الشرعية قائمة أي إلى يوم الدين، فلا سبيل للقول باتخاذ نقد غيرهما شرعاً...

 

3- روي عن عمر رضي الله عنه أنه همَّ باتخاذ دراهم من جلود الإبل، وقد ورد ذلك وفق ما تتبعناه من طريقين:

 

- روى البلاذري في كتابه فتوح البلدان (3/ 578)، حدثنا عمرو الناقد قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: ثنا يونس بن عبيد، عن الحسن قال: كان الناس وهم أهل كفر قد عرفوا موضع هذا الدرهم من الناس فجودوه وأخلصوه: فلما صار إليكم غششتموه وأفسدتموه. ولقد كان عمر بن الخطاب قال: هممت أن أجعل الدراهم من جلود الإبل. فقيل له إذا لا بعير. فأمسك.

 

- روى عبد الرزاق الصنعاني المتوفى 211هـ في كتابه "تفسير عبد الرزاق" عَنْ مَعْمَرٍ، وَيَحْيَى، عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ مِنْ جُلُودِ الْإِبِلِ دَرَاهِمَ، فَقَالُوا: «إِذاً تَفْنَى الْإِبِلُ فَتَرَكَهَا».

 

وقد حاول البعض أن يستدل بذلك على أنه يجوز للدولة في الإسلام أن لا تجعل نقدها الذهب والفضة وأن تتخذ نقداً من أي مال يُصطلح عليه كالجلود ونحوها... وكما ذكرت في سؤالك فإن بعض أهل هذا العصر يرفضون العودة إلى قاعدة الذهب والفضة ويقرون الأوراق النقدية الإلزامية استناداً بزعمهم إلى هذا القول المروي عن عمر رضي الله عنه... والرد على هذا الأمر من أوجه عدة:

 

أ- كما ذكرنا وبيًّنا آنفاً فإن الأدلة الشرعية متضافرة في الدلالة عن أن النقد في الإسلام هو الذهب والفضة وذلك أخذاً من إقرار النبي ﷺ ومن ربط الشرع أحكاماً كثيرة بالذهب والفضة باعتبار نقديتهما... فكيف تُترك هذه الأدلة كلها وتوضع جانباً ويتم اللجوء إلى رواية عن عمر رضي الله عنه لإثبات القول بخلاف تلك الأدلة الثابتة الواضحة؟ أليس هذا أمراً غريباً بعيداً عن الاستدلال الصحيح بالأدلة الشرعية؟!

 

ب- من جهة السند توجد إشكالية في هذه الرواية من الطريقين اللذين رويت فيهما، ففي السندين لهذه الرواية انقطاع لأن الراوي الأول عن عمر بن الخطاب هو الحسن البصري وهو لم يدرك عمر رضي الله عنه ولم يأخذ عنه لأنه ولد في نهاية خلافة عمر قبل موته بقليل، والراوي في الرواية الثانية هو ابن سيرين، وهو كذلك لم يدرك عمر بن الخطاب ولم يرو عنه، وقيل إنه ولد في نهاية خلافة عمر وقيل في خلافة عثمان... فكيف يصح الأخذ بهذه الروايات التي فيها انقطاع في السند مقابل الأحاديث النبوية الثابتة الصحيحة؟!

 

ج- إن رواية الحسن البصري فيها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (هممت أن أجعل الدراهم من جلود الإبل)، أي أن الأمر لم يتعد عند عمر أن يكون "همّاً" في القيام بالفعل، ولم يقم به... فكيف نستند إلى ذلك في إجازة اتخاذ نقد غير الذهب والفضة؟ أي كيف نستند إلى مجرد "همٍّ" من عمر لم يتحقق مقابل أدلة من القرآن الكريم وأدلة ثابتة عن رسول الله ﷺ واضح منها تحديد نقد في الإسلام؟! أليس هذا أمراً غريباً؟!

 

د- الأمر الثابت هو أن الخلفاء الراشدين استعملوا مثل الرسول ﷺ الذهب والفضة باعتبارهما نقداً، أي أن عمر رضي الله عنه كان النقد المستعمل أيام خلافته هو الدينار الذهبي والدرهم الفضي... فكيف نترك هذا الأمر الثابت المطرد أيام النبي ﷺ والخلفاء الراشدين بمن فيهم عمر ونأخذ برواية تقول بأن عمر رضي الله عنه همَّ باتخاذ دراهم من جلود الإبل؟! أي كيف نأخذ برواية عن "همِّه" ونترك ما هو ثابت من فعله من استعمال الذهب والفضة باعتبارهما النقدي أيام خلافته رضي الله عن الصحابة أجمعين؟

 

وهكذا يتضح أن الاستدلال بالقول المروي عن عمر رضي الله عنه هو استدلال في غير محله وأنه لا ينهض دليلاً على القول بأن الإسلام لم يحدد للدولة نقداً تتخذه، وكذلك لا يصلح لمعارضة الأدلة الأقوى والأثبت...

 

4- بالإضافة إلى المذكور في الأعلى فقد ترتب على ترك العمل بقاعدة الذهب والفضة في العالم واتخاذ الأوراق الإلزامية، ترتب على ذلك أضرار كثيرة وكبيرة من مثل تذبذب أسعار الصرف وتحكم الدولار الأمريكي بالأسواق وتضرر عملات الدول الضعيفة وانخفاض قوتها الشرائية بنسب عالية جداً... إلخ من الأضرار المعلومة لكل من يتابع النواحي النقدية والمالية والاقتصادية... ولا يتأتى التخلص من هذه الأضرار ومن تحكم الدول الرأسمالية الكبرى وخاصة أمريكا، لا يتأتى التخلص من ذلك إلا بالعودة إلى قاعدة الذهب والفضة واتخاذهما نقداً وجرّ العالم لاتخاذهما نقداً لإزالة تلك الأضرار الناشئة عن هيمنة النقد الورقي للدول الكافرة المستعمرة والتحكم في الاقتصاد العالمي، وخاصة من أمريكا... ودولة الخلافة هي الدولة المؤهلة لفعل ذلك بإذن الله...

 

كل ما سبق يبين بوضوح وجوب كون الذهب والفضة هما النقد الشرعي لدولة الخلافة لا غير... والله أعلم وأحكم.

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

24 محرم الحرام 1442هـ

الموافق 2020/09/12م

 

رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك

رابط الجواب من صفحة الأمير(حفظه الله) ويب

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع