- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي"
جواب سؤال
الصلاة خلف إمام يتواصل معه فقط من خلال السماعات
إلى ابو قتيبة جيتاوي
السؤال:
هل تجوز صلاة المأمومين في بناية أو طابق أو ساحة أو غير ذلك مع إمام مسجد منفصل تماماً بحيث لا يمكن رؤية الإمام ومن معه من المأمومين أو سماعهم في مسجدهم إلا من خلال سماعات أو شاشات تنقل الصوت أو الصورة عن طريق الأجهزة الإلكترونية الحديثة كهربائياً أو عن طريق الإنترنت؟
أفيدونا رجاء لأن المسألة بدأت تنتشر وجزاكم الله خيرا.
الجواب:
يا أخي مسألة صلاة الجمعة هذه تناولها الفقهاء ولهم آراء فيها، وقد سمعت أن بعض الشاشات تستعمل! وأنا لا أقول كل آرائهم باطلة، ولكن الذي أرجحه هو ما يلي:
أولاً: بعض النصوص ذات العلاقة:
1- أخرج البخاري عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ؛ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِساً فَصَلُّوا جُلُوساً أَجْمَعُونَ».
2- وأخرج مسلم عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّمَا الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِساً فَصَلُّوا جُلُوساً أَجْمَعُونَ».
3- أخرج أبو داود قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو خَالِدٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ حَدَّثَنِي رَجُلٌ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ بِالْمَدَائِنِ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَتَقَدَّمَ عَمَّارٌ وَقَامَ عَلَى دُكَّانٍ يُصَلِّي وَالنَّاسُ أَسْفَلَ مِنْهُ، فَتَقَدَّمَ حُذَيْفَةُ فَأَخَذَ عَلَى يَدَيْهِ فَاتَّبَعَهُ عَمَّارٌ حَتَّى أَنْزَلَهُ حُذَيْفَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ عَمَّارٌ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ فَلَا يَقُمْ فِي مَكَانٍ أَرْفَعَ مِنْ مَقَامِهِمْ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ»؟ قالَ عَمَّارٌ: لِذَلِكَ اتَّبَعْتُكَ حِينَ أَخَذْتَ عَلَى يَدَيَّ. جاء في البناية شرح الهداية لأبي محمد الغيتابي الحنفي بدر الدين العيني في شرح الحديث أعلاه:
(ش- أحمد بن إبراهيم: ابن كثير بن زيد بن أفلح بن منصور بن مزاحم العبدي أبو عبد الله المعروف بـ"الدورقي". سمع: أخاه: يعقوب، وابن مهدي، والحجاج، وأبا داود الطيالسي، وغيرهم. روى عنه: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وغيرهم. قال أبو حاتم: صدوق. مات بالعسكر يوم السبْت لسبع بقين من شعبان، سنة ست وأربعة ومائتين. وحجاج: ابن محمد الأعور، وعبد الملك: ابن جريج. وأبو خالد: روى عن: عدي بن ثابت، روى عنه: ابن جريج. روى له: أبو داود. قوله: "أسفل منه" منصوب على الظرفية.
قوله: "لذلك" أي: لأجل قول النبي عليه الصلاة والسلام هذه المقالة. وفي إسناد الحديث رجل مجهول. ومع ذلك فقد استدل بهذا الحديث في البناية شرح الهداية كما ذكرنا أعلاه أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابي الحنفي بدر الدين العيني (المتوفى: 855هـ) فقد ورد فيه (قلت: روى أبو داود في "سننه" من حديث همام أن حذيفة أم الناس بالمدائن على دكان، فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال: بلى قد ذكرت حين مددتني، وروى أيضا من «حديث عدي بن ثابت الأنصاري حدثني رجل أنه كان مع عمار بن ياسر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بالمدائن فأقيمت الصلاة، فتقدم عمار بن ياسر، وقام على دكان يصلي والناس أسفل منه، فتقدم حذيفة فأخذ على يديه، فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة، فلما فرغ عمار من صلاته، قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله ﷺ يقول: "إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم" أو نحو ذلك، قال عمار رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لذلك اتبعتك حين أخذت على يدي.) انتهى
ومع كراهة أكثر الفقهاء لعلو الإمام على المأموم، إلا أنهم يستثنون من ذلك العلو اليسير... جاء في "البيان في مذهب الإمام الشافعي" (2 / 427): "ويكره أن يكون موضع الإمام أعلى من موضع المأموم، قال الشيخ أبو حامد: وإنما يكره إذا كانت ربوة كثيرة العلو، فأما إذا كنت دكة، أو ربوة قليلة العلو: لم يكره
4- وأخرج البيهقي في السنن الكبرى:
(باب المأموم يصلي خارج المسجد بصلاة الإمام في المسجد وبينهما حائل) (أخبرنا) أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ الربيع قال: قال الشافعي: قد صلى نسوة مع عائشة زوج النبي ﷺ في حجرتها فقالت: لا تصلين بصلاة الإمام فإنكن دونه في حجاب. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وكما قالت عائشة في حجرتها إن كانت قالته قلناه.
(ح وأخبرنا) أبو أحمد المهرجاني أنبأ أبو بكر بن جعفر ثنا محمد بن إبراهيم ثنا ابن بكير ثنا مالك عن الثقة عنده أن الناس كانوا يدخلون حجر أزواج النبي ﷺ بعد وفاة النبي ﷺ فيصلون فيها الجمعة قال: وكان المسجد يضيق على أهله فيتوسعون بها وحجر أزواج النبي ﷺ ليست من المسجد ولكن أبوابها شارعة في المسجد. قال مالك: فمن صلى في شيء من أفنية المساجد الواصلة به من المسجد أو في رحابه التي تليه فإن ذلك مجزي عنه، ولم يزل ذلك من أمر الناس لم يعبه أحد من أهل الفقه. قال مالك: فأما دار مغلقة لا تدخل إلا بإذن فإنه لا ينبغي لأحد أن يصلي فيها بصلاة الإمام يوم الجمعة وإن قربت لأنها ليست من المسجد.
5- وأخرج البيهقي في "معرفة السنن والآثار"... أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي: فيمن كان في دار قرب المسجد أو بعيدا منه لم يجز له أن يصلي فيها إلا أن تتصل الصفوف به وهو في أسفل الدار لا حائل بينه وبين الصفوف. ثم ساق الكلام إلى أن قال: فإن قيل: أفتروي في هذا شيئا؟ قيل: صلى نسوة مع عائشة زوج النبي ﷺ في حجرتها فقالت: «لا تصلين بصلاة الإمام؛ فإنكن دونه في حجاب» قال: وكما قالت عائشة في حجرتها إن كانت قالته قلنا: لم يذكر إسناده في الجديد وذكره في القديم.
وفي رواية أخرى للبيهقي عن محمد بن إسحاق والمؤمل قالا: حدثنا الزعفراني عن الشافعي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن ليث، عن عطاء، عن عائشة، «أن نسوة صلين في حجرتها، فقالت: لا تصلين بصلاة الإمام؛ فإنكن في حجاب» والحجاب: الحاجز والمانع والساتر.
ثانياً: معنى القدوة والاقتداء في اللغة من لسان العرب:
[( قدا)....يقال قِدْوةٌ وقُدْوةٌ لما يُقْتَدى به... القُدْوة والقِدْوة ما تَسَنَّنْتَ به................
والقِدَة كالقِدْوة يقال لي بك قِدْوةٌ وقُدْوة وقِدةٌ ومثله حَظِيَ فلانٌ حِظْوةً وحُظْوةً وحِظة............
وقد اقتدى به والقُدوة والقِدوة الأُسْوة يقال فلان قدوة يقتدى به.................]
ويستعمله الفقهاء بهذا المعنى اللغوي، وفي الصلاة يعرفونه بأنه: (اتباع المؤتم الإمام في أفعال الصلاة).
ثالثاً: بناء على ما سبق فإن الذي أرجحه لتحقيق هذه المعاني هو تقيد المأموم بالأمور التالية:
1- أن يكون المكان الذي يصلي فيه المأموم داخلاً في المكان الذي يصلي فيه الإمام، أي مبنى المسجد أو ساحته... دون فاصل طبيعي بين الساحة والمسجد مثل قناة مياه جارية أو شارع رئيس تجوبه السيارات... أي لا يكون فاصل فعلي بين المسجد والساحة.
2- أن يصلي في مكان يرى المأمومُ إمامَه، أو أن يصلي في مكان مفتوح يمكنه منه أن يرى مِن المأمومين مَن يرى الإمام... فلا يكون في غرفة مغلقة تماماً "حجرة" لا يَرى من في داخلها خارجها.. ولا تعد رؤية صورة الإمام رؤيةً للإمام، فأحكام الصورة تختلف عن أحكام الجسم الحقيقي، فلو أنك جرحت الصورة بسكين فلا يعني ذلك أنك جرحت الإمام! بل إن رؤية الصورة لا علاقة لها بالاقتداء، فقد ترى الصورة على شاشة التلفاز من مكان بعيد عن الجامع وساحته بل من بلد بعيد لا علاقة له بالإمام أو الاقتداء به، وعليه فلا تعتمد هذه الرؤية في الاقتداء...
3- أن يسمع تكبيرات الإمام سواء أكان ذلك مباشرة أم كان بمكبرات الصوت، وذلك لأن تسميع صوت الإمام جائز سواء أكان ذلك بترديد التكبير من شخص خلف الإمام أم كان بتكبير الصوت، ومن ثم يسمع المأموم تكبيرات الإمام، ويقتدي به...
جاء في حاشية الدسوقي المالكي على الشرح الكبير للشيخ الدردير:
[(وَ) جَازَ (مُسَمِّعٌ) أَيْ اتِّخَاذُهُ وَنَصْبُهُ لِيُسَمِّعَ الْمَأْمُومِينَ بِرَفْعِ صَوْتِهِ بِالتَّكْبِيرِ فَيَعْلَمُونَ فِعْلَ الْإِمَامِ (وَ) جَازَ (اقْتِدَاءٌ بِهِ) أَيْ الِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ بِسَبَبِ سَمَاعِهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ صَوْتَهُ وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ الْمُسَمِّعِ]
4- أن لا يكون الإمام في مكان أرفع من المأمومين كأن يكون الإمام في أعلى طابق في المسجد والمأمومون كلهم أسفل منه...
فإذا تحققت هذه الأمور فإن الاقتداء بالإمام قد حدث، ومن ثم تتحقق شروط الجماعة خلف الإمام في صلاة الجمعة بإذن الله... وأكرر ما قلته في البداية أنني لا أقول كل آراء المخالفين لهذا الرأي باطلة... وإنما هذا هو الذي أرجحه في هذه المسألة... والله تعالى أعلم وأحكم.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
29 شعبان 1443هـ
الموافق 2022/04/01م
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) ويب